أصول الفقه الإسلاميرواة الحديث هم الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين، وما عداهم لا يعتبر من رواة الحديث مطلقاً. ويرشد إلى ذلك ما رواه الترمذي عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِينَا، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثـُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ» فرتب صلى الله عليه وآله وسلم فشو الكذب على انقراض الثالث. فالقرن الذي بعده، ثم من بعده، إلى يوم القيامة، قد فشا فيهم الكذب بهذا النص. وروى البخاري عن عبيدة عن عبد الله  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثـُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» وروى كذلك عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثـُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثـَلاَثـًا. ثـُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». فهذه الأحاديث ترشد إلى أن أقوال من جاء بعد القرون الثلاثة موضع تهمة، وهذا يعني أنها لا تقبل روايتها. والقرون الثلاثة هي عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. وهذه الأحاديث، وإن كانت ليست نصاً في حصر رواية الأحاديث بهذه القرون الثلاثة، ولكنها ترشد إلى ذلك. إلا أن الذي يعين أن هؤلاء هم فقط رواة الحديث، هو أن الرواية للحديث تنتهي بعد ضبط الأحاديث في الكتب، فليس بعد عصر تسجيل الأحاديث، وهو عصر البخاري ومسلم وأصحاب السنن، رواية حديث؛ لأن الرواية عبارة عن النقل، وقد انتهى هذا النقل؛ ولذلك فإن رواة الحديث هم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين؛ لأن عندهم انتهت الرواية بتسجيل الأحاديث. نعم إن هناك من يقول إن رواة الحديث هم الصحابة والتابعون ومن دونهم، وهذا القول صحيح؛ لأنه لم يرد نص يمنع رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة، ولكن الواقع أنه بعد تسجيل الأحاديث وانتهاء الرواية لم يبق مكان للرواية ولا للرواة، وبذلك يكون قد انتهى عهد الرواية والرواة عملياً من عصر التسجيل، أي من عصر تابعي التابعين، ومن هنا كان واقع رواية الحديث محصوراً في هذه العصور الثلاثة: عصر الصحابة، وعصر التابعين، وعصر تابعي التابعين.

وقد كُتب تاريخ رواة الحديث، وعُرف كل واحد منهم، وهم ليسوا معصومين من الخطأ. إلا أن الصحابة تقبل روايتهم ولا يحتاجون إلى تعديل؛ لما ورد في الكتاب والسنة من الثناء عليهم، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» أخرجه رزين، وهو حديث حسن، فقد قبله العلماء، واستعمله عامة الفقهاء، وهذا النوع من الحديث الحسن، كما نص على ذلك علماء مصطلح الحديث؛ ولذلك تقبل رواية الصحابي مطلقاً من غير تعديل. أما غير الصحابة، فيشترط فيمن يحتج بروايته، أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه.