سبق وتبين تفصيلا أنواع الشركات في النظام الاقتصادي الإسلامي. فكل عقد سواء تعلق بشركة أو بأي معاملة أخرى وجب أن يكون وفق الأحكام الشرعية. فلا تعتبر تنمية الملك مهما بلغت إلا  إذا كانت وفق الأحكام الشرعية المتعقلة بنوع تلك التنمية. ولا تقتصر الخسارة على ما نتج عند تلك المعاملة وما صرف من جهد ومال ووقت، بل تزداد بالخسارة  الفعلية والمتمثلة في الإثم المترتب على التعامل بغير الأحكام الشرعية، فتضاف خسارة الآخرة إلى خسارة الدنيا. ولبيان الخبيث من الطيب، ولتفادي خسارة الدنيا والآخرة فهذا بيان للشركات الرأسمالية، ووجه بطلانها شرعا، ما يحرم التعامل بها تأصيلا لأنها شركات لم تنبثق عن العقيدة الإسلامية، وتفصيلا لأنها لم تستوف شروط انعقاد الشركة في النظام الاقتصادي الإسلامي!

الشركة في النظام الرأسمالي

هي عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة. وهي قسمان: شركات الأشخاص وشركات الأموال.

أمّا شركات الأشخاص فهي التي يدخل فيها العنصر الشخصي، ويكون له أثر في الشركة وفي تقدير الحصص، وذلك كشركات التضامن وشركات التوصية البسيطة، بخلاف شركات الأموال فإنه لا يكون فيها للعنصر الشخصي أي وجود ولا أي اعتبار أو أي أثر، بل هي قائمة على انتفاء وجود العنصر الشخصي وانفراد العنصر المالي فقط في تكوين الشركة وفي سيرها، وذلك كشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم.

ما يلي بيان للشركات الرأسمالية التالية ووجه بطلانها شرعا، وحرمة التعامل وفقها، وبطلان ما يترتب عليها:

  1. شركة التضامن
  2. شركات المساهمة
  3. الجمعيات التعاونية
  4. التأميـن

 

1) شركة التضامن

 هي عقد بين شخصين أو أكثر يتفقان فيه على الاتجار معاً بعنوان مخصوص، ويلتزم جميع أعضائها بديون الشركة على جميع أموالهم بالتضامن من غير قيد وحدّ، لذلك لا يمكن أن يتنازل أي شريك عن حقوقه في الشركة لغيره إلاّ بإذن باقي الشركاء، وتنحلّ الشركة بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه، ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك. وأعضاء هذه الشركة متضامنون في تعهداتها قِبَل الغير في تنفيذ جميع تعهدات الشركة، ومسؤوليتهم في ذلك غير محدودة، فكل شريك مطالَب بأداء جميع ديون الشركة لا من أموال الشركة فحسب بل من أمواله أيضاً، فعليه أن يوفي بأمواله هو ما نقص من ديون الشركة بعد نفاد مالها. ولا تسمح هذه الشركة باتساع المشروع، ويتم تكوينها من أشخاص قلائل يثق كل منهم بالآخر ويعرفه معرفة جيدة، وأهم اعتبار فيها شخصية الشريك لا من حيث كونه بدناً فقط بل من حيث مركزه وتأثيره في المجتمع.

وهذه الشركة فاسدة لأن الشروط التي تنص عليها تخالف شروط الشركات في الإسلام، لأن الحكم الشرعي أنه لا يُشترَط في الشريك إلاّ كونه جائز التصرف فقط، وأن للشركة أن توسِّع أعمالها، فإذا اتفق الشركاء على توسيع الشركة إما بزيادة رأسمالهم أو بإضافة شركاء، فهم مطلَقو التصرف يفعلون ما يشاؤون، ولأن الشريك غير مسؤول في الشركة شخصياً إلاّ بنسبة ما له من حصة فيها، ولأن له الحق أن يترك الشركة في أي وقت يريد دون حاجة لموافقة الشركاء؛ والشركة لا تنحل بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه بل تنفسخ شراكته هو وحده وتبقى شراكة باقي الشركاء إذا كانت الشركة مؤلفة من أكثر من اثنين. هذه هي الشروط الشرعية، فاشتراط شركة التضامن بخلاف هذه الشروط، بل نقيضها، يجعلها شركة فاسدة ولا يجوز الاشتراك بها شرعاً.

