أمة واحدة قضيتها واحدة ودولتها واحدة.. دولة الخلافة على منهاج النبوة

قامت صحيفة "المصري اليوم" الخميس 21/11/2013م بنشر المسودة الأولى لدستور لجنة الخمسين المعدل، ورغم أن هناك تعديلات قد لحقت بأغلب المواد، إلا أن هذا الدستور المعدل لا يختلف كثيرا عن الدستور السابق والأسبق، في كونهم جميعا دساتير كفر وضعت لنظام كفر، فالسيادة فيه ليست للشرع، بل هي للشعب، فالشعب من له حق التشريع، أي حق التحليل والتحريم والتحسين والتقبيح.

 فبرغم التعديلات التي أدخلت على دستور 2012 فقد ظلت على سبيل المثال المادة الأولى على حالها مع بعض التقديم والتأخير فقط، لكن فحوى المادة واحد؛ وهو أن مصر دولة نظامها جمهوري ديمقراطي. ونحن نعرف أن أعضاء "الخمسين" المعينين لم يكونوا معنيين بالبحث عن نظام حكم يتوافق مع عقيدة أهل الكنانة، ألا وهي الإسلام، إلا أنهم لم يكتفوا بعدم الاكتراث، بل فتشوا ونقبوا في الدستور الذي وضعه الإخوان وجملوه ببعض "الرتوش الإسلامية" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تجعل من دستورهم دستورا إسلاميا بحال من الأحوال، فعمدوا إليه لينزعوا عنه هذه الرتوش، أي لينزعوا عنه ورقة التوت التي أرادها له بعض من ينتسبون للتيار الإسلامي، أيام كانوا في "لجنة المائة"، فأخرجوا لنا وقتئذ دستورا لا يختلف كثيرا عن دستور 1971.

وإننا نبين للمسلمين في مصر وفي جميع بلاد المسلمين شكل الحكم في الإسلام، ليدرك الجميع - سواء الخمسون الحاليون أو المائة السابقون أو من يقف وراءهم - أن النظام الجمهوري الديمقراطي الذي أكدوا عليه في مادتهم الأولى ليس هو نظام الحكم في الإسلام الذي يرضاه الله رب العالمين لهذه الأمة.

 

نظام الحكم في الإسلام "الخلافة" ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً

فنظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة؛ فالخلافة شرعاً هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي الشكل الذي وردت به الأحكام الشرعية لتكون عليه الدولة الإسلامية كما أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وكما سار عليها الصحابة الكرام من بعده، وهذا الرأي جاءت به أدلة القرآن والسُّنة وعليه إجماع الصحابة، ولم يخالف ذلك في الأمة جمعاء إلا من تربى على ثقافة الكافر المستعمر الذي هدم دولة الخلافة ومزق بلاد المسلمين.

ومن هنا نقول أن نظام الحكم في الإسلام ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً؛ فالنظام الجمهوري الديمقراطي هو نظام من وضع البشر يقوم في أساسه على فصل الدين عن الحياة وتكون السيادة فيه للشعب، فالشعب هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين، أي التحليل والتحريم. بينما يقوم نظام الحكم في الإسلام على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية التي تنبثق عنها. والسيادة فيه للشرع لا للشعب، ولا تملك فيه الأمة ولا الخليفة حق التشريع، فالمشرع هو الله سبحانه وحده، ولكن الإسلام قد جعل السلطان للأمة، أي جعل لها حق اختيار الحاكم، فهي تنتخب من تريد ليحكمها بالإسلام وتبايعه على ذلك، وما دام الخليفة قائماً بالشرع، مطبقاً لأحكام الإسلام فإنه يبقى خليفة، مهما طالت مدة خلافته. ومتى أخلَّ بتطبيق أحكام الإسلام انتهت مدة حكمه، ولو كانت يوماً أو شهرًا بعد تولِّيه، ويجب أن يُعزل. ومنه نرى أن هناك تناقضاً كبيراً بين النظامين في الأساس وفي الشكل الذي يقوم عليه كل منهما، وعليه فلا يجوز مطلقاً أن يقال إن نظام الإسلام نظام جمهوري، أو أنه يقرُّ الديمقراطية.

والحاصل أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة. وقد انعقد الإجماع على وحدة الخلافة، ووحدة الدولة، وعدم جواز البيعة إلا لخليفة واحد. وقد اتفق على ذلك الأئمة والمجتهدون وسائر الفقهاء.

 أيها المسلمون في أرض مصر الكنانة! وفي كل مكان

مَن الأجدر منكم بتحقيق هذه الغاية العظيمة التي تهون في سبيلها التضحيات؟! من الأولى منكم بهذه الهدية الربانية التي تنتهي بها كل المآسي والمشكلات؟! إننا قد وضعنا بين أيديكم التصور الواضح لنظام الحكم في الإسلام، الذي حكم به أئمة الهدى سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وبيَّنَّاه بهيكله وتفاصيل إداراته، وأخرجنا للأمة دستورًا كاملًا لدولة الخلافة القادمة إن شاء الله، مستنبطًا في كل مادة من كتاب الله وسنة رسوله وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي، وجمعنا الأدلة لكل مادة في مقدمة لهذا الدستور.

فالواجب عليكم بعد هذا البيان الشافي هو الالتزام بما أمركم به ربكم الذي بيده وحده نصركم وعزكم، فلا تقبلوا أي نظام يُطرح عليكم حتى ولو كان مُجمَّلَ الوجه مُزكّىً من قبل رجال، بل أشباه رجال، وإن كانوا خمسين أو حتى بلغوا المائة، ولا تقبلوا أن تُرفع لكم الشعارات البرّاقة حتى ولو تمسّحت بذكر الإسلام، إذا كان مضمونها الديمقراطية والحكم بغير نظام الإسلام.

﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ؛ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ؛ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ؛ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 49-50]