فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

تملك محكمة المظالم صلاحية النظر في أيّة مَظْلِمَة من المظالم سواء أكانت متعلقة بأشخاص من جهاز الدولة، أم متعلقة بمخالفة الخليفة لأحكام الشرع، أم متعلقة بمعنى نصٍّ من نصوص التشريع في الدستور، والقانون، وسائر الأحكام الشرعية ضمن تبني الخليفة، أم متعلقة بتظلم الرعية من القوانين الإدارية المتعلقة بمصالحها، أم متعلقة بفرض ضريبة من الضرائب، أم غير ذلك.

 ولا يشترط في قضاء أية مَظْلِمَة متعلقة بأشخاص من جهاز الدولة، أو متعلقة بمخالفة الخليفة للأحكام الشرعية، أو متعلقة بمعنى نص من نصوص التشريع، أو الدستور، أو القانون ضمن تبني الخليفة، أو متعلقة بفرض ضريبة من الضرائب، أو متعلقة بتعدي الدولة على الرعية وأخذها بالعسف والظلم، أو جورها فيما تَجبيه من أموال، أو إنقاصها لرواتب الموظفين والجند، أو تأخير صرفها لهم، لا يشترط في قضاء هذه المظالم وأمثالها مجلس قضاء، ولا دعوة المدعى عليه، ولا وجود مدع، بل لها حق النظر في المَظْلِمَة ولو لم يدعِ بها أحد.

وذلك أن الدليل الذي ثبت فيه شرط مجلس القضاء للنظر في القضية لا ينطبق على محكمة المظالم لعدم وجود مدع، إذ لا حاجة لوجود مدعٍ فيها، فهي تنظر في المَظْلِمَة، ولو لم يدعِ بها أحد، أو لعدم ضرورة حضور المدعى عليه، لأنها تنظر في القضية من غير حاجة لحضور المدعى عليه. لأنها تدقق في المَظْلِمَة، وعليه لا ينطبق عليها دليل اشتراط مجلس القضاء، لما روى أبو داود وأحمد عن عبد الله بن الزبير قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ: «إذا جلس إليك الخصمان». وعليه لمحكمة المظالم النظر في المَظْلِمَة بمجرد حدوثها من غير التَقيُّد بشيء مطلقاً، لا في مكان، ولا في زمان، ولا في مجلس قضاء، ولا غير ذلك.

إلا أنه نظراً لمكانة هذه المحكمة من ناحية صلاحياتها كانت تحاط بما يجعل لها الهيبة والعظمة. وفي زمن السلاطين في مصر والشام كان مجلس السلطان الذي ينظر فيه في المظالم يسمى (دار العدل) وكان يُقيم فيه نُواباً عنه، ويحضر فيه القضاة والفقهاء، وقد ذكر المقريزي في كتاب (السلوك إلى معرفة دول الملوك) أن السلطان الملك الصالح أيوب رَتّب عنه نُواباً بدار العدل يجلسون لإزالة المظالم، ومعهم الشهود والقضاة والفقهاء. ولا بأس أن يُجعل لمحكمة المظالم دار فخمة، فإن هذا من المباحات، لا سيما إذا كانت تَظهَر بها عظمة العدل.

 

القضاء في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة