فقه الإسلام وأنظمته / فقه نظام العقوبات في الإسلام

دية كل عضو من أعضاء جسم الانسان ، وكل عظم من عظامه هي ما ورد في السنة ، وقد وردت الدية في السنة صريحة . عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده : «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنّه قود ، إلاّ أن يُرضِيَ أولياءَ المقتول ، وأن في النفس الدية مائة من الإبل ، وأن في الأنف إذا أوعب جَدْعُه الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي الشفتين الدية ، وفي البيضتين الدية ، وفي الذكر الدية ، وفي الصلب الدية ، وفي العينين الدية ، وفي الرجل الواحدة نصف الدية ، وفي المأمومة ثلث الدية ، وفي الجائفة ثلث الدية ، وفي المنَقِّلة خمسة عشر من الإبل ، وفي كل اصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل ، وفي السن خمس من الإبل ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وأن الرجل يُقْتَلُ بالمرأة ، وعلى أهل الذهب الف دينار» رواه النسائي . وعلى ذلك فإن عقوبة الأعضاء هي الدية أي الأرْش ليس غير .

وتفصيل هذه العقوبات هو : أن مَنْ أتلف ما في الإنسان منه شيءٌ واحدٌ ففيه الدية ، وما فيه منه شيئان ففي كل واحد منهما نصف الدية . فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتب في كتابه لأهل اليمن وفيه : «وأن في الانف إذا أوعب جَدْعُهُ الدية ، وفي اللسان الدية» وفيه : «وفي الذكر الدية» ، «وفي الصلب الدية» فهذه الأعضاء يوجد في الإنسان شيء واحد منها ، وكتب الرسول في كتابه : «وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية» وكتب فيه : «وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية» وهذه الأعضاء يوجد في الإنسان منها شيئان فكان الواحد منها نصف الدية . والصلب جاء في القاموس في تفسيره ( والصلب بالضم وبالتحريك : عظم من لدن الكاهل إلى العَجْبِ ) ، ويريد بذلك أنه المتن أي الظهر ، وقيل أن المراد بالصلب هنا هو ما في الجدول المنحدر من الدماغ لتفريق الرطوبة في الأعضاء لا نفس المتن ، بدليل ما رواه ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه قال : «في الصلب الدية إذا منع الجماع» ولكن نصوص الشرع تفسر بالمعنى اللغوي ، لا بأقوال الصحابة إلاّ أن يرد لها معنى شرعي في الكتاب والسنة ، وهنا لم يرد فيكون معنى الصلب هو ما جاء في اللغة . وأما ما في الإنسان منه أربعة أشياء ففيها كلها الدية ، وفي كل واحد منها ربع الدية ، وهذه الأشياء هي ، أجفان العينين وأهدابهما . وما فيه منه عشرة ففيها الدية وفي كل واحد منها عشرها ، وهي أصابع اليدين وأصابع الرجلين ، وما فيه منها ثلاثة أشياء ففيها الدية في الواحد ثلثها وهو المنخران والحاجز بينهما . وهكذا جميع أعضاء الجسم ، لأنّ الأحاديث تدل على ذلك ، ومن تتبع جميع ما جاء في دية الأعضاء . أما تفاصيل ذلك فهي ما يلي :

 

الأعضاء التي في الرأس

  1. العينان : إذا اصيبت العينان ففيهما الدية ، وفي العين الواحدة نصف الدية لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «وفي العينين الدية» وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «وفي العين الواحدة خمسون من الإبل» ولا فرق في ذلك بين أن تكون العينان صغيرتين أو كبيرتين ، مليحتين أو قبيحتين ، مريضتين ، أو حولاوين ، أو رمضتين ، فإن كان فيهما بياض لا ينقص البصر فلا ينقص الدية ، وإن نقص البصر نقص من الدية بقدرة وليس المراد من نقص البصر نقصه عن كماله مثل 6/6 أو 6/9 بل المراد نقصه عما كان عليه قبل أن تصاب . وفي ذهاب البصر الدية ، لأنّ كل عضوين وجبت الدية بذهابهما وجبت باذهاب نفعهما . وإن جنى على رأسه جناية ذهب بها بصره فعليه ديته ، لأنّه ذهب بسبب جنايته ، وإن لم بذهب بها فداواها فذهب بالمداواة فعليه ديته لأنّه ذهب بسبب فعله ، وإن اختلفوا في ذهاب البصر رجع إلى اثنين فاكثر من أهل الخبرة ، لأنّ لهما طريقاً إلى معرفة ذلك ، لمشاهدتهما العين التي في محل البصر ، ومعرفة بحالها . وإذا ثبت ذهاب بصره ، وقال أهل الخبرة لا يرجى عوده وجبت الدية ، وإن قالوا يرجى عوده إلى مدّة عينوها انتظر إليها ، ولم يعط الدية حتى تنقضي المدة ، فإن عاد البصر سقطت عن الجاني ، وإن لم يعد استقرت الدية ، وإن مات المجني عليه قبل العود استقرت الدية ، سواء مات في المدة أو بعدها ، وإن جاء أجنبي فقلع عينه في المدة استقرت الدية على الأول ، لأنّه أذهب البصر فلم يعد ، وعلى الثاني حكومة عدل ، لأنّه أذهب عيناً لا ضوء لها يرجى عودها . وإذا جُنِيَ على الشخص فنقص ضوء عينيه ففي ذلك حكومة عدل . وفي عين الأعور نصف الدية لقوله عليه السلام : «وفي العينين الدية» ولا يقال إن عمر وعثمان وعلياً قضوا في عين الأعور بالدية ، وإن الصحابة سكتوا على ذلك فكان إجماعاً ، لا يقال ذلك لأنّه قد ثبت بالسنة أن عليها نصف الدية ، ولو فرضنا أنه قد ثبت إجماع الصحابة فإن الاجماع لا ينسخ السنة ، فلا يعمل به وتبقى السنة هي الدليل .
  2. الأذنان : وفي الأذنين الدية ، وفي الأذن الواحدة نصف الدية ، لما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم : «وفي الأذنين الدية» وهذا يعني أن في الأذن الواحدة نصف الدية ، ومنه يفهم أنه إن قطع بعض احداهما وجب بقدر ما قطع من ديتها ، ففي نصفها نصف ديتها ، وفي ربعها ربع ديتها وهكذا ، سواء قطع من أعلى الأذن أو أسفلها أو اختلف في الجمال أم لم يختلف ، وإن جنى على الأذن فأصابها الشلل فإن عليها نصف الدية ، وإن أصاب الأذنين ففيهما الدية ، لأنّ الشلل كالقطع ، وما وجبت ديته لقطعه ، وجبت باصابته بالشلل ، ولا يقال إن شللها لا يمنع بقاء السمع ، فإن القطع كذلك لا يمنع بقاء السمع ، فإن لم يقطعا ولكن ذهب سمعهما ففيهما الدية ، لأنّ ذهاب منفعة العضو كذهاب العضو ، ولما رُوي عن معاذ : «وفي السمع الدية» وإن ذهب السمع من إحدى الأذنين وجب نصف الدية ، وإن قطع أذنه فذهب سمعه وجبت ديتان ، لقول الرسول : «وفي الأذنين الدية» وقوله : «وفي السمع الدية» وهذا يعني أن للعضو دية ولمنفعته دية ثانية وهو صريح في ذلك .
  3. الأنف : لا شك أن الانف ثلاثة أعضاء هي المنخران والحاجز بينهما ، لأنّ الحاجز جزء منه ، إذ هو مكون من ثلاثة أشياء ، فإذا أصيب الأنف كله بأن قطع مارنه ففيه الدية ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «وفي الأنف إذا أوعب جَدْعُه الدية» وفي رواية» في الأنف إذا أوعب مارنُه جدعاً الدية» فإذا جدعت أرنبته فقط فنصف الدية لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل» وإن قطع أحد المنخرين ففيه ثلث الدية ، وإن قطع الحاجز بينهما ففيه ثلث الدية ، وإن ضرب فأشَلّه فإن أشَلّه كلّه ففيه الدية ، لأنّه كالقطع يذهب منه الحياة ، وإن أشَلَّ منخراً واحداً ففيه ثلث الدية ، وإن أشلَّ الحاجز بينهما فقط ففيه ثلث الدية . وإذا أذهب حاسة الشم ، أي أتلفها ففيها الدية ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «وفي المشام الدية» أي الشم ، وإن قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان ، لأنّ الشم غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر كالسمع مع الأذن .
  4. الشفتان : إذا قطعت الشفتان أو أتلفتا أو أصابهما بالشلل ففيهما الدية لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «وفي الشفتين الدية» فإن كان ذلك في إحداهما ففيها نصف الدية ، فإذا ذهبت منفعتهما كالنفخ ومخارج الحروف ورد الريق وستر الاسنان ووقاية ما يؤذي الفم ينظر فإن ذهبت كل منافعهما ففيها الدية ، وإن ذهبت منفعة واحدة فتقدر ويعطى مقدار ما تساويه من منافعها من الدية ، فيعطى - حسب ما هو معروف عن منافعها - النفخ خمس الدية ، وتعطى وقاية الفم من الأذى خمس الدية وهكذا .
  5. اللسان : اللسان الناطق إذا أتلف ففيه الدية ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «وفي اللسان الدية» سواء أكان كبيراً يتكلم أم صغيراً لم يتكلم بعد . وإن جنى عليه فذهبت منفعته ففيها الدية ، ومنفعة اللسان الكلام والذوق ، فإن أذهب الكلام وحده ففيه الدية كاملة ، وإن ذهب الذوق ، وحده ففيه الدية ، لأنّ الذوق حاسة كالشم . غير أنه إن ذهبا معاً فإن في المنفعة كلها الدية ، لأنّ منفعة اللسان كاللسان فيها الدية ، ولما كانت منفعة اللسان هي الكلام كان فيها الدية ، ولما كان الذوق حاسة كالشم كان فيها الدية . وإن قطع بعض لسانه فإنّه يطبق عليه ما طبق على الأذن من مقدار ما يقطع ، فيحسب ويعطى من الدية النسبة التي قطعت من اللسان ، وكذلك إن نقصت منفعته يعطى من الدية بمقدار ما نقص حسب قول أهل الخبرة . هذا كله في اللسان الناطق ، أما اللسان الأخرس ، فإنّه لا تجب فيه الدية كاملة ، إذ هو ليس كالأنف والأذن لا يؤثر ذهابه على نفعه بل هو كاليد والرجل إذا شلت فإنها تؤثر على نفعها وكذلك لسان الأخرس يعتبر كاللسان المشلول فيؤثر على نفعه ، ولهذا ينقص من الدية الكاملة بمقدار ما نقص اللسان الأخرس عن اللسان الناطق من النفع .
  6. الأجفان : الأجفان أو الأشفار في الإنسان أربعة لكل عين جفنان ، ففي هذه الأجفان الأربعة الدية ، وذلك عملاً بالقاعدة التي استنبطت من مجموع أحاديث الرسول في أعضاء البدن بأن ما يوجد منها شيء واحد ففيه الدية ، وما وجد منها اثنان ففيه نصف الدية ، وما وجد منها أكثر ففيه من الدية بقدر ما له من أجزاء ، ومن هنا كان في الأجفان الدية ، وفي كل جفن منها ربع الدية ، ومثل ذلك أهداب العينين وهو الشعر الذي على الأجفان ، وهو غير الأجفان ، فللإنسان أهداب أربعة ففيها الدية ، وفي كل هدب ربع الدية ، وهي دية أخرى غير دية الأجفان .
