لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم بدينهم ، وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا التمسك وتساهلوا فيه ، وسمحوا للحضارة الأجنبية أن تدخل ديارهم ، وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم ، يوم أن تخلوا عن القيادة الفكرية في الإسلام حين تقاعسوا عن دعوته ، وأساؤوا تطبيق أحكامه .

فلا بد أن يستأنفوا حياة إسلامية حتى يتاح لهم النهوض ، ولن يستأنفوا هذه الحياة الإسلامية إلا إذا حملوا الدعوة الإسلامية ، بحمل قيادة الإسلام الفكرية ، وأوجدوا بهذه الدعوة دولة إسلامية تحمل القيادة الفكرية بحمل دعوة الإسلام .

  • ما يجب مراعاته من أجل حمل الدعوة حملا منتجا ومركزا:
  1. أن يحمل الإسلام عقيدة ونظام  كقيادة الفكرية، أي المرجع والحَكَم
  2. وأن تحمل الدعوة الإسلامية لإنهاض المسلمين ، إنما هو لأنالإسلام وحده هو الذي يصلح العالم . ولأن النهضة الحقيقية لا تكون إلا به ، سواء المسلمون أو غيرهم . وعلى هذا الأساس يجب أن تحمل دعوة الإسلام .
  3. وأن يحرص على: حمل هذه الدعوة قيادة فكرية للعالم تنبثق عنها النظم ، وعلى هذه القيادة الفكرية تبنى جميع الأفكار ، ومن هذه الأفكار تنبثق كافة المفاهيم التي تؤثر في وجهة النظر في الحياة دون استثناء .
  4. وتحمل الدعوة الإسلامية اليوم كما حملت من قبل ، ويسار بها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون حيد قيد شعرة عن تلك الطريقة في كلياتها وجزئياتها ، ودون أن يحسب لاختلاف العصور أي حساب ، لأن الذي اختلف هو الوسائل والأشكال ، وأما الجوهر والمعنى فهو هو لم يختلف ، ولن يختلف ، مهما تعاقبت العصور ، واختلفت الشعوب والأقطار .
  5. ولذلك فإن حمل الدعوة الإسلامية يقتضي الصراحة والجرأة ، والقوة والفكر ، وتحدي كل ما يخالف الفكرة والطريقة ، ومجابهته لبيان زيفه ، بغض النظر عن النتائج ، وعن الأوضاع .
  6. ويقتضي حمل الدعوة الإسلامية أن تكون السيادة المطلقة للإسلام ، بغض النظر عما إذا وافق جمهور الشعب أم خالفهم ، وتمشى مع عادات الناس أم ناقضها ، وقبل به الناس أم رفضوه وقاوموه . فحامل الدعوة لا يتملق الشعب ولا يداهنه ، ولا يداجي من بيدهم الأمور ولا يجاملهم . ولا يعبأ بعادات الناس وتقاليدهم ، ولا يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم له أي حساب ، بل يتمسك بالإسلام-، ويصرح بالإسلام وحده ، دون أن يدخل في الحساب أي شيء سوى الإسلام. ولا يقال لأصحاب المبادئ الأخرى تمسكوا بمبدئكم ، بل يدعون بلا إكراه إلى المبدأ ليعتنقوه ، لأن الدعوة تقتضي أن لا يكون غيره ، وأن تكون السيادة له وحده { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } .فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى العالم برسالته متحدياً سافراً مؤمناً بالحق الذي يدعو إليه ، يتحدى الدنيا بأكملها ، ويعلن الحرب على الأحمر والأسود من الناس ، دون أن يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد ، أو أديان أو عقائد ، أو حكام أو سوقة ، ولم يلتفت إلى أي شيء سوى رسالة الإسلام ، فقد بادأ قريشاً بذكر آلهتهم وعابها ، وتحداهم في معتقداتهم وسفهها ، وهو فرد أعزل ، لا عدة معه ، ولا معين له ، ولا سلاح عنده سوى إيمانه العميق بالإسلام الذي يدعو إليه . ولم يأبه بعادات العرب وتقاليدهم ، ولا بأديانهم وعقائدهم ، ولم يجاملهم بها ، ولم يراعهم في شأنها .
  7. وكذلك يكون حامل الدعوة الإسلامية سافراً متحدياً كل شيء : متحدياً العادات والتقاليد والأفكار السقيمة والمفاهيم المغلوطة ، متحدياً حتى الرأي العام إذا كان خاطئاً ، ولو تصدى لكفاحه ، متحدياً العقائد والأديان ، ولو تعرض لتعصب أهلها ، ونقمة الجامدين على ضلالها .
