أصول الفقه الإسلامي

الصحة

الصحة هي: موافقة أمر الشارع. وتطلق ويراد بها ترتب آثار العمل في الدنيا، وتطلق كذلك ويراد بها ترتب آثار العمل في الآخرة،

ترتب آثار العمل في الدنيا

  • فاستيفاء الصلاة لأركانها وشروطها عند المصلي والواقع تكون صلاة صحيحة. فتقول الصلاة صحيحة بمعنى مجزئة، ومبرئة للذمة، ومسقطة للقضاء.
  • واستيفاء البيع جميع شروطه يكون بيعاً صحيحاً، فتقول البيع صحيح بمعنى أنه محصل شرعاً للملك، واستباحة الانتفاع، والتصرف في المملوك.

ترتب آثار العمل في الآخرة

  •  فتقول هذه الصلاة صحيحة، بمعنى أنه يرجى عليها الثواب في الآخرة،
  • وتقول هذا البيع صحيح، بمعنى أن نية امتثال أمر الشارع، والقصد به حسب مقتضى الأمر والنهي، يرتب عليها الثواب، فيرجى على العمل بهذه النية وهذا القصد الثواب في الآخرة، بناء على التقيد بحكم الله والامتثال له.

إلا أن ما يترتب على آثار العمل في الآخرة لا يلاحظ إلا في العبادات، ولا يلاحظ في غيرها عادة. والمشاهد أن ملاحظته تقتصر على ما هو من العبادات، كالصلاة، والصوم، والحج، وما شابهها، ولا يلاحظ في المعاملات، ولا في أحكام الأخلاق كالصدق، ولا في العقوبات، وهذا هو الغالب عليها؛ ولذلك أغلب ما يدور عليه بحث الصحة هو ترتب آثار العمل في الدنيا، من حيث كونه مجزئاً مبرئاً للذمة.

البطلان

إلا أن غير العبادات يكون المراد بالصحة أنه حلال، والمراد بالبطلان أنه حرام، فالصحة في المعاملات تعني الحل أي إباحة الانتفاع، والبطلان يعني الحرمة، أي حرمة الانتفاع، ويترتب على الحرمة العقاب في الدنيا والآخرة، فمن ملك بعقد باطل مالاً، كان هذا المال حراماً، ويستحق عليه فاعله العقاب في الآخرة.

أما البطلان فهو ما يقابل الصحة، وهو عدم موافقة أمر الشارع، ويطلق ويراد به عدم ترتب آثار العمل عليه في الدنيا، والعقاب عليه في الآخرة، بمعنى أن بكون العمل غير مجزئ، ولا مبرئ للذمة، ولا مسقط للقضاء.

  • فالصلاة إذا ترك ركن من أركانها تكون صلاة باطلة،
  • والشركة إذا فقد شرط من شروط صحتها تكون باطلة، كأن يضع شخصان مالاً في مصرف (بنك) بوصفهما شريكين مضاربين، ثم يوكلان عنهما شخصاً يشتغل في المال بالبيع والشراء، والربح بينهما مناصفة. فهذه الشركة باطلة؛ لأنها لم تنعقد، إذ لم يحصل فيها إيجاب وقبول مع شريك بدن. والإيجاب والقبول مع شريك بدن شرط في انعقاد الشركة؛ ولذلك كانت باطلة.وتصرف الوكيل باطل؛ لأن الشريك المضارب، على فرض اعتباره شريكاً مضارباً، لا يملك التصرف، فلا يملك أن يوكل به، فهذا عقد باطل. وكأن يكون البيع منهياً عنه، كبيع الملاقيح، وهو ما في بطون الأمهات.

ويترتب على البطلان حرمة الانتفاع، ويستحق عليه العقاب في الآخرة؛ ولذلك كانت للبطلان آثار في الدنيا، ويترتب عليها آثار في الآخرة.

الفساد

وأما الفساد فهو يختلف عن البطلان؛ لأن البطلان هو عدم موافقة أمر الشارع من حيث أصله، أي أن أصله ممنوع كبيع الملاقيح، أو أن الشرط الذي لم يستوفه مخل بأصل الفعل. بخلاف الفساد، فإنه في أصله موافق لأمر الشارع، ولكن وصفه غير المخل بالأصل هو المخالف لأمر الشارع.

  • ولا يتصور وجود الفساد في العبادات؛ لأن المتتبع لشروطها وأركانها يجد أنها جميعها متعلقة بالأصل.
  • ولكنه يتصور وجوده في المعاملات، فيتصور وجوده في العقود، فمثلاً بيع الملاقيح باطل من أساسه؛ لأنه منهي عن أصله، بخلاف بيع الحاضر لباد، فإنه بيع فاسد؛ لجهالة البادي للسعر، ويخير حينئذ حين يرى السوق، فله إنفاذ البيع، وله فسخه، ومثلاً شركة المساهمة باطلة من أساسها؛ لأنها خالية من القبول من شريك بدن، فهي خالية من شرط يتعلق بالأصل، بخلاف الشركة مع جهالة مال الشركاء، فإنها شركة فاسدة، فإذا علم المال صحت الشركة، أو عليهما أن يبينا المال فتتم الشركة، وهكذا.