  7. الحاجبان : الحاجبان يعتبران عضواً واحداً كالعينين ، ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية ، والحاجبان منفعتهما ليست ناتجة عنهما ، فهما كالأذن ، ولهذا فإن تلفا وذهبت منفعتهما كانت فيهما الدية ، وإن ذهبت منفعتهما ، ولم يتلفا كانت فيهما الدية ، وإن تلفا وبقيت منفعتهما كانت فيهما الدية ، فهما كالأذن سواء بسواء .
  8. الأسنان : الأسنان كلها عضوا واحد ، وكل سن منها جزء من هذا العضو ، ولكن الدية في الاسنان لا تحسب بحسب ما يوجد للانسان منها لأنّ النص قد عين الدية لكل سن ولذلك يتبع النص . ودية كل سن خمس من الإبل ، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «في السن خمس من الإبل» وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «في الأسنان خمس خمس» ولا فرق في ذلك بين السن والضرس لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «الأصابع سواء ، والأسنان سواء الثنية والسن سواء هذه وهذه سواء» غير أنه يفرق بين أن تعود وبين أن لا تعود ، فإنّه إذا سقطت السن ولم تعد أخذت ديتها خمس من الإبل ، وإن نبت مكانها أخرى لم تجب ديتها ، لكن إن عادت قصيرة أو مشوهة ففيها حكومة ، لأنّ الظاهر أن ذلك سبب الجناية عليها ، فإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها من ديتها بقدر ما نقص ، وكذلك إن كانت فيها ثلمة يمكن تقديرها ففيها بقدر ما ذهب منها . وإذا كسرت السن ففيها بقدر ما ذهب منها من الدية .
  9. الشعور : شعر الرأس ، وشعر اللحية والشارب ، وشعر الحاجبين ، في كل واحد منها الدية ، فإذا أحدثت الاصابة قرعاً في الرأس ينظر فإذا لم ينبت ففيها الدية ، وكذلك إذا أحدث في شعر اللحية والشارب ولم ينبت ، الدية ، ومثله الحاجبان . والحاجب الواحد فيه نصف الدية أي في شعره . وإذا ذهب قسم منه وبقي قسم ، أو أنبت قسم وبقي قسم يقدر بالمساحة كالأذنين ، ومارن الأنف فيدفع من الدية بمقدار ما نقص . ولا فرق في ذلك في هذه الشعور بين كونها كثيفة أو خفيفة أو جميلة أو قبيحة أو كونها من صغير أو كبير ، لأنّ سائر ما في الدية من الأعضاء لا يفترق الحال فيه بذلك . وصاحب اللحية المحلوقة كمن أعفى لحيته سواء ما دام الشعر كان ينبت ويحلق وأصبح بعد الاصابة لا ينبت .
  10. اللَّحْيان ( الفكان ) : وفي اللحيين الدية وفي كل منهما نصف الدية ، لأنّه يوجد عند الإنسان منهما شيئان ففيهما الدية ، وفي كل منهما نصف الدية ، ولا يقال إنه إذا أتلف قسم من أحدهما في اللحيين لا يتلفان اتلافاً ، وإنما يكسران كسراً ، أما إذا جرحا فانهما يأتيان في قسم الجراح ، أما في إتلاف العضو فالذي يحصل هو الكسر ، فإذا كسرا ففيهما الدية وإذا كسر أحدهما ففيه نصف الدية .
  11. العقل : وفي ذهاب العقل الدية لما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم : «وفي العقل الدية» وهو وإن لم يكن متمثلاً في الدماغ وحده ، بل هو مجموع الاحساس والدماغ والمعلومات السابقة ولكنه ينحصر في الدماغ لأنّه مركز الاحساس ، فأي عطل يحصل للعقل إنما يحصل للدماغ ، ولذلك يعتبر العقل منفعة الدماغ ، فإذا أتلف الدماغ وذهب العقل وجبت الدية ، وإذا ذهب العقل ولم يقلع الدماغ بل بقي في الرأس ، ولكن العقل ذهب فقد وجبت الدية ، فإن أصل البحث هو في العقل ، لا في الدماغ ، وإن كان عضوه هو الدماغ باعتباره مركز الاحساس ، ومركز تذكر المعلومات السابقة ، ومركز الربط . وإذا ذهب قسم من العقل كأنّ كان يجن جنوناً منقطعاً ففيه من الدية بنسبة ما نقص من عقله ، وإذا فقد ذاكرته فقد تعذر عليه الحكم على الأشياء ، أما إن حصل له ضعف في الحكم على الاشياء ، مثل ما يسمى بالهبل فإنّه يجب فيه من الدية بنسبة ما نقص ، لأنّ ما وجب فيه الدية وجب بعضها في بعضه .
  12. الصعر : الصعر هو أن يصير وجهه في جانب ، وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي ، فمن جنى على إنسان جناية فعوج عنقه حتى صار وجهه في جانب ، ففيه الدية ، فإنّه وإن كان ليس عضواً معيناً في الجسم ولكنْ روي عن زيد بن ثابت أنه قال : «وفي الصعر الدية» ولم يعرف له في الصحابة مخالف فكان إجماعاً ، لأنّه مما ينكر ، إذ هو حكم بالدية في غير عضو وفي غير ما جاء فيه نص كالعقل ، فسكوت الصحابة عليه يجعله من الاجماع السكوتي ، ومثل الصعر الشلل نصف الوجهي ، فإذا ضربه فأصابه الشلل فإن فيه الدية . أما إذا ضربه فجمد وجهه عن الحركة ففيه حكومة عدل ، لأنّه لا يشبه الصعر فلا يدخل تحته ، ولأنه لم يرد نص به .

أعضاء الجسم دون الرأس

  1. اليدان : والمراد باليد اليد التي تجب فيها الدية ، وهي اليد من الكوع ، أي الرسغ وهي اليد التي تقطع في السرقة ، لأنّ هذا هو معناها اللغوي عند الاطلاق . فإذا أريد بها غير هذا المعنى وضعت قرينة تدل عليه ، أو وصف يدل عليه ، ولذلك قال الله تعالى في الوضوء : { وأيدِيَكم إلى المرافق } ولما أراد بها هذا المعنى أطلقها فقال : { فاقطعوا أيديَهما } . فاليدان اللتان فيهما الدية هما اليدان إلى الكوعين أي إلى الرسغين . أما إذا كانتا مقطوعتين وأحدث فيهما إتلافاً فيما فوق الكوعين ، أو أحدث كسراً في اليد من أعلى ، أو عند الكوعين أو ما شاكل ذلك فإن في ذلك حكومة عدل أي تقدير قيمة اليد الصحيحة ، وقيمة اليد بعد الكسر أو الاتلاف ، ودفع الفرق بينهما ، وإتلاف اليدين بأية حال من حالات الاتلاف فلو قطعها أو أشلها أو عطلها أو غير ذلك وجبت الدية .
  2. الرجلان : وتجب في الرجلين الدية ، لانهما عضو في الإنسان ، وللإنسان منهما شيئان ، ولحديث معاذ بن جبل : «في الرجلين الدية» . وفي الرجل الواحدة نصف الدية . والمراد بالرجلين الرجلان إلى الكعبين ، لأنّ هذا هو معنى الرجل إذا أطلقت ولا ينصرف إلى غيرها . فإذا أتلفت الرجلان ففيهما الدية ، وفي إحداهما نصف الدية ، وفي قدم الأعرج كيد الأعسم الدية لأنّ العرج لمعنى في غير القدم ، والعسم هو الاعوجاج في الرسغ وهو لمعنى في غير اليد ، وليس العرج عيباً في قدم ، ولا العسم عيباً في كف . وإذا حصل الكسر في الساق أو الفخذ أو الركبة أو ما شاكل ذلك ففيها حكومة عدل . ولا تجب الدية إلاّ في الرجلين بمعناهما اللغوي أي إلى الكعبين .
