موقع دولة الخلافة على منهاج النبوة - خير دولة لخير أمة أخرجت للناس، رحمة للعالمين - شأنه شأن هذه الدولة التي يُعرّف بها، مبشرا بنصر من الله وفتح قريب يتجسد بدولة الخلافة على منهاج النبوة، وداعيا لجعلها قضية المسلمين المصيرية على بصيرة من الأمر، وخيارهم الوحيد إذ إنها فرض ربهم! ومنذراً سوء عاقبة الوقوف عقبة في طريق استئنافها، فدولة الخلافة قائمة حتماً!
فهذا موقع المسلمين كلهم، موقع كل من رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا وبالقرآن كتابا وبالإسلام دينا، لكل من استقبل المسجد الحرام مصليا، ولكل من طاف حول الكعبة حاجا أو معتمراً!
فهذا موقع دولة كل مسلم سواء أكان أعجميا أم عربيا، وسواء أكان جعفريَّ المذهب أم حنفيّاً، أو كان شافعياً أم زيدياً، أو كان أباضياً أم مالكياً، أم حنبلياً، أم أياً كان مذهبه ومدرسته واجتهاده، ما دام أنه باجتهاد صحيح التأصيل على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم!
كما أن هذا الموقع هو موقع كل التكتلات والأحزاب والحركات والتنظيمات التي تنتسب للإسلام، سواء أكان من التبليغ أم من العلماء المسلمين، من السلفية أم من الصوفية، من الإخوان المسلمين أم من حركة العلماء، من حزب التحرير أم من القاعدة، جهاديا أم علميا! سواء نشط قطريا أم إقليميا أم عالميا، فهذا موقع الجميع أصالة، فإن كان الواقع على خلاف ذلك، فنرجو أن يجعل الله في الموقع ما يصلح به الأحوال، ويميز الرجال، وتصدق الأفعال الأقوال، فمن أبى فإلى الله المآل!
{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }
بل هذا موقع الناس كافة كما جاء الإسلام للناس كافة، إذ أرسل الله، العليم الحكيم، العزيز الرحيم، رب العالمين عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام رحمة للعالمين، فهذا الموقع يقدم الإسلام عقيدة ونظام حياة، ونظام الحكم فيه - نظام الخلافة - في دولته، دولة الخلافة، باعتباره المخرج الحقيقي والوحيد من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام، ومن عبادة الهوى والمال، إلى عبادة الله الحكيم العليم، الرزاق الكريم! فهذا الدين وهذه الدولة ليس بدعة في التاريخ، بل بضياء هذا الدين أنارت دولة الخلافة مشارق الأرض ومغاربها، فألف الله بالإسلام شعوبا وقبائل في أمة واحدة وتحت رايتها الواحدة، وحفظت ورعت من بقي على دينه من الشعوب في ذمتها... الضعيف قويٌّ حتى يُؤخذ الحق له، والقوي ضعيف حتى يُؤخذ الحق منه!
موقع كل المسلمين وإن تعددت الإجتهادات واختلفت
فدولة الخلافة هي دولة الإسلام الواحد في عقيدته وأصوله، تجمع كلمة الأمة على رأي واحد وإن تعددت الاجتهادات واختلفت! فهذه دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي توحد كلمة المسلمين على ما يتبناه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، إذ يبايعونه على السمع والطاعة ما رعاهم بشريعة الإسلام وأحكامه، فإن أخلف فلا طاعة له حتى ولو كان مثل أبي بكر رضي الله ورسوله عنه، ويقوّمونه ولو بأسلحتهم حتى ولو كان مثل عمر رضي الله ورسوله عنه، فالسيادة للشرع والسلطان للأمة. والجميع، حاكمًا ومحكومًا، ملتزمون بالأحكام المستنبطة من الأدلة التي ألزم المسلمون أنفسهم ومذاهبهم وحركاتهم وأحزابهم وتنظيماتهم بها، إذا انتسبوا إلى الإسلام، فالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، والقياس الشرعي المبني على عِلّة شرعية ورد بها نص شرعي... هذه هي المصادر في الاجتهاد في مادة هذا الموقع، وهي الجامع لكل المسلمين على اختلاف المجتهدين والمدارس والمذاهب! فهي تأصيل كل من انتسب إلى الإسلام، على اختلاف لغته ومكانه وزمانه، وعلى اختلاف مذهبه ومدرسته أو حركته وحزبه وجماعته، أعاذنا الله من الكفار وعنادهم والمنافقين وكذبهم، قال الله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ( 60 ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ( 61 )}
هذا لا ينفي الاختلاف في الفهم والاجتهاد، ولكنه ينفي الاختلاف على الأصول! كما أنه لا يحتكر الحق، ولكنه يبين الحق، فالرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، والحق قام الدليل على صحته من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه! قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وقال: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم} وقال: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ}.