 

2) شركات المساهمة

 شركات المساهمة هي شركة مكوَّنة من شركاء يجهلهم الجمهور. والمؤسِّس في شركة المساهمة هو كل من وَقَّع العقد الابتدائي للشركة لأن العقد الابتدائي هو الذي يوجِد بين موقِّعيه التزامات بالعمل على تحقيق الهدف المشترك وهو الشركة. ويكون الاكتتاب في الشركة بالتزام الشخص بشراء سهم أو أكثر في مشروع الشركة مقابل قيمتها الاسمية. وهو ضرب من ضروب التصرف بإرادة منفردة، أي يكفي الشخص أن يشتري الأسهم ليصبح شريكاً، رَضِيَ به باقي الشركاء أم لا. ويحصل الاكتتاب بوسيلتين: الأولى يختص فيها المؤسسون بأسهم الشركة ويوزعونها فيما بينهم دون عرضها على الجمهور، وذلك بتحرير القانون النظامي للشركة المتضمن الشروط التي ستسير عليها الشركة ثم توقيعه من قِبلهم، فكل من يوقّع القانون يعتبر مؤسساً وشريكاً، ومتى تم توقيع الجميع فقد تأسست الشركة. والوسيلة الثانية التي يحصل فيها الاكتتاب وهي المنتشرة في العالم، هي أن يقوم بضعة أشخاص  بتأسيس الشركة ويضعون نظامها ثم تُطرح الأسهم مباشرة على الجمهور للاكتتاب العام فيها وحين ينتهي أجل الاكتتاب في الشركة تدعى الجمعية التأسيسية للشركة للنظر في  التصديق على نظام الشركة وتعيين مجلس الإدارة لها. ويحق لكل مساهم مهما كان عدد أسهمه حق الحضور في الجمعية التأسيسية ولو كان مالكاً لسهم واحد. وتبدأ الشركة أعمالها عند انتهاء الزمن المحدد لإقفال الاكتتاب.

وكلتا الوسيلتين شكل واحد هو دفع الأموال. ولا تُعتبر الشركة قد انعقدت إلاّ بانتهاء توقيع المؤسسين في الوسيلة الأولى، وانتهاء أجل الاكتتاب في الوسيلة الثانية. فعقد الشركة عقد بين أموال فحسب ولا وجود للعنصر الشخصي فيها مطلقاً، فالأموال هي التي اشتركت لا أصحابها. وهذه الأموال اشتركت مع بعضها دون وجود أي شخص، ولذلك لا صلاحية لأي شريك مهما بلغت أسهمه بأن يتولى أعمال الشركة بوصفه شريكاً، ولا حق له بأن يعمل بها أو يسيّر أي شيء من أعمالها باعتباره شريكاً، وإنما الذي يتولى أعمال الشركة ويعمل بها ويسيّرها ويشرف على كل أعمالها شخص يطلق عليه اسم المدير المنتدب، ينيط به ذلك مجلس الإدارة. ومجلس الإدارة هذا يُنتخب من الجمعية العمومية التي يكون فيها لكل شخص من الأصوات بمقدار ما يملك من الأموال، لا بمقدار شخصيته، لأن الشريك هو المال، فهو الذي يحدد عدد الأصوات، فلكل سهم صوت وليس لكل شخص صوت، فلا يوجد في شركة المساهمة أي اعتبار لشخص المساهم، وإنما الاعتبار هو لرؤوس الأموال فقط. وشركة المساهمة دائمية، ولا تتقيد بحياة الأشخاص، فقد يموت الشريك فلا تنحلّ الشركة، وقد يُحجر عليه ويبقى في الشركة. وأمّا رأس مال الشركة فإنه يُقسَم إلى عدد من الحصص متساوية القيمة يطلق عليها اسم الأسهم. والمساهم شريك لا تُستقصى صفاته الشخصية، ومسؤوليته محدودة بقدر حصته في رأس المال، فلا يلزم الشركاء من الخسارة إلاّ بمقدار أسهمهم فيها، وحصته قابلة للتداول، فله أن يبيعها، أو يشرك معه فيها غيره، دون إجازة بقية الشركاء. والأسهم التي يملكها كل شخص أوراق مالية تمثل رؤوس أموال، فقد تكون اسمية وقد تكون لحاملها، وهي تنتقل من ملكية شخص إلى آخر. والمموِّل الذي يكتتب في الأسهم لا يُلزم إلاّ بدفع قيمتها الاسمية، فالسهم جزء من كيان الشركة غير قابل للتجزئة وليس هو جزءاً من رأس مالها. وأوراق الأسهم هي بمثابة ورقة تسجيل في هذه الحصة وقيمتها ليست واحدة وإنما تتغير حسب أرباح الشركة أو خسارتها، وهذا الربح أو الخسارة ليس واحداً في كل السنين فقد يختلف أو يتفاوت. فالأسهم إذن لا تمثل رأس المال المدفوع عند تأسيس الشركة وإنما تمثل رأس مال الشركة حين البيع، أي في وقت معين، فهي كورقة النقد يهبط سعرها إذا كانت سوق الأسهم منخفضة ويرتفع حين تكون سوق الأسهم مرتفعة، وتنخفض قيمة الأسهم حين خسارة الشركة وترتفع حين ربحها. فالسهم بعد بدء الشركة بالعمل انسلخ عن كونه رأس مال وصار ورقة مالية لها قيمة معينة ترتفع وتنزل حسب السوق بحسب أرباح الشركة وخسارتها أو بحسب إقبال الناس عليها وإدبارهم عنها، فهو سلعة تخضع للعرض والطلب. والأسهم تنتقل من يد لأخرى كانتقال الأوراق المالية بين الناس دون أدنى إجراءات كتابية في دفاتر الشركة إذا كانت الأسهم لحاملها، وبإجراءات كتابية في الشركة إذا كانت تحمل اسم المساهم.

وتعتبر الشركة رابحة إذا زادت قيمة موجودات الشركة على قيمة مطلوباتها عند الجرد السنوي، فما زاد فهو الربح، وتوزع الأرباح سنوياً في تمام السنّة المالية للشركة، فإذا ارتفعت قيمة موجودات الشركة بسبب ظروف فجائية دون أن تكون هناك أرباح فلا مانع من إجراء توزيع هذه الزيادة. أمّا إذا حدث العكس فانخفضت قيمة موجودات الشركة ولكن الشركة ربحت، إلاّ أن أرباحها إذا ضُمت إلى انخفاض قيمة الموجودات ولم يزد على قيمة مطلوباتها، فلا محل لتوزيع الأرباح. وحين توزيع الربح تخصص حصة من الأرباح للاحتياطي ويُصرف الباقي بعد ذلك على المساهمين. وتعتبر الشركة شخصاً معنوياً لها أن تقاضي ويُتقاضى باسمها أمام المحاكم كما أن لها محل إقامة خاص وجنسية خاصة. ولا يسد مسدها أي مساهم فيها ولا أي عضو إدارة بوصفه شريكاً أو بوصفه الشخصي، وإنما يملك ذلك من يفوض له أن ينطق باسم الشركة فيكون المتصرف هو الشركة أي الشخصية المعنوية لا الشخص المباشر للتصرف.

هذه هي شركة المساهمة وهي من الشركات الباطلة شرعاً، ومن المعاملات التي لا يجوز للمسلم أن يقوم بها. أمّا وجه بطلانها وحرمة الاشتراك بها فيتبين مما يلي:

1- أن تعريف الشركة في الإسلام هو: أنها عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح. فهي عقد بين اثنين أو أكثر فلا تصح فيها الموافقة من جانب واحد بل لا بد أن تحصل الموافقة من جانبين أو أكثر. والعقد فيها يجب أن يكون منصباً على القيام بعمل مالي بقصد الربح. فلا يصح أن يكون منصباً على دفع المال فقط، ولا يكفي أن يكون الهدف مجرد الاشتراك فحسب. فالقيام بالعمل المالي هو أساس عقد الشركة، والقيام بالعمل المالي إما من المتعاقديْن، وإما من أحدهما ومال الآخر، ولا يتأتى أن يكون عقد بينهما على قيام غيرهما بعمل مالي، لأنه لا يكون عقداً، ولا يلزم به أحد. فالعقد إنّما يلتزم به العاقد، ويجري على تصرفاته هو لا على غيره، فيحتم أن يكون القيام بالعمل المالي محصوراً بين العاقديْن، إما منهما أو من أحدهما ومال الآخر. وكون القيام بالعمل المالي من أحد العاقديْن أمراً حتمياً حتى يتم قيام الشركة ووجودها، يحتم أنه لا بد أن يكون في الشركة بدن يجري العقد عليه. فيُشترط في الشركة في الإسلام وجود البدن فيها، فهو عنصر أساسي في انعقاد الشركة، فإذا وُجد البدن انعقدت الشركة وإذا لم يوجد البدن في الشركة لم تنعقد شركة ولم توجد من أساسها.

وقد عَرّف الرأسماليون شركة المساهمة بأنها عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة، ومن هذا التعريف ومن واقع تأسيس الشركة بوسيلتيها السابقتين يتبين أنها ليست عقداً بين شخصين أو أكثر حسب أحكام الشرع الإسلامي. لأن العقد شرعاً هو إيجاب وقبول بين طرفين شخصين أو أكثر، أي أنه لا بد أن يكون هنالك طرفان في العقد: أحدهما يتولى الإيجاب بأن يبدأ بعرض العقد كأن يقول: زوجتك أو بعتك أو أجرتك أو شاركتك أو وهبتك أو ما شاكل ذلك، والآخر يتولى القبول كأن يقول: قبلتُ أو رضيت أو ما شاكل ذلك، فإن خلا العقد من وجود طرفين أو من الإيجاب والقبول لم ينعقد ولا يسمى عقداً شرعاً. وأمّا في شركة المساهمة فإن المؤسسين يتفقون على شروط الاشتراك ولا يباشرون الاشتراك بالفعل حين يتفقون على شروط  الشركة، بل يتفاوضون ويتفقون على الشروط فقط، ثم يضعون صكاً هو نظام الشركة، ثم بعد ذلك يجري التوقيع على هذا الصك من كل من يريد الاشتراك. فيُعتبر توقيعه فقط قبولاً به. وحينئذ يعتبر مؤسساً ويُعتبر شريكاً، أي يتم اشتراكه حين يتم التوقيع أو حين ينتهي أجل الاكتتاب. وهذا واضح فيه أنه لم يوجد فيه طرفان أجرَيا العقد معاً، ولا يوجد فيه إيجاب وقبول، وإنما هو طرف واحد يوافق على الشروط فيصبح بموافقته شريكاً. فشركة المساهمة ليست اتفاقاً بين اثنين وإنما هي موافقة من شخص واحد على شروط. ولذلك قال عنها علماء الاقتصاد الرأسمالي وعلماء القانون الغربي بأن الالتزام فيها ضرب من ضروب التصرف بالإرادة المنفردة. والإرادة المنفردة هي كل شخص يَلتزم أمراً من جانبه للجمهور أو لشخص آخر بغض النظر عن موافقة الجمهور أو الشخص الآخر أو عدم موافقته، كالوعد بجائزة. وشركة المساهمة عندهم وفي حقيقتها يلتزم المساهم أو المؤسس أو أي موقِّع على الصك بالشروط التي يتضمنها بغض النظر عما إذا وافق غيره أو لا، وقد اعتبروها من أنواع التصرف بالإرادة المنفردة. وعلى هذا يكون عقد شركة المساهمة بالإرادة المنفردة عقداً باطلاً شرعاً لأن العقد شرعاً هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقديْن بقبول الآخر على وجه يَظهر أثره في المعقود عليه. وعقد شركة المساهمة لم يحصل فيه ذلك، فهو لم يجرِ فيه اتفاق بين شخصين أو أكثر وإنما التزم بموجبه شخص واحد بالمساهمة في مشروع مالي. ومهما تعدد الملتزمون والشركاء فيعتبر الملتزم شخصاً  واحداً.