  3. الأصابع : وفي كل اصبع من اليدين والرجلين عشر من الإبل ، وذلك لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل اصبع» وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «هذه وهذه سواء» يعني الابهام والخنصر ، وفي كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم : «وفي كل اصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل» . فهذه الأدلة دليل صريح على دية الأصابع ، لكل اصبع عشر من الإبل ، وإذا كانت هناك اصبع زائدة عن الخمس في اليد أو الرجل واتلفت ففيها حكومة عدل لأنها لا تدخل تحت منطوق الحديث . وإذا تلفت الأنامل فأنه ينظر فيها فإن كانت في غير الابهام ففي كل أنملة ثلث دية الاصبع ، لأنّ في الاصبع ثلاث أنامل ، أما إذا أتلفت في الابهام ففي كل أنملة نصف دية الاصبع لأنّ فيها أنملتين ، والنص جعل للأصبع كلها عشراً من الإبل ، فتكون دية قسم منها بمقداره من الاصبع .
  4. الثَّديان : في الثديين الدية ، لانهما عضو يوجد منه في الإنسان شيئان ، وفي احدهما نصف الدية ، عملاً بنصوص الحديث وما يؤخذ منها ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، لانهما عضوان في الرجل كما أنهما عضوان في المرأة . غير أن في ثدي المرأة منفعة وهي اللبن ، فإذا ذهبت منفعة الثدي من الاصابة فلم يعد يدر اللبن ففي المنفعة الدية ، أي أن الدية في الثدي إذا ذهب لأنّ منفعته تذهب معه فالدية للثدي ودخلت فيها المنفعة ، ولكن إذا بقي الثدي ولكن ذهبت منفعته كان في المنفعة الدية . وقطع الثديين وشلهما سواء ، لأنّ شلهما يعني إماتتهما . أما إذا كسر ثديان ناهدان ففيهما حكومة عدل ، لأنّه لم يحصل إتلاف لهما . وإذا أتلف حلمتهما فإن أذهب ذلك اللبن ففيها الدية ، وإن لم يذهب اللبن ففيها بمقدارها من الثدي ، وتقدر بثُمن الدية .
  5. الصُّلْب : عظم من لدن الكاهل إلى العَجْبِ ، وفيه قناة تمتد من الدماغ حتى العَجْب ، وهو مركب من فقرات ، ومنفعته تفريق الرطوبة في الأعضاء ، وإذا حصل فيه تلف منع الجماع ، ومنع استواء الجسم وغير ذلك ، ولا يحتاج ذهاب منفعته إلى إتلاف جميع فقراته ، بل إذا تلفت بعضها ذهبت منفعة الإنسان ، والرجل والمرأة في ذلك سواء . وهو يعتبر من الأعضاء التي في جسم الإنسان منها شيء واحد ، ففقراته جزء منه لا أعضاء ، فالعضو هو الصلب ، وليس كل فقرة من فقراته ، فإذا أتلف الصلب كانت فيه الدية ، وإذا اتلفت منفعته كانت فيها الدية ، فإذا اتلفت فقرة أو أكثر من فقراته فإن ذهبت منفعة الصلب كله كانت فيها الدية ، أما إذا ذهب قسم من منفعتها فتقدر بقدر ما ذهب منها ، ويحسب بقدره من الدية ، وإذا أتلفت فقرة ولم تذهب بإتلافها المنفعة ففيها جزء من الدية بعدد الفقرات التي في سلسلة الظهر ، وإذا ذهبت بعض منافعه كمنع الجماع ، وبقي بعضها فإنّه يقدر بقدر ما فيه من منافع ، وهكذا يكون حكم الصلب كحكم أي عضو يوجد منه في الإنسان شيء واحد . على أنه جاء النص عليه في الحديث ففي كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم : «وفي الصلب الدية» .
