الأفعال التي يعاقب عليها هي ترك الفرض ،  وارتكاب الحرام ،  ومخالفة ما أصدرته الدولة من أوامر ونواه جازمة ،  وما عدا هذه الثلاثة فلا يعاقب على أي فعل .  ذلك أن الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال العباد خمسة ،  هي الفرض وهو الواجب ،  والمندوب وهو السنة والنافلة ،  والمباح ،  والحرام وهو الحظر ،  والمكروه .

  1.  الفرض هو طلب الفعل طلباً جازماً ، 
  2. والمندوب هو طلب الفعل طلباً غير جازم ، 
  3. والمباح هو التخيير بين الفعل والترك ، 
  4. والحرام هو طلب الترك طلباً جازماً ، 
  5. والمكروه هو طلب الترك طلباً غير جازم . 

والله سبحانه وتعالى إنما يعاقب على مخالفة طلب الفعل طلباً جازماً وعلى مخالفة طلب الترك طلباً جازماً ،  أي على مخالفة الأمر الجازم ،  والنهي الجازم ،  ولا يعاقب على غير ذلك ،  فتارك السنة لا عقاب عليه ،  وفاعل المكروه لا عقاب عليه ،  والمخيَّر بين الفعل والترك ظاهر ظهور الشمس بأنه لا عقاب عليه إن فعل ،  ولا عقاب عليه إن ترك ،  إذ هو مخير أن يفعل وأن يترك ؛  فالله تعالى حين أوعد على مخالفة أوامره ونواهيه إنما أوعد العاصين ،  فقال :  { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً } ،  وقال :  { ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } .  فالوعيد إنما هو للعاصين ،  وتارك المندوب وفاعل المكروه ليسوا بعصاة ،  لأنّ الطلب منهم لم يكن جازماً ،  سواء طلب الفعل ،  وطلب الترك ،  وما داموا ليسوا عصاة فلا يعذبون على فعلهم ،  الذي هو ترك المندوب وفعل المكروه ،  وترك المباح أو فعله أي أن الله لا يعاقبهم على أفعالهم ،  وما دام الله لا يعاقبهم فكيف يجوز للدولة أن تعاقبهم ؟! . 

إن إيقاع الدولة للعقوبات المقدرة من قبل الشارع أمر لا جدال فيه ،  وهي كلها عقوبات على فعل حرام أو ترك فرض ،  وإيقاع الدولة للعقوبات غير المقدرة محددة بالتعزير ،  والتعزير هو عقوبة غير مقدرة على معصية لا حد فيها ولا كفارة ،  فهو محصور بالمعاصي ،  فلا يدخل تحته المندوب ،  ولا المكروه ،  ولا المباح ،  لأنّها ليست من المعاصي

وأما المخالفات فهي معصية ،  لأنّ الرسول يقول :  "  ومن يعص الأمير فقد عصاني "  فتكون عقوبة على معصية ،  وعليه فإنّه لا توجد عقوبة إلاّ على المعاصي ،  وما ليس بمعاصي فلا عقوبة عليه .  ومن هنا لا عقوبة على ترك الأفعال المندوبة ،  ولا على فعل الأفعال المكروهة ،  ولا على ترك المباح أو فعله ،  وحتى لو أمر بها أمير المؤمنين ،  فإن أمره بها لا يجعل القيام بها فرضاً ،  وتركها حراماً ،  بل أمره بها هو تبني رأي شرعي من الآراء المتعددة بشأنها ،  وإلزام النّاس به ،  وترك غيره هو أمر بالشرع ،  لا أمر من عنده ،  فيبقى الأمر أمر الله ،  ويظل الحكم كما هو مندوباً أو مباحاً أو مكروهاً كما جاء به الشرع .  وبناء على هذا فإن الأفعال التي يعاقب عليها محصورة في فعلين اثنين هما .  ترك الفروض ،  وفعل المحرمات .