قضية الموقع
أما بالنسبة لقضية هذا الموقع - دولة الخلافة على منهاج النبوة -، فهي فريضة شرعية - كما يبين ذلك باب مشروعية دولة الخلافة من قسم دولة الخلافة من الموقع - فرضها الله سبحانه وتعالى طريقة شرعية لتطبيق الإسلام في واقع الحياة، وحمله رحمة للعالمين بالدعوة والجهاد إلى الناس كافة... أقامها رسول الله ، فأرخ بميلادها المسلمون، ورعاها خلفاؤه الراشدون وصحابته من بعده، رضي الله عنهم أجمعين، فكانت بذلك الحق المبين في الحكم والسياسة، حجة الراشدين، وبينة للمجتهدين، وصراطا مستقيما والميزان الحق للعاملين!
واستمرت دولة الخلافة ترعى شؤون المسلمين في العالم وتحت راية واحدة حتى وقت ليس ببعيد... فدولة الخلافة فوق كونها فريضة شرعية فهي كذلك حقيقة تاريخية لا مثيل لها، رغم ما أصابها مما قد يقع من ظلم الإنسان وجهله، فهي دولة بشرية، ترتقي بدرجة تمسك أهلها ورعاتها بسر وجودها وسر نهضتها؛ الإسلام عقيدة ونظام حياة!
فلما أصاب المسلمين كبوة بما كسبت أنفسهم، هدمها الكافر المستعمر، - كما يبين باب كيف هدمت دولة الخلافة من قسم دولة الخلافة - وكان ذلك لضعف أصاب المسلمين ببعدهم عن الإسلام وليس لقوة الكافر أو لضعف في الإسلام... وها هي الأمة قد أفاقت من كبوتها أو كادت، وتلملم جراحها وتستبصر طريق العزة في دولتها تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله...
- فدولتنا: لا مدنية ولا ديمقراطية، بل خلافة إسلامية
- شريعتنا: لا علمانية ولا مدنية، بل شريعة إسلامية
- شرعيّتنا: لا ديمقراطية ولا دولية، بل شرعيّة إسلامية
فالإسلام بين أيدينا، بأنظمته المبصرة، من لدن حكيم عليم، { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، ولبيان أنظمة الإسلام خصص قسم فقه أنظمة الإسلام، ومزيدا في البيان ربط مع أبواب دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة، والذي خصص له قسم دستور دولة الخلافة.
فدولة الخلافة ليست بدعة ولا خيالاً ولا حلمًا، وإنما حقيقة وفريضة ووعد! فالخلافة على منهاج النبوة وعد الله سبحانه وتعالى، لا يخلف الله وعده، فقال : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ}، والخلافة على منهاج النبوة كذلك بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم : "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم يكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على مناهج النبوة ثم سكت"
فما تلبث بعون الله وسعيكم المخلص والصحيح والدؤوب إلا أن تشرق شمسها منيرة بضياء الإسلام، تمكينا للدين، وأمنا وعزة للمسلمين، وهدى ورحمة للعالمين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم!
{ ... لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ؛ بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ؛ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }
هذا هو موقع دولة الخلافة على منهاج النبوة، دولتكم، التي لا يرضى مسلم بغيرها دولة، وهذا دستورها، فلا يرضى موقن غير الله حكما، وهذه أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها تنتظر أن يمكن بها الله ديننا الذي ارتضى لنا، ويبدلنا بها من بعد خوفنا أمنا، ويحيل شتاتنا جمعا، وضعفنا قوة، وذلنا عزا، وفقرنا غِنى، ونحمل الإسلام بالدعوة والجهاد رحمة للعالمين، فنكون على الناس شهداء، كما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علينا شهيدا!
اللهم يا عزيز يا رحيم، يا من لا فضل إلا فضله، ولا راد لفضله، ويا من لا هدى إلا هداه، ويا من تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، ويا من تعز من تشاء وتذل من تشاء! اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، واستعملنا اللهم في إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، واكتب لنا فضلها في الآخرة والدنيا، واجعلها من صالح عملنا الذي لا ينقطع إلى يوم الدين، وترضى به عنا، وتكتبنا برحمتك وفضلك وعفوك وكرمك من الذين أنعمت عليهم! آمين
ووجب التنبه أن الصحيح في هذا الموقع من فضل الله، فله الحمد والثناء، سبحانه ، وأما الخطأ فمن العاملين فيه، والإسلام منه براء، فالإسلام حجة على الجميع، ولا أحد حجة على الإسلام!، فنستغفر الله ونتوب إليه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته أجمعين، وعلى التابعين بإحسان، وعلى سائر أمة محمد من تقدم وتأخر منهم إلى يوم الدين!