أصول الفقه الإسلامي

إن ما لا يتم الواجب إلا به قسمان:

  • أحدهما أن يكون وجوبه مشروطاً بذلك الشيء،
  • والثاني أن يكون وجوبه غير مشروط به، أي بذلك الشيء.

ما يكون وجوبه مشروطاً به

أما ما يكون وجوبه مشروطاً به فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجباً، وإنما الواجب هو ما أتى الدليل بوجوبه، وذلك كوجوب صلاة معينة، فإنه مشروط بوجود الطهارة. فالطهارة ليست واجبة من حيث الخطاب بالصلاة، وإنما هي شرط لأداء الواجب. والواجب في الخطاب بالصلاة إنما هو الصلاة إذا وجد الشرط.

ما يكون وجوبه مطلقاً

وأما ما يكون وجوبه مطلقاً، غير مشروط الوجوب بذلك الغير، بل مشروط الوقوع، فهذا ينقسم إلى قسمين:

  • أحدهما أن يكون مقدوراً للمكلف،
  • والثاني أن يكون غير مقدور للمكلف.

أما الذي هو مقدور للمكلف، فإنه واجب بنفس الخطاب الذي طلب به الواجب، ووجوبه كوجوب الشيء الذي جاء به خطاب الشارع به تماماً من غير فرق، وذلك كغسل المرفقين، فإنه لا يتم القيام بالواجب، وهو غسل اليدين إلى المرفقين، إلا بغسل جزء منهما، ويتوقف حصول هذا الواجب على حصول جزء من المرفق؛ ولذلك كان غسل جزء من المرفقين واجباً، ولو كان الخطاب لم يأت به، ولكنه أتى بما يتوقف وجوده عليه، فيكون خطاب الشارع شاملاً الواجب وشاملاً ما لا يمكن القيام بهذا الواجب إلا به، وتكون دلالة الخطاب عليه دلالة التزام؛ولذلك كان واجباً، ومثل ذلك إقامة كتلة سياسية لإقامة خليفة، في حال عدم وجود خليفة، أو لمحاسبة الحكام. فإن إقامة خليفة واجب، ومحاسبة الحكام واجب، والقيام بهذا الواجب لا يتأتى على وجهه من أفراد؛ لأن الفرد عاجز بمفرده عن القيام بهذا الواجب، أي عن إقامة خليفة،أو محاسبة الحاكم، فكان لا بد من تكتل جماعة من المسلمين تكون قادرة على القيام بهذا الواجب، فصار واجباً على المسلمين أن يقيموا تكتلاً قادراً على إقامة خليفة، أو محاسبة الحاكم. فإذا لم يقيموا تكتلاً كانوا آثمين؛ لأنهم لم يقوموا بما لا بد منه لأداء الواجب، وإذا أقاموا تكتلاً غير قادر على إقامة خليفة، ولا على محاسبة الحاكم، فإنهم كذلك يظلون آثمين، ولم يقوموا بالواجب؛ لأن الواجب ليس إقامة تكتل فقط، بل إقامة تكتل قادر على إقامة خليفة، أو على محاسبة الحاكم، أي فيه القدرة على القيام بالواجب. وهكذا كل شيء لا يتم القيام بالواجب إلا به، ولم يكن شرطاً فيه فهو واجب. وهذا إذا كان مقدوراً للمكلف.

أما الذي هو غير مقدور للمكلف، فإنه غير واجب؛ وذلك لقوله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)ولقوله عليه الصلاة والسلام: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه البخاري ومسلم، ولأنه لا يجوز التكليف بما لا يطاق؛ لأن التكليف به يقتضي نسبة الظلم إلى الله، وهو لا يجوز.

الخلاصة

والحاصل أن الشيء الذي لا يتم الواجب إلا به يكون واجباً، إما بخطاب الواجب نفسه، وإما بخطاب آخر، سواء كان هذا الشيء سبباً، وهو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، أم شرطاً، وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. وسواء أكان السبب شرعياً كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب، أم عقلياً كالنظر المحصل للعلم الواجب، أم عادياً كحز الرقبة بالنسبة إلى القتل الواجب. وسواء كان الشرط أيضاً شرعياً كالوضوء مثلاً، أم عقلياً، وهو الذي يكون لازماً للمأمور به عقلاً، كترك أضداد المأمور به، أم عادياً، لا ينفك عنه عادة كغسل جزء من الرأس في الوضوء. فوجوب الشيء يوجب وجوب ما لا يتم إلا به، أي التكليف بالشيء يقتضي التكليف بما لا يتم إلا به. ومن هنا جاءت قاعدة «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».