  6. الأضلاع : مجموع أضلاع الرجل عضو واحد وهو الصدر ، وهو عضو يوجد في الإنسان منه شيء واحد ، وأما الأضلاع فإنها تكون أجزاء في هذا العضو ، وليس كل واحد منها عضواً وفي الصدر أي مجموع الأضلاع الدية ، لأنّه عضو ، عملاً بما دل عليه الحديث . وفي كل ضلع منها من الدية بقدر ما فيه من أضلاع ، فتحسب مجموع الأعضاء ، ويؤخذ بنسبة كل واحد من المجموع . فإذا كسر الضلع وصحح ففيه حكومة عدل ، وإذا كسر واتلف ففيه الدية بقدره .
  7. الألْيتان : في الأليتين الدية لانهما عضو يوجد في الإنسان منه شيئان ، وفي كل واحد منهما نصف الدية ، والدية تجب فيهما إذا اخذتا إلى العظم الذي تحتهما ، أما إذا ذهب بعضهما فيجب من الدية بقدره ، لأنّ ما وجبت فيه الدية وجب في بعضه بقدره ، فإن جهل المقدار وجبت حكومة عدل ، لأنّه نقص لم يعرف قدره .
  8. البطن : وفي البطن إذا ضرب فلم يستمسك الغائط الدية ، وذلك لأنّه عضو ، إلاّ أن منفعته لا يتصور فصلها عنه ، فإنّه إن قطع لم يستمسك الغائط ، وإن ضرب وبقي لم يستمسك الغائط ، وما دام عضواً لا يوجد في الإنسان منه إلاّ شيء واحد ففيه الدية ، والبحث فيه بحث في منفعته والحكم فيه حكم في منفعته .
  9. المثَانة : وفي المثانة إذا لم تستمسك البول الدية ، وذلك لأنّها عضو لا يوجد في الإنسان منه إلاّ شيء واحد ، فكانت فيه الدية ، ومنفعته كمنفعة البطن لا تنفصل عنه ، وهي غير البطن فلا يقال إن البول والغائط كلاهما من جنس الخروج ، لأنّه مع كونهما ليسا من جنس واحد فإن المسألة ليست جنس المنفعة ، بل جنس العضو ، والمثانة والبطن عضوان منفصلان ، وكل منهما غير الآخر ، ولذلك كانت في المثانة وحدها الدية ، وفي البطن وحده الدية .
  10. الذكر : وفي الذكر الدية لما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم : «وفي الذكر الدية» ولأنه عضو لا يوجد منه في الإنسان إلاّ شيء واحد ، فإذا قطع أو أصابه الشلل ، أو لم يعد ينفع للجماع ففيه الدية . وتجب الدية في ذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب والخصي ، عنيناً أو سالماً من العنة ، قدر على الجماع أم لم يقدر ، لأنّ الذكر عضو ، ومنفعته ليست آتية منه ، فمن أتلف ذكره ذهبت منفعته ، ولكن قد تذهب منفعته ويبقى ذكره ، فمن أتلف ذكره مطلقاً وجبت الدية مطلقاً ، لأنّه لا يتأتى بقاء منفعته ، ولكن من ضرب على ذكره فذهبت منفعته ، وبقي ذكره فتجب الدية في المنفعة ، هذا إذا كانت فيه منفعة عند ضربه ، أما إذا لم تكن فيه منفعة قبل ضربه ، كالشيخ الفاني الذي لم يعد قادراً على الجماع ولا على الانزال فلا دية فيه ، أما إذا كان قادراً على الجماع ولم يعد قادراً على الانزال أو كان قادراً على الانزال ولم يعد قادراً على الجماع فإن فيه بقدر ما نقص من منفعته ، لأنّ منفعة الذكر الجماع والانزال ، فإن تلف ما كان قادراً عليه ففيه الدية بقدر ما فقد . أما العِنِّين فإنّه كالسليم لأنّه قادر على جماع الثيب بخلاف الخصي فإنّه غير قادر على الجماع ومتحقق فيه عدم الانزال ، ولذلك إذا ضرب على ذكره ولم يقطع أو لم يكسر عظمه فإن نقص من قيمته ففيه حكومة ، ولا دية فيه ، لأنّ العضو لم يذهب ، ولأنه لم تكن هناك منفعة قد ذهبت .
