أصول الفقه الإسلامي

الإسلام ليس شرطاً بالتكليف بالأحكام الفروعية، إلا ما جاء فيه نص بأنه خاص بالمسلمين، إما صراحةً مثل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) ) ومثل: (( جَاهِدِ الْكُفَّارَ)) ومثل: (( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)) ، أو دلالةً مثل إعفاء الكفار منها كالصلاة، فيدل على أن الإسلام شرط فيها.

فالإسلام شرط من شروط التكليف فيما ورد به، ولكن هناك شروطاً عامة للتكليف، لا فرق بين المسلم والكافر، وهذه الشروط هي:

  1. البلوغ،
  2. والعقل،
  3. والقدرة.

فشرط المكلف أن يكون بالغاً، عاقلاً، قادراً على القيام بما كلف به. عن علي كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثـَلاَثـَةٍ: النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغ» أخرجه الإمام زيد في مسنده. وقال الله تعالى: (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) ومعنى رفع القلم رفع التكليف، فهو غير مكلف وغير مخاطب بالأحكام ومعنى: (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ)) وإن كان نفياً، ولكنه يتضمن معنى النهي، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه البخاري ومسلم.

ولا يقال إن الله أوجب على الصبي والمجنون الزكاة، والنفقات، والضمانات، فهو إذن مكلف؛ لأنه كلفه ببعض الأحكام؛ لا يقال ذلك؛ لأن هذه الواجبات ليست متعلقة بفعل الصبي والمجـنـون، بل هي متعـلقة بماله وذمته. وماله وذمته محل تكليف. على أن رفـع القلم محـدد بغاية صريحة: «حتى يبلغ»، «حتى يفيق» فهو يفيد التعليل، وعلته هي الصغر وفقدان العقل، وهذا لا دخل له في المال والذمة، فلا يستثنى.

 ولا يقال إن الله كلف بالمحال إذ كلف من لا قدرة له على القيام بما كلفه، فقد أمر أبا لهب بالإيمان بما أنـزل، وأخبر عنه أنه لا يؤمن، فهو جمع بين النقيضين، فيكون الله كلف بالمستحيل، أي كلف المرءبـما لا قدرة له عليه؛ لا يقال ذلك لأن الله كلف أبا لهب أولاً بالإيمان بما أنـزل، ولم يكن قد أنـزل بعد أنه لا يؤمن، ثم بعد ذلك أخبر الله عنه بأنه لا يؤمن، فيكون إخباره بأنه لا يؤمن لم يأت مع تكليفه بالإيمان؛ لكون الإخبار متأخراً عن الدليل الدال على وجوب الإيمان.

الأعذار

هذا من حيث شروط التكليف بالأحكام ابتداءً، أما رفع الأحكام المكلف بها بعد التكليف، فليست شروطاً للتكليف، ولكنها أعذار مبيحة لترك الحكم الذي كلف به، وذلك كالمكره، والمخطئ، والناسي، فإنه رفع الحرج عنهم في عدم قيامهم بما كلفوا به، لا أنهم غير مكلفين ابتداءً، فلا يكون ذلك شرطاً من شروط التكليف؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه. ولاحظ الفرق بين قوله: «رُفٍعَ الْقَلَمُ» وقوله: «وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي» فقوله: «رُفِعَ الْقَلَمُ» أي رفع التكليف، فلا يكلف، وقوله: «وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي» أي وضع المؤاخذة عن أُمته، وهو لا يستلزم رفع التكليف. والإكراه المعتبر شرعاً هو الإكراه الملجئ إلى الفعل بحيث لا يسعه تركه، وإذا لم يكن ملجئاً لا يعتبر. فالإكراه إذا وصل إلى حد الاضطرار فإنه لا شيء عليه، وإن لم ينتهِ الإكراه إلى حد الاضطرار فهو مختار؛ ولذلك يؤاخذ.