المادة 133: الأرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها، وأرض جزيرة العرب، والأرض الخراجية هي التي فتحت حرباً أو صلحاً ما عدا جزيرة العرب، والأرض العشرية يملك الأفراد رقبتها ومنفعتها، وأما الأرض الخراجية فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الأفراد، ويحق لكل فرد تبادل الأرض العشرية ومنفعة الأرض الخراجية بالعقود الشرعية وتورث عنهم كسائر الأموال.

 دليلها هو أن الأرض بمنـزلة المال، تعتبر غنيمة للمسلمين إذا أخذت فتحاً بالحرب كسائر الغنائم. وهذه هي الأرض الخراجية، فتكون رقبتها ملكاً لبيت المال، وأما إذا أسلم أهلها عليها فإنها تكون كأموال المسلمين ملكاً لهم، يملكون رقبتها وهذه هي الأرض العشرية.

أما دليل كون الأرض غنيمة كسائر الأموال فقد حدَّث حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: «قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ أَرْضَهُ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُسْلِمُوا وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ» كتاب الخراج ليحيى بن آدم.

وأما كونها لم تقسم على المحاربين كسائر الغنائم، فلأن الخلاف الذي حصل على هذا الحكم بين الزبير وعمر في أرض مصر، وبين بلال وعمر في أرض العراق، كان دليل عمر في الحالتين هو الأقوى، وأيده عشرة من الأنصار والمهاجرين، فالزبير رأى في أرض مصر لما افتتحت أن تكون كالأموال المنقولة تقسم على المحاربين، وكتب عمرو بن العاص والي مصر لعمر بذلك، ولكن عمر أبى وأجاب عمرَو بن العاص «أَقِرَّهَا حَتَى يَغْزُوَ مِنْهَا حَبَلُ الحَبَلَةِ» أي أن تكون ملكاً للمسلمين ما تناسلوا. وبلال رأى في أرض العراق كذلك، أي أن تقسم على المحاربين، فكتب سعد بذلك لعمر، فأجابه عمر: «واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء» رواه أبو عبيد في الأموال، وأبو يوسف في الخراج، ويحيى بن آدم في الخراج عن يزيد بن أبي حبيب. وقد كانت حجة عمر في ذلك أن قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر 6] الآية فإن الله قد قال:{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر 7]، ثم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}  [الحشر 8]، ثم لم يرض حتى خلـــط بهم غيرهــــم. فقـال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر 9]. فهذه للأنصار خاصة، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ }[الحشر 10]، فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم، فقد صار الفيء بين هؤلاء جميعاً. فهذا دليل عمر على أن الأرض التي لم يسلم أهلها عليها وتفتح تكون ملكاً لجميع المسلمين إلى يوم القيامة. والإمام يملك منفعتها للناس. وقد استشار المسلمين فاختلفوا، فأرسل إلى عشرة من الأنصار، خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج، من كبرائهم وأشرافهم. وكان مما قاله لهم: «وقد رأيت أن أحبس أرضين بعلوجها، وأضع فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها، فتكون فيئاً للمسلمين المقاتلة والذرية من بعدهم. أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر لا بد لها أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء لهم. فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟» رواه أبو يوسف في كتاب الخراج، فقالوا جميعاً: الرأي رأيك، فنعم ما قلت وما رأيت. فاستشهاد عمر بالآية، وبعلة إبقاء الأرض بأنها غلة دائمة لبيت المال، استشهاد بدليل قوي، ولذلك كانت الأرض التي تفتح فتحاً أرضاً خراجية، تبقى رقبتها ملكاً لبيت المال، وينتفع أهلها بها. وهذا هو حكم الأرض، سواءٌ أفتحت عنوة كأرض العراق، أم فتحت صلحاً كمدينة بيت المقدس، إلا أنه في حالة الفتح صلحاً ينظر:

فإن اشترطوا في عقد الصلح شرطاً منصوصاً عليه في الأرض، أي كان الصلح على خرج معلوم، فيجب أن يعاملوا على ما صولحوا عليه، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْماً فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَيُصَالِحُونَكُمْ عَلَى صُلْحٍ فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ» قال أبو عبيد في هذا الحديث: إن السنة في أرض الصلح أن لا يزاد على وظيفتها التي صولحوا عليها، وإن قووا على أكثر من ذلك، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ» رواه أبو عبيد في الأموال، وهو وإن كان في إسناده مجهول إلا أن الصحابة رضوان الله عليهم قد التزموا في أرض الصلح بما صولحوا عليه، كما أن الحديث «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» الذي أخرجه الترمذي، وقال عنه حسن صحيح، من طريق كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ينطبق هنا كذلك.