  11. البيضتان : وفي الأنثيين الدية وهما البيضتان ، لما ورد في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن حزم : «وفي البيضتين الدية» ولأنها عضو في الإنسان منه شيئان فوجبت فيهما الدية ، وفي إحداهما نصف الدية . ونفعهما في وجودهما فلو قطعا وذهبت منفعتهما ففيهما الدية وكذلك احداهما ، ولكن لو ضرب عليهما فذهبت منفعتهما وبقيا ففي المنفعة الدية كأي عضو من الأعضاء له منفعة .
  12. الأسْكَتان : وهما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم ، وأهل اللغة يقولون الشُّفران حاشيتا الأسْكَتين كما أن أشفار العين أهدابها . غير أنه وإن كان أهل اللغة اطلقوا اسم الاسكتين على اللحم المحيط بالفرج واسم الشفرين على حاشيتي الاسكتين كاشفار العين إلاّ أن وضعهما غير وضع أشفار العين ، فإن أشفار العين تعني أجفانها ، وأهدابها هي الشعر الذي على الأجفان أي ما يسمى بالرمش ، فالأهداب فيها الدية ، والأجفان فيها الدية لأنهما شيئان ، وكل منهما غير الآخر ، ولكن الأسكتين هما اللحم المحيط بالفرج . والشفران طرفه فهما جزء من الأسكتين ، وليستا شيئاً ثانياً ، ولذلك كانت الأسكتان والشفران معاً عضواً واحداً ، وليسا عضوين اثنين ، فكانا عضواً واحداً يوجد في الإنسان منه شيئان ، وفي الأسكتين الدية عملاً بما فهم من الحديث ، لانهما عضو في الإنسان منه شيئان ، وفي احدهما نصف الدية . وإن جُنِيَ عليهما فأشلّهما وجبت ديتهما ، كما لو قطعهما لانهما كالشفتين . ولا فرق بين كونها غليظتين أو دقيقتين ، قصيرتين أو طويلتين ، من بكر أو ثيب ، صغيرة أو كبيرة ، مختونة أو غير مختونة ، لأنهما عضوان فيهما الدية فاستوى فيهما جميع ما ذكر كسائر أعضائها . ولا فرق بين الرتقاء والقرناء والسليمة ، لأنّ الرتق والقرن عيب في غيرهما كما هي الحال في الصمم بالنسبة للأذن .
  13. الدُّبُر : وفي الدبر الدية فإن ضرب فازيل ففيه الدية ، لأنّ منفعته قد ذهبت بذهابه ، ولكنه إن ضرب ولم يقطع وبقي كما هو ، ولكن ذهبت منفعته كأنّ سد أو شق أو ما شاكل ذلك ففيه كذلك الدية ، لأنّه عضو في الإنسان منه شيء واحد فوجبت فيه الدية كسائر الأعضاء .
  14. العظام : العظام ليست أعضاء للجسم فلا تنطبق عليها الأحاديث الواردة في الأعضاء ، وعلى ذلك فالترقوتان ، والزندان ، في كل منهما حكومة عدل ، لأنهما ليسا عضوين ، ومثل ذلك عظم الساقين ، وعظم الفخذين ، والذراع ، والعضد ، وعظم الظهر وغيره كل ذلك لا دية فيه ، وإنما فيه حكومة عدل .