  8. وحمل الدعوة الإسلامية يقتضي الحرص على تنفيذ أحكام الإسلام تنفيذاً كاملاً ، وعدم التساهل في أي شيء مهما قل ، وحامل الدعوة لا يقبل المهادنة ولا التساهل ، ولا يقبل التفريط ولا التأجيل ، وإنما يأخذ الأمر كاملاً ، ويحسمه عاجلاً ، ولا يقبل في الحق شفيعاً ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل من وفد ثقيف أن يدع لهم صنمهم اللات ثلاث سنين لا يهدمه ، وأن يعفيهم من الصلاة على أن يدخلوا في الإسلام ، ولم يقبل أن يدع اللات سنتين أو شهراً كما طلبوا ، بل أبى ذلك كل الإباء ، وكان إباؤه حاسماً لا تردد فيه ولا هوادة لأن الإنسان إما أن يؤمن وإما أن لا يؤمن ، لأن النتيجة إما الجنة أو النار ، ولكنه عليه السلام قبل أن لا يهدموا هم صنمهم اللات ، ووكل به أبا سفيان والمغيرة بن شعبة أن يهدماه . نعم لم يقبل إلى العقيدة الكاملة ، والتنفيذ الذي تقتضيه ، أما الوسيلة والشكل فقد قبلهما ، لأنهما لا يتصلان بحقيقة هذه العقيدة ، ولذلك لا بد للدعوة الإسلامية من حرص على بقاء كمال الفكرة ، ومن حرص على كمال تنفيذها ، دون أي تسامح في الفكرة أو الطريقة ، ولا يضيرها أن تستعمل من الوسائل ما تشاء .
  9. وحمل الدعوة الإسلامية يقضي أن يكون كل عمل من أعمالها من أجل غاية معينة ، ويقتضي بأن يظل حامل الدعوة دائماً يتصور هذه الغاية ، ويعمل دائماً للوصول إليها ، ويدأب دأباً لا راحة فيه لتحقيق الغاية . ولذلك تجده لا يرضى بالفكر دون العمل ، ويعتبره فلسفة خيالية مخدرة ، ولا يرضى بالفكر والعمل لغير غاية ، ويعتبره حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ، بل يصر على اقتران الفكر بالعمل ، وعلى جعل الفكر والعمل معاً من أجل غاية يحققها عملياً ويبرزها للوجود . فالرسول عليه السلام حمل القيادة الفكرية في مكة ، حتى إذا وجد مجتمع مكة لا يحقق جعل الإسلام نظاماً للمجتمع يعمل به ، هيأ مجتمع المدينة ، ثم أوجد الدولة ، وطبق الإسلام ، وحمل رسالته ، وهيأ الأمة لتحمله من بعده ، وتسير في الطريق التي رسمها لها . ولذلك لا بد أن يكون حمل الدعوة الإسلامية في حال عدم وجود خليفة للمسلمين شاملاً الدعوة إلى الإسلام ، وإلى استئناف حياة إسلامية بالعمل لإيجاد دولة الخلافة التي تطبق الإسلام ، وتحمل رسالته للعالم ، فتنقل من دعوة لاستئناف حياة إسلامية في الأمة إلى حمل الدولة الدعوة إلى العالم ، ومن دعوة محلية في العالم الإسلامي إلى دعوة عالمية .
  10. والدعوة إلى الإسلام لا بد أن يبرز فيها تصحيح العقائد ، وتقوية الصلة بالله ، وأن تبين للناس حل مشاكلهم ، حتى تكون هذه الدعوة حية في جميع ميادين الحياة . فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلو على الناس في مكة : { تبت يدا أبي لهب } ويتلو عليهم في نفس الوقت : { إنه لقول رسول كريم ،وما هو بقول شاعر ، قليلاً ما تؤمنون } ويتلو عليهم في مكة : { ويل للمطففين ، الذي إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } ويتلو عليهم : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ذلك الفوز الكبير } ويتلو عليهم في المدينة : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } كما يتلو عليهم : { انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } ويتلو عليهم : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ويتلو عليهم : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ويتلو : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } ولذلك لا بد أن تكون الدعوة الإسلامية حاملة للناس الأنظمة التي يعالجون بها مشاكل حياتهم ، لأن سر نجاح الدعوة الإسلامية هو كونها حية تعالج الإنسان كله كانسان ، وتحدث فيه كله الانقلاب الشامل .

 

  • مقومات حمل أعباء الدعوة كما حملها رسول الله :
  1. ولا يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا بالمسؤولية ، ويقوموا بالتبعات ، إلا إذا غرسوا في نفوسهم النزوع إلى الكمال ، وكانوا ينقبون دائماً عن الحقيقة ، ويقلبون دائماً في كل ما عرفوه ، حتى ينقوا منه كل ما يعلق به من شيء غريب عنه ، ويبعدوا عنه كل ما يكون من قربه منه احتمال أن يلصق به ، حتى تظل الأفكار التي يحملونها نقية صافية ، وصفاء الأفكار ونقاؤها هو الضمان الوحيد للنجاح ، ولاستمرار النجاح .
  2. ثم على حملة هذه الدعوة أن يؤدوا واجبها كواجب كلفهم به الله ، وأن يقبلوا عليه متهللين مستبشرين برضا الله ، وان لا يبتغوا من عملهم جزاء ، ولا ينتظروا من الناس شكراً ، وأن لا يعرفوا إلا طلب رضوان الله .