قد يقال إن الشركاء اتفقوا بينهم على شروط الشركة فيعتبر اتفاقهم إيجاباً وقبولاً وكتابة الصك أمر شكلي لتسجيل العقد الذي اتفقوا عليه فلماذا لا يسمى هذا عقداً؟

والجواب على ذلك هو أن الشركاء اتفقوا بينهم على شروط الشركة ولكنهم حسب اتفاقهم لا يَعتبرون أنفسهم اشتركوا فعلاً، ولا يلتزمون بهذا الاتفاق على الشروط، بل يجوز لكل منهم أن يترك وأن لا يشترك بعد الاتفاق على الشروط، وبعد كتابة الصك. فهو غير ملزَم بالاتفاق على الشروط حسب اصطلاحهم واتفاقهم إلاّ بعد توقيعه للصك، فإذا وقّع الصك أصبح ملتزماً. وأمّا قبل ذلك فهو غير ملزَم وغير مرتبط بشيء. وعلى ذلك فاتفاقهم على الشروط قبل توقيع الصك لا يعتبر عقداً عندهم، وهو أيضاً ليس عقداً شرعاً لأن الاتفاق على شروط الاشتراك وعلى الاشتراك لا يعتبر عقد شركة، لأنهم حسب اتفاقهم غير ملزَمين به قبل التوقيع. والعقد ما التزم به العاقدان، ولهذا لا يعتبر اتفاقهم على شروط الشركة وعلى الاشتراك إيجاباً وقبولاً، فلا يعتبر حسب أحكام الشرع عقداً فضلاً عن كونه عندهم لا يعتبر عقداً.

وقد يقال إن قبول الشريك بتوقيعه على العقد يعتبر إيجاباً منه لغيره، وتوقيعُ مَن بعده يعتبر قبولاً فلِمَ لا يعتبر عرض الصك إيجابا وتوقيعه قبولا ؟

والجواب على ذلك أن كل شريك يوقع يكون قد قَبِل فقط، فهو قبول، والعرض لم يصدر عن أحد معين، أي أن الإيجاب لم يصدر عن أحد معين، فلا يوجد عارض، لا المؤسسون ولا الموقِّع الأول، وإنما يوجد قبول من كل شريك. فالموقِّع يقبل الشروط ويلتزم بها من نفسه دون عرضها عرض تصرف من أحد، أي دون أن يقول له أحد: شاركتك. أمّا إعطاؤه الصك للتوقيع فلا يعتبر عرض تصرف. وعلى هذا فواقع شركة المساهمة أن كل شريك فيها يقبل فقط، والقبول مع القبول لا يعتبر شرعاً عقداً، بل لا بد من الإيجاب بلفظ يدل على الإيجاب لا على القبول. ثم يأتي القبول بلفظ يدل على القبول. وعليه لا يعتبر أي شخص وقّع صك الشركة موجِباً بل الكل يعتبر قابلاً. فيكون قد صدر في الشركة قبول دون إيجاب، فلَمْ تنعقد.

والرأسماليون يُطلقون على صك الشركة، أي نظامها، عقداً، ويقولون وقّع العقد. وأما شرعاً فلا يعتبر هذا الصك عقداً، وإنما العقد هو إيجاب وقبول بين طرفين، ومن هنا لا تعتبر شركة المساهمة عقداً شرعاً.

على أن هذا العقد لم يحصل الاتفاق فيه على القيام بعقد مالي بقصد الربح، وإنما وافق فيه المؤسس أو المكتتب على أن يدفع مالاً في مشروع مالي، فهو خالٍ من عنصر الاتفاق على القيام بعمل، وإنما فيه الالتزام المفرد من الشخص بتقديم المال فقط دون أي اعتبار للعمل في الالتزام. وبما أن القيام بالعمل المالي هو الهدف من الشركة، وليس مجرد الاشتراك، فخلو العقد من الاتفاق على القيام بالعمل مُبطِل للعقد. وبذلك لم توجَد شركة بمجرد الموافقة على دفع المال لعدم وجود الاتفاق على القيام بالعمل المالي. ومن هنا كانت الشركة باطلة أيضاً.