وأما إن لم يشترطوا فيها شيئاً كما حصل في بيت المقدس فإنها تعامل معاملة الأرض المفتوحة عنوة، لأنها تكون فيئاً للمسلمين.

وهذا كله في غير جزيرة العرب، أما جزيرة العرب فإن جميع أراضيها أراض عشرية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة عنوة وترك أرضها لأهلها، ولم يوظف عليها الخراج. ولأن الخراج على الأرض بمنـزلة الجزية على الرؤوس، فلا يثبت في أرض العرب، كما لم تثبت الجزية في رقابهم. لأن مشركي العرب لا يقبــل منهــم إلا الإســلام أو السـيف: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ }[الفتح 16]. ولذلك كانت أرضهم عشرية وليست خراجية، كأي أرض أسلم أهلها عليها.

والأرض العشرية فيها الزكاة، وهو أن تأخذ الدولة من الزارع للأرض عشر الناتج الفعلي، إن كانت تسقى بماء المطر سقياً طبيعياً، وتأخذ نصف العشر عن الناتج الفعلي، إن كانت الأرض تسقى بالساقية، أو غيرها سقياً اصطناعياً. روى مسلم عن جابر قال: قال عليه الصلاة والسلام: «فِيمَا سَقَتْ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ». وهذا العشر يعتبر زكاة، ويوضع في بيت المال، ولا يصرف إلاّ لأحد الأصناف الثمانية، المذكورين في آية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  }[التوبة 60]. أخرج الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ، حين بعثهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، يعلمان النّاس أمر دينهم، فقال: «لاَ تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ».

وأما الأرض الخراجية، ففيها الخراج، وهو أن تأخذ الدولة من صاحب الأرض قدراً معيناً، تقدره، وتحدده، بحسب إنتاج الأرض التقديري عادة، لا الإنتاج الفعلي. ويقدر على الأرض بقدر احتمالها، حتى لا يُظلَم صاحبُ الأرض، ولا بيتُ المال. ويُحَصَّل الخراج كل سنة من صاحب الأرض، سواء أزرعت الأرض أم لم تزرع، وسواء أخصبت أم أجدبت. أخرج أبو يوسف في الخراج عن عمرو بن ميمون وحارثة بن مضرب، قال: «بعث عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) عثمان بن حنيف على السواد، وأمره أن يمسحه، فوضع على كل جريب عامرٍ أو غامرٍ، مما يعمل مثله، درهماً وقفيزاً». وحدَّث الحجاج بن أرطأة عن ابن عوف «أن عمر بن الخطاب t مسح السواد، ما دون جبل حلوان، فوضع على كل جريب عامرٍ أو غامرٍ يناله الماء بدلو أو بغيره، زُرع أو عُطّل، درهماً وقفيزاً واحداً» أخرجه أبو يوسف في الخراج.

وجعل الخراج على الأرض الخراجية، فذلك لأن الخراج اسم للكراء والغلة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» أخرجه أحمد وأصحاب السنن وقال الترمذي حسن صحيح، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي، والأرض هنا ملك لبيت المال، فتعطى للناس للانتفاع بها، ويضرب عليها قدر معلوم من المال سنوياً، فهو بمنـزلة الكراء عليها، ولذلك يرجع تقديره للخليفة، ولكن لا يزيد عما تحتمل الأرض.

ويوضع الخراج في بيت المال في غير باب الزكاة، ويصرف على جميع الوجوه التي تراها الدولة، كما يصرف سائر المال.

والأرض التي فتحت عَنوة وضرب عليها الخراج يبقى خراجها أبد الدهر، فإن أسلم أهلها أو باعوها إلى مسلم لم يسقط خراجها؛ لأنّ صفتها من كونها فتحت عَنوَةً باقية إلى آخر الزمان، ووجب عليهم دفع العشر مع الخراج؛ لأنّ الخراج حق وجب على الأرض، والعشر حق وجب على ناتج أرض المسلم بالآيات والأحاديث، ولا تنافي بين الحقين؛ لأنهما وجبا بسببين مختلفين. وأما ما استدل به الأحناف، على عدم الجمع بين العشر والخراج، من حديث يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم) فإنّه ليس بحديث، ولم يثبته الحفاظ أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ويُبـدأ بأداء الخراج، فإن بقي بعد أداء الخراج، مما تجب فيه الزكاة، من زروع وثمار، ما يَبلُغُ النصاب، تُخرجُ منه الزكاة، وإن لم يبلغ النصاب، فلا زكاة عليه.

