الانسان في هذه الحياة أكرم مخلوقات الله وهو مستخلف في الأرض، ومحتاج إلى ما يضمن له بقاء هذا  الاستخلاف، والمال وسيلة لتحقيق ذلك، يحتاج له الإنسان مادام على قيد الحياة، فإذا مات انقطعت حاجته، فكان من الضروري أن يخلفه في ماله مالك جديد. ولقد حدد الله سبحانه وتعالى المالك الجديد ففرض المواريث في كتابه، فأعطى كل ذي حق حقه، وقسمها بين أهلها بحسب ما تقتضيه حكمته.

 فالإرث من أسباب التملك للمال ، وهو ثابت بنص القرآن القطعي، وله أحكام معينة توقيفية ولم تُعلَّل، وهو وإن كان قد نص على الجزئيات ولكن هذه الجزئيات خطوط عريضة، فالله تعالى حين يقول: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيَيْن فإن كُنّ نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}، نفهم من قوله هذا عدة أحكام، نفهم منها أن الذكر من الأولاد يأخذ ضعف الأنثى، ونفهم منها أن ابن الابن يعامل معاملة الابن في حالة عدم وجود الأبناء، لأن أولاد الابن  الذكر يندرجون تحت كلمة الأولاد، بخلاف ابن البنت فلا يعامَل معاملة ابن الابن في حالة عدم وجود الأبناء، لأن أولاد البنت لا يندرجون تحت كلمة أولاد في اللغة. ونفهم أيضاً أن الأولاد إن كانوا نساء فوق اثنتين فإنهن يشتركن في ثلثي التركة. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للاثنتين حكم ما فوقهما، وأجمع الصحابة على ذلك فيكون للاثنتين حكم ما فوقهما. فهذه أحكام فُهمت من المعنى العام الذي ذكرته الآية. وبهذه الأحكام يستحق الوارث نصيبه من التركة. وعلى ذلك كان من أسباب التملك الإرث بحسب أحكامه المفصَّلة في الكتاب والسنّة وإجماع الصحابة.

والإرث وسيلة من وسائل تفتيت الثروة، وليس تفتيت الثروة علة له بل هي بيان لواقعه، وذلك أن الثروة وقد أبيحت ملكيتها، قد تتجمع في يد أفراد حال حياتهم،فإذا مات هؤلاء فإن الإرث يفتت ثرواتهم بتوزيعها بين الورثة. وقد شوهد في الواقع أن وسيلة تفتيت الثروة هذه طبيعياً هي الميراث.

ومن الاستقراء تبين أن الأحوال التي تعتري تفتيت الثروة في الإرث ثلاث أحوال هي:

  1. الحالة الأولى أن يكون الورثة يستغرقون جميع المال حسب أحكام الإرث، وحينئذ يوزَّع عليهم المال كله.
  2. الحالة الثانية أن لا يكون هنالك ورثة يستغرقون جميع المال حسب أحكام الإرث، كما إذا توفي الميت عن زوجة فقط أو الميتة عن زوج فقط فإن الزوجة تأخذ الربع فقط ويكون باقي الميراث لبيت المال، وإن كان الزوج فإنه يأخذ النصف فقط ويكون باقي الميراث لبيت المال.
  3. أن لا يكون هنالك وارث مطلقاً، وفي هذه الحال يكون المال كله لبيت المال أي للدولة.

وبذلك تتفتت الثروة وينتقل المال إلى الورثة ويُستأنَف تبادل المال في دورة اقتصادية بين الناس ولا يُحفظ في شخص معين تتجمع لديه الثروات.

والإرث سبب مشروع للملكية، فمن ورث شيئاً مَلَكَه ملكاً مشروعاً. فيكون الإرث سبباً من أسباب التملك التي أذِنَ الشرع الإسلامي بها.

وبقية مسألة وهي قد كان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يُورّثون النساء ولا الصبيان ، فأبطل الله حكمهم المبني على الجهل والطغيان ، وجعل الإناث يُشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهنّ ؛ فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها دون زيادة ولا نقصان ، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية ، ولا سوَّاها بالرجل كما فعل بعض من انحرف عن مقتضى العقل والفطرة السوية ؛ فقال عزّ من قائل : ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيُّهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إنَّ الله كان عليماً حكيماً) [النساء : 11] ، وقال في آية أُخرى : ( وصيةً من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يُطع الله ورسوله يُدخله جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين ) [النساء : 12-14] ، وقال في آية ثالثة : ( يُبيِّن الله لكم أن تضلُّوا والله بكلّ شيءٍ عليمٌ) [النساء : 176]. فبين الله جل شأنه أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض لازم لايحل تجاوزه ولا النقص منه.

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net