القضاء من أجهزة الدولة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة  بعد هجرته إليها، وإقامة الدولة الإسلامية فيها. ولا يخفى أن القضاء هو الجهاز الثاني من أجهزة دولة الخلافة الإسلامية  الذي يشرف على تطبيق الإسلام عمليا، حيث يحاسب على المخالفات، ويفصل الخصومات، بعد الخليفة الذي يرعى شؤون الأمة داخليا وخارجيا.

القضاء من أجهزة دوة الخلافة على منهاج النبوة { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا}والقضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام، وهو يفصل الخصومات بين الناس، أو يمنع ما يضر حق الجماعة، أويرفع النزاع الواقع بين الناس وأي شخص ممن في جهاز الحكم، حكاما أو موظفين، خليفة أو من دونه.

والأصل في القضاء ومشروعيته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}، وقوله:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}. وأما السنة فإن الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم تولّى القضاء بنفسه وقضى بين الناس.

وقد قَلَّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القُضاة، فقلَّد عليّاً رضي الله عنه قضاء اليمن، ووصاه تنبيهاً على وجه القضاء فقال له: «إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي» رواه الترمذي وأحمد. وفي رواية لأحمد بلفظ: «إذا جلس إليك الخصمان فلا تكلَّم حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول». وكذلك عيّن عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل قاضياً على الجَنَد. وكلٌّ منهما دليل مشروعية القضاء.

ويشمل القضاء الحِسْبَة:  وهي: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر حق الجماعة)، كالذي ورد في حديث صُبْرة الطعام. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعُه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غَشَّ  فليس مني».

ويشمل كذلك النظر في قضايا المظالم؛ لأنها من القضاء، إذ هي شكوى على الحاكم، وهي أي المظالم: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يقع بين الناس وبين الخليفة أو أحد معاونيه أو وُلاته أو موظفيه، وفيما يقع بين المسلمين من اختلاف في معنى نَصّ من نصوص الشرع الذي يُراد القضاء بحسبها والحكم بموجبها). والمظالم وردت في حديث الرسول في التسعير إذ قال: «… وإني لأرجو أن ألقى الله، ولا يطلبني أحد بمظْلِمة ظلمتها إياه في دم ولا مال» رواه أحمد من طريق أنس، ما يدل على أنه يُرفع أمْرُ الحاكم أو الوالي أو الموظف إلى قاضي المظالم فيما يدعيه أحد مَظْلِمَة، وقاضي المظالم يُخبر بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام.

وعليه يكون التعريف شاملاً للأنواعِ الثلاثة من القضاء الواردة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، وهي:

  1. فَصلُ الخصومات بين الناس،
  2. ومنعُ ما يَضرُّ حقَّ الجماعة،( الحسبة)
  3. ورَفعُ النزاع الواقع بين الرعية والحُكام، أو بين الرعية والموظفين في أعمالهم. (المظالم)

 

القضاء في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة