دستور دولة الخلافة ... على منهاج النبوة ... خير دولة لخير أمة ... رحمة للعالمين، المادة 122: كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة ما دام الصغير محتاجاً إلى هذه الكفالة. فإن استغنى عنها ينظر، فإن كانت الحاضنة والولي مسلمين خُـيِّرَ الصغير في الإقامة مع من يريد فمن يختاره له أن ينضم إليه سواء أكان الرجل أم المرأة، ولا فرق في الصغير بين أن يكون ذكراً أو أنثى. أما إن كان أحدهما غير مسلم فلا يخير بينهما بل يُضم إلى المسلم منهما.

 دليل هذه المادة ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَـنْـتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَـنْكِحِي» رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. فهو يدل على أن الأم أحق بالولد ما دام لا يستغني عن الحضانة، إذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد حكم لها بحضانته ما دامت غير متزوجة، ولم يخير الطفل، مما يدل على أنه لا يستغني عن الحضانة، وروى ابن أبي شيبة عن عمر بسند صحيح رواته ثقات أنه طلق أم عاصم ثم أتى عليها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر الصديق فقال: "مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الغلام فيختار لنفسه". فالصغير الذي لا يستغني عن الحضانة حضانته حق لأمه. وواجب عليها. ومثلها أمها وجدتها، وكل امرأة من النساء اللواتي لهن حق الحضانة. فإذا كبر الصغير بأن كان في سن الفطام فما فوق حسب تحقيق مناط استغنائه عن الحضانة أو عدم استغنائه، وهذا يختلف في الأولاد باختلاف حالهم، فقد يستغني ولد وهو في سن خمس سنين، ويستغني آخر في أقل أو أكثر حسب تقدير الخبراء. وعليه فإن كان مستغنياً عن الحضانة، يخير بين أبويه، روى أبو هريرة: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم خَـيَّرَ غُلامًا بَـيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» أخرجه أحمد والترمذي وصححه. وروى أبو داود عن أبي هريرة وصححه ابن حبان قال: «... أَنِّي سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَقَدْ نَـفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ... هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيـِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ». فهذه الأدلة تدل على أن الولد بنتاً كان أم صبياً إذا بلغ سن الفطام فما فوقها واستغنى عن الحضانة يخير بين أمه وأبيه، سواء أكان عمره ثلاث سنوات أم اكثر ما دام قد وصل حد الاستغناء عن الحضانة. وإذا لم يستغن عن الحضانة يحكم به لأمه ولا يخير. إلا أن المرأة كالأم مثلاً إذا كانت كافرة وطلبت حضانة ولدها، فإنه إن كان الولد في سن الحضانة أي دون سن الفطام فإنه يحكم لها به كالمسلمة سواء بسواء لعموم الحديث السابق «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَـنْكِحِي»، وأما إن كان الولد فوق سن الحضانة بأن كان في سن الفطام فما فوق وكان يستغني عن الحضانة فإنه لا يخير بل يحكم به للمسلم من الزوجين، فإن كانت الزوجة هي المسلمة حكم لها به، وإن كان الزوج هو المسلم حكم له به لقوله تعالى:{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء]، والحضانة تجعل للحاضن سبيلاً على المسلم، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى» أخرجه الدارقطني من طريق عائذ المزني بسند حسن، والحاضن يعلو على الغلام، ولأن إبقاء الولد تحت يد الكافر يلقنه الكفر لا يجوز، ولذلك يؤخذ منه.

أما ما رواه أبو داود عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جـده رافع بن سنان: «أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَتِ: ابْـنَتِي، وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ شَبَهُهُ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْـنَتِي، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: اقْعُدْ نَاحِيَةً، وَقَالَ لَهَا: اقْعُدِي نَاحِيَةً، قَالَ: وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَـيْـنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوَاهَا، فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أُمِّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: اللَّهُمَّ اهْدِهَا، فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا». وهذا الحديث قد صححه الحاكم وافقه الذهبي وذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسمها عميرة، وقد روى أحمد والنسائي هذا الحديث رواية أخرى فقد أخرج النسائي عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن جده: «أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهُمَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الأَبَ هَا هُنَا وَالأُمَّ هَا هُنَا، ثُمَّ خَـيَّرَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ» وقال ابن الجوزي في هاتين الروايتين رواية من روى أنه كان غلاماً أصح.

فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض بما اختار الغلام بل دعا له فاختار أباه المسلم، أي أن الطفل يضم إلى المسلم من أبويه.