وقد يقال إن صك الشركة قد تضمّن نوع العمل الذي تقوم به، كمعمل سكّر أو تجارة أو ما شاكل ذلك فيكون قد حصل فيه الاتفاق على القيام بعمل مالي.

والجواب على ذلك هو أن نوع العمل الذي ذُكِر إنّما هو العمل الذي ستقوم به الشركة ولكن لم يحصل الاتفاق على القيام به من طرف الشركاء. وإنما حصل الاتفاق على الاشتراك وعلى شروط الشركة فقط، وتُرك القيام بالعمل للشخصية المعنوية التي ستكون للشركة بعد تأسيسها. وعليه لم يحصل الاتفاق بين الشركاء على أن يقوموا هم بعمل مالي.

وعلاوة على ذلك فإن الشركة في الإسلام يُشترط فيها وجود البدن أي وجود الشخص المتصرف، لأن المراد بالبدن في الشركة  والبيع والإجارة وسائر العقود هو الشخص المتصرف وليس الجسم والجهد، فوجود البدن عنصر أساسي في انعقاد الشركة، فإذا وُجد البدن انعقدت الشركة، وإذا لم يوجد البدن في الشركة لم تنعقد شركة ولم توجَد من أساسها. وشركة المساهمة لا يوجد فيها بدن مطلقاً، بل تتعمد إبعاد العنصر الشخصي من الشركة، ولا تجعل له أي اعتبار، لأن عقد شركة المساهمة عقد بين أموال فحسب، ولا وجود للعنصر الشخصي فيها، فالأموال هي التي اشتركت مع بعضها لا أصحابها. وهذه الأموال اشتركت مع بعضها دون وجود بدن شريك معها. فعدم وجود البدن يجعل الشركة لم تنعقد، فهي باطلة شرعاً، لأن البدن هو الذي يتصرف بالمال وإليه وحده يستند التصرف بالمال، فإذا لم يوجد البدن لم يوجد التصرف.

وأمّا كون الأشخاص أصحاب المال هم الذين يباشرون الموافقة على المساهمة بالمال، وكونهم هم الذين يختارون مجلس الإدارة الذي يباشر العمل في الشركة، فلا يدل على أن هناك بدناً في الشركة، لأن موافقتهم كانت على جعل المال شريكاً لا على أن يكونوا هم شركاء. فالمال هو الشريك وليس صاحبه. وأمّا كونهم هم الذين يختارون مجلس الإدارة فليس معناه أنهم وكّلوا عنهم، بل إن أموالهم هي التي جرى التوكيل عنها من قِبلهم ولم يجر التوكيل عنهم بدليل أن المساهم له أصوات بقدر ما يملك, فالذي يملك سهماً واحداً له صوت واحد أي وكالة واحدة، والذي له ألف سهم له ألف صوت أي ألف وكالة، فتكون الوكالة عن المال لا عن الشخص، وهذا يدل على أن عنصر البدن مفقود منها وهي مؤلفة من عنصر المال فحسب.

وبهذا يكون تعريف شركة المساهمة دالاً على أنه لم تتوفر فيها الشروط التي لا بد منها حتى تنعقد الشركة في الإسلام، إذ لم يحصل فيها اتفاق بين اثنين أو أكثر، وإنما هي التزام بإرادة منفردة من جانب واحد. ولم يُتّفَق فيها على القيام بعمل، وإنما التزَم فيها شخص بتقديم مال. وليس فيها بدن يباشر هو التصرفات بوصفه الشخصي في الشركة، وإنما فيها مال فقط دون وجود أي بدن. وبهذا يكون عقد شركة المساهمة من هذه الجهة باطلاً شرعاً، فتكون شركة المساهمة باطلة لأنها لم تنعقد شركة، ولا ينطبق عليها تعريف الشركة في الإسلام.