وهكذا فإن المسلم إذا ملك أرضاً عشرية، فعليه الزكاة على وجهها «العشر أو نصف العشر»، وإذا ملك أرضاً خراجية فعليه الخراج وكذلك الزكاة، أي العشر أو نصف العشر. 

وأما الكافر فإذا ملك أرضاً خراجية فعليه الخراج، وإذا ملك أرضاً عشرية فعليه الخراج لا العشر لأن الأرض لا يصح أن تخلو عن وظيفة، ولما كان الكافر ليس من أهل العشر تعين الخراج.

ومن أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج، لم يسبق أن ضرب الخراج عليها، تصبح أرضاً عشرية «فيها الزكاة» إذا أحياها مسلم، وتكون أرضاً خراجية «عليها خراج» إذا كان الذي أحياها من أهل الذمة.

ومن أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج، سبق أن وضع عليها الخراج قبل أن تتحول إلى أرض ميتة، فإنها تكون أرضاً خراجية، سواءٌ أكان الذي أحياها مسلماً أم من أهل الذمة.

هذا إذا كان الإحياء للزرع. وأما إذا كان للسكنى، أو لإقامة مصانع، أو مخازن، أو حظائر، فإنّه لا عشر فيها ولا خراج، لا فرق في ذلك بين أرض العشر، وأرض الخراج، فإن الصحابة الذين فتحوا العراق ومصر قد اختطوا الكوفة، والبصرة، والفسطاط، ونزلوها أيام عمر بن الخطاب، ونزل معهم غيرهم، ولم يضرب عليهم الخراج، ولم يدفعوا زكاة عنها؛ لأنّ الزكاة لا تجب على المساكن والمباني.

والأرض العشرية والخراجية يحق تبادلها وتورث عن مالكها لأنها ملك حقيقي لمالكها فتنطبق عليها جميع أحكام الملك. وهو بالنسبة للأرض العشرية ظاهر، أما بالنسبة للأرض الخراجية فإن ملكيتها كملكية الأرض العشرية سواء بسواء من حيث الملكية، ولا فرق بينهما إلا في أمرين اثنين فحسب: أحدهما بالنسبة لعين ما يملك، والثاني بالنسبة لما يجب على الأرض. أما بالنسبة لعين ما يملك فإن مالك الأرض العشرية يملك رقبتها ومنفعتها، ومالك الأرض الخراجية يملك منفعتها فقط ولا يملك رقبتها. ويترتب على هذا أن مالك الأرض العشرية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه يستطيع ذلك في أي وقت يشاء، لأنه يملك عينها أي رقبتها. وأما مالك الأرض الخراجية إذا أراد أن يوقف أرضه التي يملكها فإنه لا يستطيع ذلك، لأن الوقف يشترط فيه أن يكون الواقف مالكاً لعين ما يقفه، ومالك الأرض الخراجية لا يملك عين الأرض أي رقبتها وإنما يملك منفعتها، لأن رقبتها ملك لبيت المال.

وأما بالنسبة لما يجب عليه في الأرض فإن الأرض العشرية يجب فيها العشر أو نصف العشر، أي تجب فيها الزكاة على عين الخارج إذا بلغ نصاباً. وأما الأرض الخراجية فيجب فيها الخراج، أي المقدار الذي تعينه الدولة سنوياً عليها، سواء أزرعت أم لم تزرع، أنبتت أم لم تنبت، أخصبت أم أجدبت. هذان الأمران فحسب هما اللذان يفترق فيهما حكم الأرض الخراجية عن الأرض العشرية، وما عداهما لا يوجد أي فرق بينهما، فإن أحكامهما واحدة هي أحكام ملكية المال، ولهذا يحق تبادل الأرض عشرية كانت أو خراجية بجميع أنواع التصرفات الشرعية من عقود وغيرها، وتورث عن مالكها كسائر الأموال.