من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

 

يُعتبر مال الزكاة أحد أنواع الأموال التي توضع في بيت المال، ولكنها تختلف عن سائر الأنواع من الأموال من ناحية جبايتها، ومن ناحية المقدار الذي يجبى، ومن ناحية إنفاقها.

 

جبايتها

فهي من حيث الجباية لا تجبى إلاّ من أموال المسلمين ولا تجبى من غيرهم، وهي ليست ضريبة عامة، وإنما هي عبادة من العبادات وتعتبر ركناً من أركان الإسلام. وهي مع كونها مالاً فإن دفعها يحقق قيمة روحية كالصلاة والصيام والحج، وأداؤها فرض عين على المسلم، ولا تعتبر جبايتها مسايرة لاحتياجات الدولة وحسب مصلحة الجماعة كسائر الأموال التي تجبى من الأمّة، بل هي نوع خاص من المال يجب أن يدفع لبيت المال، سواء أكانت هناك حاجة أم لم تكن، ولا تسقط عن المسلم متى وجبت في ماله، وتجب على المسلم المالك للنصاب فاضلاً عن ديونه وحاجته ولا تجب على غير المسلم، وتجب على الصبي والمجنون لما روى الترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة»؛ أي لا يتركه حتى لا يذهب ماله كله من دفع الزكاة عليه ولأنها تجب على المال المملوك للشخص فهي عبادة مالية لا عبادة جسدية.

 

مقدارها

وأمّا من حيث المقدار الذي يجبى فإنه مقدار معين لا يزيد ولا ينقص، وقُدِّر بربع العشر في الذهب والفضة وعروض التجارة. ويؤخذ من مقدار معين من المال هو النصاب فما فوقه. وقدرُ النصاب مائتا درهم فضة وعشرون مثقالاً من الذهب، والمثقال من الذهب يساوي ديناراً شرعياً ووزنه عشرون قيراطاً. وتساوي 4.25غراما،وبذلك يكون نصاب الذهب 85 غراما ذهبا،وأما درهم الفضة فيساوي 2.975غراما، وبذلك يكون نصاب الفضة يساوي 595 غراما فضة. فإذا نقص المقدار عن النصاب فلا يؤخذ منه شيء. وأمّا الحبوب كالقمح ونحوه، والمواشي كالإبل والبقر والغنم، فقد بيّن الفقهاء مقدار نصابها وما يؤخذ منها مفصلاً.

 

مصارفها

وأمّا مصارف الزكاة ووجوه إنفاقها فهي محددة كذلك بحد معروف فلا تُصرف إلاّ للأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم في سورة التوبة ((إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلَّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)):

  1. أمّا الفقراء فهم الذين يملكون أموالاً ولكن نفقاتهم أكثر مما يملكون.
  2. والمساكين هم الذين لا يملكون أموالاً وليست لهم واردات، قال تعالى: ((أو مسكيناً ذا متربة)).
  3. والعاملون عليها هم الذين يعملون بجبايتها وتوزيعها.
  4. والمؤلفة قلوبهم هم الذين ترى الدولة أن في إعطائهم من الزكاة مصلحة في تثبيتهم على الإسلام.
  5. وفي الرقاب وهم الأرقاء يُعطَون من مال الزكاة ليُعتقوا، وهذا الصنف غير موجود الآن.
  6. والغارمون هم المدينون العاجزون عن سداد ديونهم.
  7. وفي سبيل الله أي الجهاد. وما ذُكرَت ((في سبيل الله)) مع الإنفاق في القرآن إلاّ وكان معناها الجهاد.
  8. وابن السبيل هو المسافر المنقطع.

وما عدا هؤلاء الثمانية لا يجوز أن تُصرف لهم الزكاة. وكذلك لا يجوز أن تُصرف في شؤون الدولة الاقتصادية. وإذا لم يوجَد صنف من الأصناف الثمانية لا تُصرف الزكاة في باب آخر، وتُحفظ في بيت المال لتُصرف عند الحاجة إلى صرفها في وجوهها الثمانية.

تُدفع للخليفة ومن ينوب عنه

وتُدفع للإمام أو نائبه لقوله الله تعالى: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها))، ولأن أبا بكر طالبهم بالزكاة ووافقه الصحابة على هذا، ولم يسألهم هل تدفعون للفقراء أم لا، وحين مَنعوا دفع الزكاة إليه قاتلهم عليها. والإمام هو الذي يعطيها لمستحقيها. حتى ولو كان الولاة ظلمة تُدفع لهم. رُوي عن سهب بن أبي صالح قال: " أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال أريد أن أُخرج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني؟ قال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك".ذكره صاحب المغني.

 

الزكاة على المسلمين وللمسلمين فقط

ولا تعطى الزكاة لكافر مطلقاً سواء أكان ذمياً أم غير ذمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُرَد على فقرائهم))رواه البخاري عن ابن عباس فخصّهم بصرفها على فقرائهم كمّا خصّهم بوجوبها على أغنيائهم. لكن يجوز إعطاء الكافر صدقة التطوع مطلقاً، قال تعالى: ((ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)) ولم يكن الأسير يومئذ إلاّ كافراً.