شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحاتإنّ صوم رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، بالإضافة إلى أنها عبادة تنظم علاقة المسلمين بربهم، فهي مظهر من المظاهر العامة للأمة الإسلامية، يبدأون الصيام معاً في يوم واحد. ويحتفلون بالعيد معاً في يوم واحد، امتثالاً لأوامر الله تعالى، التي توحد بينهم، وليس امتثالاً لقرارات الحكام السياسية ولا لفتاوى علماء السلاطين النفاقية، التي صيغت للتفريق بينهم.

  قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين يوماً». وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين»، وقالصلى الله عليه وعلى آله وسلم: « إنّما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له».

 هذه الأحاديث النبوية صريحة الدلالة، على أنّ السبب الشرعي لبداية شهر رمضان هو رؤية هلال رمضان. وأن السبب الشرعي لعيد الفطر هو رؤية هلال شوال، وخطاب الشارع في هذه الأحاديث موجه إلى جميع المسلمين لا فرق بين شامي وحجازي ولا بين إندونيسي وعراقي، فألفاظ الأحاديث جاءت عامّة، لأن ضمير الجماعة في: (صوموا... وأفطروا) يدلّ على عموم المسلمين، وكذلك لفظ: (رؤيته) فهو اسم جنس مضاف إلى ضمير، يدلّ على رؤية الهلال من أي إنسان، إلا أنّ هناك أحاديث حصرت هذه الرؤية بالمسلمين، فقد رُوي عن ابن عباس أنّه قال: « جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، قال: نعم، فنادى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن صوموا».

 إنّ رؤية مسلم هلال رمضان أو هلال شوال توجب على المسلمين جميعهم الصوم أو الإفطار، لا فرق بين بلد وبلد، ولا بين مسلم ومسلم، لأنّ من يرى الهلال من المسلمين حجة على من لم يره. وليست شهادة مسلم في بلد أولى من شهادة مسلم في بلد آخر، ولا قيمة للتقسيمات والحدود التي أقامها الكفار في بلاد المسلمين، والتي جعلت أهل درعا في سوريا يصومون بينما أهل الرمثا في الأردن يفطرون، وليس بين المدينتين إلا حدود وهمية رسمها الكفار منذ أن هُدمت الخلافة. ثم حرص على بقائها الحكام.

 إنّ الأمر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصوم رمضان لرؤية الهلال أمرٌ للوجوب، لأنه أمر بفرض ثبت بقوله تعالى: { شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. وإنّ الأمر بالفطر لرؤية هلال شوال هو أيضاً للوجوب، لأنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم « نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر». وبما أنّه نهيٌ عن القيام بمندوب أو فرض، فهو قرينة على أنّ الأمر في قوله: « وأفطروا لرؤيته» للوجوب.

 أمّا اختلاف المطالع الذي يتذرع به بعضهم فهو من باب تحقيق المناط، الذي بحثه العلماء السابقون، للواقع الذي كانوا يعيشونه، حيث كان المسلمون لا يتمكنون من إبلاغ رؤية الهلال إلى جميع أنحاء دولة الخلافة المترامية الأطراف في يوم واحد، لأنّ وسائل الإعلام التي كانت موجودة يومئذٍ كانت قاصرة عن ذلك. وقد احتج بعض هؤلاء بما رُوي عن كُريب « أنّ أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، فقال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستُهل عليّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم» فهذا ليس دليلاً شرعياً، وإنما هو اجتهاد لابن عباس في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». وابن عباس لم يأخذ برؤية أهل دمشق الهلال، لأنّ أهل المدينة المنورة لم يروه في اليوم نفسه. وهذا الاجتهاد مخالف لصريح الحديث الذي رُوي عن جماعة من الأنصار، قال: « غُمَّ علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله أن يفطروا، ثم يخرجوا لعيدهم من الغد»، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يفطروا في يوم حسبوه من رمضان بسبب رؤية غيرهم هلال شوال في غير المدينة المنورة، فالركب رأوا الهلال قبل وصولهم المدينة بيوم.

 وأمّا اليوم، فوسائل الإعلام المتوفرة عند جميع الدول قادرة على نقل خبر رؤية الهلال إلى جميع العالم في بضع ثوان، فيلزم المسلمين الصيامُ أو الإفطارُ حال سماعهم خبر ثبوت رؤية الهلال من أيّ مكان على الأرض، سواء ثبتت الرؤية مباشرة أو بالعين البصرية أو بواسطة آلة مُكبِّرة أو مُقرِّبة. والرؤية المعتبرة هي الرؤية البصرية، ولا اعتبار للحسابات الفلكية إذا لم تثبت الرؤية بالعين البصرية، إذ لا قيمة شرعية للحسابات الفلكية في إثبات الصوم والإفطار، لأنّ السبب الشرعي للصوم أو الإفطار هو رؤية الهلال بالعين لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له». وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فإن غُمَّ عليكم» أي إن لم تروه بأعينكم. وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فاقدروا له» لا تعني الرجوع للحسابات الفلكية، وإنما تعني ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين».

 أيها المسلمون:

 إنّ عدم توحيد رؤية الهلال ما هي إلا مشكلة من مشكلات عديدة تواجه المسلمين بسبب غياب دولة الخلافة، التي ترعى شؤونهم بأحكام الإسلام، وتوحدهم في ظلّ راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. فعلى المسلمين التقيد بالحكم الشرعي في صيامهم وإفطارهم وكل أعمالهم، وإن لم يتقيد حكامهم به، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن بلغهم خبر رؤية مسلم هلال رمضان من أيّ مكان على الأرض، وجب عليهم الصيام، وإن بلغهم خبر رؤية مسلم هلال شوال من أيّ مكان على الأرض، وجب عليهم الإفطار.

 أمّا الحلُّ الجذري الصحيح لجميع مشكلات المسلمين فإنّه بأيديهم، وهو العمل الجادّ مع العاملين المخلصين لاستئناف الحياة الإسلامية بإعادة دولة الخلافة، وتنصيب خليفة يوحد دولهم، ويطبق شرع الله عليهم، فيحملون معه رسالة الإسلام بالجهاد إلى الناس كافّة، لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، وبذلك يعيشون حياة عزٍّ وكرامة في الدنيا، وينالون رضوان الله وثوابه في الآخرة.

 قال تعالى: {وقل اعملوا فسيرى اللّـهُ عملَكُم ورسولُه والمؤمنون، وستُردُّونَ إلى عالِمِ الغيبِ والشهادةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بما كنتم تعملون}.

 

 

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net

{module CoalaWeb Social Links}