من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

في دولة الخلافة واردات بيت المال تحصّل بحسب الأحكام الشرعية المنصوص عليها، وتُصرف بحسب أحكام شرعية منصوص عليها. وهي كلها أحكام شرعية دائمية، فلا مجال للرأي في أبواب الواردات ولا في أبواب النفقات مطلقاً، وإنما هي أبواب دائمية قررتها أحكام شرعية دائمية.

هذا من ناحية أبواب الميزانية، أمّا من ناحية فصول الميزانية والمبالغ التي يتضمنها كل فصل، والأمور التي تخصص لها هذه المبالغ في كل فصل، فإن ذلك كله موكول لرأي الخليفة واجتهاده لأنه من رعاية الشؤون التي تركها الشرع للخليفة يقرر فيها ما يراه، وأمْرُه واجب التنفيذ.

وعليه فدولة الخلافة لا توضع لها ميزانية سنوية حتى يحتاج الأمر سنوياً إلى سن قانون بها، ولا تُعرض على مجلس الأمة، ولا يؤخذ فيها رأي منه. وهذا على النقيض من النظام الديمقراطي الرأسمالي.

فالدول الديمقراطية تضع ميزانية عامة للدولة كل سنة. وواقع الميزانية للدولة الديمقراطية هو أن الميزانية تصدر في قانون اسمه قانون الميزانية لسنة كذا، يصدّقه البرلمان ويسنّه قانوناً بعد مناقشته ومناقشة فصول الميزانية فصلاً فصلاً والمبالغ التي يتضمنها كل فصل، ويعتبر كل فصل كلاً لا يتجزأ يجري التصويت عليه ككل لا على كل جزء منه فيقبله أو يرفضه جملة، وإنْ كان عند المناقشة له أن يناقش كل جزء من أجزائه وكل مبلغ من المبالغ التي يشتمل عليها. وقانون الميزانية يكون مؤلفاً من بضع مواد، منها مادة توضع لتبين المبلغ الذي يُرصد لنفقات الدولة خلال السنّة المالية التي وُضعت لها الميزانية، وتوضع مادة لتبين المبلغ الذي تخمَّن إيرادات الدولة به خلال السنّة المالية التي وُضعت لها الميزانية، وتوضع مواد لرصد مصروفات لبعض المؤسسات كما توضع مواد لتخمين واردات بعض المؤسسات، وتوضع مواد لإعطاء وزير المالية بعض الصلاحيات، وتوضع في كل مادة إشارة إلى جدول يتضمن أبواب الميزانية لما تتضمنه المادة سواء أكانت للواردات أو المصروفات، ثم توضع في كل جدول مفرداته، أي الفصول التي يتضمنها الباب، ثم يوضع في كل فصل المبالغ الإجمالية لمفردات الفصل جميعها. وعلى هذا الأساس توضع الميزانية كل سنة مع بعض اختلافات فرعية في بعض السنين حسب الوقائع المختلفة، أو مع بعض اختلافات فرعية بين الدول حسب الوقائع المختلفة.

وعلى هذا لا يوجد أي مجال في الإسلام لوضع ميزانية سنوية للدولة كما هي الحال في النظام الديمقراطي لا بالنسبة لأبوابها ولا لفصولها ولا لمفردات الفصول، أو المبالغ التي تحتاجها تلك المفردات أو الفصول. ومن هنا لا توضع ميزانية سنوية للدولة الإسلامية، وإن كانت لها ميزانية دائمية قد حدد الشرع أبوابها بالنسبة للواردات والنفقات، وجعل للخليفة أمر تقرير الفصول ومفرداتها والمبالغ اللازمة لها حينما تدعو المصلحة، دون نظر إلى مدة معينة.