من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوةبيت المـال

بيت المال هو الجهة التي تختص بكل دخل أو خرج لما يستحقه المسلمون من مال. وعلى ذلك فكل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو من حقوق بيت المال حتى ولو تعين مالكه جهة. فإذا قُبض صار بالقبض مضافاً إلى حقوق بيت المال سواء أدخل إلى حرزه أم لم يدخل، لأن بيت المال عبارة عن الجهة لا عن المكان. وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال. فإذا صُرف في جهته صار مضافاً إلى الخرج من بيت المال سواء خرج من حرزه أم لم يخرج، لأن ما صار إلى ولاة المسلمين وعمالهم أو خرج من أيديهم فحُكْم بيت المال جارٍ عليه في دخله إليه وخرجه.

 

واردات بيت المال

واردات بيت المال الدائمة هي:

  1. الفيء ،
  2. والغنائم
  3. والأنفال
  4. والخراج
  5. والجزية،
  6. وواردات الملكية العامة بأنواعها
  7. وواردات أملاك الدولة
  8. والعشور
  9. وخمس الركاز والمعدن
  10. وأموال الزكاة .

إلاّ أن أموال الزكاة توضع في حرز خاص بها من بيت المال، ولا تُصرف إلاّ للأصناف الثمانية الذين ذُكروا في القرآن، ولا يجوز أن يُصرف منها شيء لغير الأصناف الثمانية، سواء أكان من شؤون الدولة أو من شؤون الأمّة. إلاّ أنه يجوز للإمام صرفها على رأيه واجتهاده لمن يشاء من الأصناف الثمانية. فله أن يعطيها لصنف منهم أو أكثر، وله أن يعطيها لهم جميعاً. كذلك واردات أموال الملكيات العامة فإنها توضع في مكان خاص في بيت المال ولا تخلط بغيرها لأنها مملوكة لجميع المسلمين يصرفها الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده ضمن أحكام الشرع.

 

أمّا الأموال الأخرى التي من حقوق بيت المال فتوضع في بيت المال مع بعضها وينفق منها على شؤون الدولة والأمّة وعلى الأصناف الثمانية وعلى كل شيء تراه الدولة. فإن وَفَت هذه الأموال بحاجات الرعية كان بها، وإلاّ فإن الدولة تفرض ضرائب على المسلمين لتقوم بقضاء ما يُطلب منها من رعاية الشؤون. أمّا كيفية فرض هذه الضرائب فإنه يسير على حسب ما فرضه الشرع على المسلمين، فإنّ ما كان فرضاً على المسلمين القيام به من الأعمال واحتاج إلى نفقات حتى تقوم به الدولة، فإن للدولة أن تفرض على المسلمين ضرائب لتقوم بأعبائه، وما لم يكن واجباً على المسلمين كسداد دين الميت، فإنه لا يجوز للدولة أن تفرض ضرائب للقيام به، فإن كان لديها في بيت المال مال قامت به وإلاّ سقط القيام به عن الدولة. وعلى هذا فللدولة أن تحصّل الضرائب في هذه الحال وعليها أن تسير على الوجه التالي:

1- لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء والمساكين وابن السبيل وللقيام بفرض الجهاد.

2- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وما شاكل ذلك.

3- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والإرفاق دون بدل كإنشاء الطرقات واستخراج المياه وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وغير ذلك من الأمور التي يعتبر إيجادها من الضروريات وينال الأمّة ضرر من عدم وجودها.

4- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه الضرورة كحادث طرأ على المسلمين من مجاعة أو طوفان أو زلزال أو هجوم عدو أو ما شاكل ذلك.

5- أن تفرض ضرائب لتسديد ديون اقترضتها للقيام بما هو واجب على جميع المسلمين من كل ما هو داخل في أية حالة من الحالات الأربع، أو ما تفرع عنها أو أية حالة أوجبها الشرع على المسلمين.

ومن الواردات التي توضع في بيت المال وتُنفق على مصالح الرعية ما يأخذه العاشر من الحربيين والمعاهدين والأموال الناتجة مما هو من الملكية العامة أو من ملكية الدولة، والأموال الموروثة عمن لا وارث له. وإذا فَضُلت حقوق بيت المال على مصرفها بأن زادت الأموال التي في بيت المال عن النفقات المطلوبة منه يُنظر، فإن كان الزائد آتياً من الفيء صُرف للناس في أعطيات، وإن كان الزائد من الجزية والخراج أبقاه لما ينوب المسلمين من حادث ولا ينزل عنهم، لأن الحكم الشرعي أن تُفرض الجزية عن يدٍ وأن يُفرض الخَراج على الأرض بقدر احتمالها. وإن كان الزائد من الزكاة حُفظ في بيت المال حتى يوجد من الأصناف الثمانية من تُصرف له فتُصرف له حينئذ. وإن كان الزائد مما هو مفروض على المسلمين حَطَّه عنهم وأعفاهم من دفعه.

 

نفقات بيت المال

وُضعت نفقات بيت المال على ست قواعد:

1- ما كان بيت المال له حرزاً، وهو أموال الزكاة، فإن استحقاقه لمن يُصرف لهم معتبَر بالوجود. فإن كان المال موجوداً فيه من ناحية الزكاة كان صرفه في جهاته –وهي الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن- مستحقاً، ويجب أن يُصرف لهم، وعدم وجود المال مسقِط لاستحقاقه لمن يُصرف لهم، أي إن لم يكن المال موجوداً في بيت المال من ناحية الزكاة فلا يُصرف لأي واحد من الأشخاص الثمانية شيء من مخصصات الزكاة ولا يستدان على الزكاة ريثما تحصل جبايتها.

2- أن يكون بيت المال مستحقاً له على وجه الإعالة وعلى وجه القيام بفرض الجهاد. وذلك كالإنفاق على الفقراء والمساكين وابن السبيل، وكالإنفاق على الجهاد. فاستحقاق الصرف لهذه الأمور غير معتبر بالوجود، وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم، أي سواء أكان المال موجوداً في بيت المال أم لم يكن. فإن كان المال موجوداً وجب صرفه في الحال، وإن لم يكن موجوداً فإن خيف مفسدة من تأخير الصرف اقترضت الدولة المال لصرفه في الحال ريثما تجمعه من المسلمين ثم تسده، وإن لم تَخَف مفسدة طبقت فيه قاعدة {فنَظِرة إلى ميسرة}، فيؤخَّر حتى يُجمع المال ثم يعطى مستحقيه.

3- أن يكون بيت المال مستحقاً له على وجه البدل، أي أن يكون المال مستحَقاً لأشخاص أدوا خدمة فأخذوا بدل هذه الخدمة مالاً، وذلك كأرزاق الجند ورواتب الموظفين والقضاة والمعلمين، وما شاكل ذلك. فاستحقاق الصرف لهذه الأمور غير معتبر بالوجود. وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم، أي سواء أكان المال موجوداً في بيت المال أم لم يكن. فإن كان المال موجوداً وجب صرفه في الحال، وإن لم يكن موجوداً وجب على الدولة توفيره في أخذ ما يلزم له من المسلمين. فإن خيف مفسدة من تأخير الصرف اقترضت الدولة المال لصرفه في الحال ريثما تجمعه من المسلمين ثم تسده، وإن لم تَخَف مفسدة طبقت فيه قاعدة {فنَظِرة إلى ميسرة} فيؤخَّر حتى يجمع المال ثم يعطى لمستحقيه.

4- أن يكون بيت المال مستحقاً له، وأن يكون مصرفه مستحقاً على وجه المصلحة والإرفاق دون البدل، أي أن يكون مصرفه على أشياء دون أن يكون مقابلها أموال تحصل،على أن ينال الأمة ضرر من عدم وجودها. وذلك كالطرقات والمياه وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وما شاكل ذلك من الأمور التي يعتبر إيجادها ضرورة من الضرورات، وينال الأمّة ضرر من عدم وجودها. فاستحقاق الصرف لهذه الأمور غير معتبر بالوجود،وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم. فإن وُجد في بيت المال مال وجب صرفه على هذه الأشياء، وإن لم يوجد في بيت المال انتقل وجوبه على الأمّة فيُجمع منها قدر الكفاية لسد صرف النفقات اللازمة ثم يجري الصرف عليها من بيت المال، لأن ما كان مصرفه مستحقاً على وجه المصلحة دون البدل، وعدم صرفه يوجِد الضرر، يكون استحقاقه معتَبراَ بالوجود و العدم. فإن كان موجوداً في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين، وإن كان معدوماً صار فرضه على المسلمين حتى تحصل الكفاية بتوفيره في بيت المال، فيصير واجباً على بيت المال.

5- أن يكون بيت المال مستحَقاً له ، وأن يكون مصرفه مستحقاً على وجه المصلحة والإرفاق دون البدل، إلاّ أنه لا ينال الأمّة ضرر من عدم وجوده. وذلك كفتح طريق ثانية مع وجود غيرها، أو فتح مستشفى ثان مع وجود غيره يمكن الاكتفاء به، أو تعمير طريق يجد الناس غيرها طريقاً بعيدة، أو ما شاكل ذلك. فاستحقاق الصرف لهذه الأمور معتبَر بالوجود دون العدم. فإن وُجد في بيت المال مال وجب صرفه لهذه الأشياء، وإن لم يوجد في بيت المال مال سقط وجوبه عن بيت المال، ولا يجب على المسلمين دفع مال لأجله لأنه من الأساس لا يجب على المسلمين.

6- أن يكون مصرفه مستحقاً على وجه الضرورة كحادث طرأ على المسلمين في مجاعة أو طوفان أو زلزال أو هجوم عدو، فاستحقاقه غير معتبر بالوجود، وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم. فإن كان موجوداً وجب صرفه في الحال، وإن كان معدوماً صار فرضه على المسلمين، فيجب أن يُجمع من المسلمين في الحال، ويوضع في بيت المال ليصرفه عليه. وإن خيف الضرر من تأخير الصرف إلى الانتهاء من الجمع وجب على الدولة أن تقترض المال اللازم، وتضعه في بيت المال، وتصرفه في الحال على وجه استحقاقه ثم تسُد هذا الدين مما تجمعه من المسلمين.