أصول الفقه الإسلاميخبر الآحاد هو ما رواه عدد لا يبلغ حد التواتر في العصور الثلاثة، ولا عبرة بما بعدها. وهو يفيد الظن ولا يفيد اليقين، وتستند إليه الأحكام في استنباطها، كما تستند إلى الحديث المتواتر، وإلى الحديث المشهور.

ومبحث خبر الآحاد من أهم المسائل الأصولية؛ لأن مستند أكثر الأحكام خبر آحاد لقلة السنة المتواترة. ويجب العمل بخبر الآحاد متى تحققت شروط قبوله رواية ودراية.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينفذ آحاد الصحابة إلى البلدان، يدعون إلى الإسلام، ويعلمون الأحكام، ويروون الأحاديث، كما أرسل معاذاً إلى اليمن. فلو لم يكن العمل بخبر الواحد واجباً على المسلمين لما اكتفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالآحاد من الصحابة يرسلهم، ولكان أرسل جماعات. وقد أجمع الصحابة على العمل بخبر الواحد، ونقل عنهم رضي الله عنهم من الوقائع المختلفة الخـارجة عن العد والحصر، والمتفقة على العمل بخبر الواحد، ووجوب العمل به، فمن ذلك ما رواه ابن ماجه في سننه أن أبا بكر الصديق عمل بخبر المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطعمها السدس. ومن ذلك ما رواه البخـاري أن عمر بن الخطاب عمل بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» أخرجه مالك.ومنذلكعمل عثمان وعلي بخبر فريعة بنت مالك، في اعتداد المتوفى عنها زوجها في منـزل زوجها، وهو أنها قالت: جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أستأذنه في موضع العدة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» أخرجه أبو داود ومالك، ومن ذلك ما اشتهر من عمل عليّ بخبر الواحد، وقوله: «كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرِي اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ» أخرجه أحمد. ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم أن ابن عباس عمل بخبر أبي سعيد الخدري في الربا بالنقد، بعد أن كان لا يحكم بالربا في غير النسيئة. ومن ذلك عمل زيد ابن ثابت بخبر امرأة من الأنصار، أن الحائض تنفر في الحج بلا وداع، أي ترجع إلى بلدها دون طواف الوداع. ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أنه قال: «كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ، وَهُوَ تَمْرٌ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ: أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ: أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ». ومن ذلك ما رواه البخاري من عمل أهل قبـاء في التحول من القبلة بخبر الواحد، أن القبلة قد نسخت، فالتفتوا إلى الكعبة بخبره ... إلى غير ذلك من الأخبار العديدة التي تدل على إجماع الصحابة، على وجوب العمل بخبر الواحد.