2- الشركة عقد على التصرف بمال، وتنمية المال بها هي تنمية للملك، وتنمية الملك هي تصرف من التصرفات الشرعية، والتصرفات الشرعية كلها  إنّما هي تصرفات قولية، وهي إنّما تصدر عن شخص لا عن مال، فلا بد  من أن تكون تنمية الملك من مالك التصرف أي من شخص لا من مال. وشركة المساهمة تجعل المال ينمو من نفسه دون بدن شريك، ودون شخص متصرف يملك حق التصرف، وتجعل التصرف للأموال، لأن شركة المساهمة إنّما هي أموال تجمعت وصارت لها قوة التصرف. ولذلك تُعتبر الشركة شخصاً معنوياً يكون لها وحدها حق التصرفات الشرعية من بيع وشراء وصناعة وشكوى وغير ذلك. ولا يملك الشركاء أي تصرف وإنما التصرف خاص بشخصية الشركة، مع أن الشركة في الإسلام إنّما يصدر فيها التصرف عن الشركاء فقط، ويتصرف أحدهما بإذن من الآخر ولا يكون لأموال الشركاء في مجموعها أي واقع يصدر عنه تصرف، بل التصرف محصور بشخص الشريك. وعلى ذلك تكون التصرفات التي تحصل من الشركة بوصفها شخصية معنوية باطلة شرعاً، لأن التصرفات يجب أن تصدر عن شخص معين، أي عن إنسان مشخَّص، وأن يكون هذا الشخص ممن يملكون التصرف، ولم يتحقق ذلك في شركة المساهمة.

ولا يقال هنا إن الذي يباشر العمل في الشركة هم العمال وهم أجراء لأصحاب الأموال،  وهم المساهمون، والذي يباشر الإدارة والتصرفات هم المدير ومجلس الإدارة، وهم وكلاء عن المساهمين.

لا يقال ذلك، لأن الشريك متعين ذاتاً في الشركة، وعقد الشركة وقَع عليه بذاته، فلا يجوز له أن يوكِّل أحداً عنه ليقوم بأعمال الشركة، ولا أن يستأجر أحداً عنه ليقوم بأعمال الشركة، بل يتعين أن يقوم بنفسه في أعمال الشركة، فلا يجوز للشركاء أن يؤجروا عنهم أجراء للقيام عنهم ولا أن يوكّلوا مجلس إدارة عنهم. على أن مجلس الإدارة ليس وكيلاً عن أشخاص المساهمين، وإنما هو وكيل عن أموالهم، لأن الذي يجعله في الإدارة الأصوات التي ينالها في الانتخاب، وهي بحسب الأموال المساهمة في الشركة لا بحسب أشخاص الشركاء. وفضلاً عن ذلك فإن المدير ومجلس الإدارة لا يملكون التصرف في الشركة لثلاثة أسباب:

  • أولاً: لأنهم يتصرفون بوكالتهم عن المساهمين، أي عن الشركاء بانتخابهم لهم، ولا يجوز للشريك أن يوكِّل عنه، لأن الشركة وقعت على ذاته. فكما لا يجوز أن يوكّل من يتزوج عنه- بل يجوز أن يوكّل عنه من يعقد له عقد الزواج- كذلك لا يجوز أن يوكّل من يتشارك عنه، بل يجوز أن يوكّل من يعقد له عقد الشركة لا من يكون شريكاً عنه.
  • ثانياً: إن المساهمين أي الشركاء قد وكّلوا عن أموالهم لا عن أنفسهم، بدليل أن أصوات الانتخاب هي التي تعتبر في التوكيل وهي تعتبر حسب الأموال لا حسب الأشخاص. فيكون التوكيل عن أموالهم لا عن أشخاصهم.
  • ثالثاً: إن المساهمين هم شركاء أموال فقط وليسوا شركاء بدن، وشريك المال لا يملك التصرف في الشركة مطلقاً فلا يصح أن يوكل عنه من يتصرف في الشركة نيابة عنه.

وعليه يكون تصرف مدير الشركة ومجلس الإدارة تصرفاً باطلاً شرعاً.

3- إن كون الشركة المساهمة دائمية يخالف الشرع، فالشركة من العقود الجائزة شرعاً تَبطُل بموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه وبالفسخ من أحد الشركاء،إذا كانت مكونة من شريكين وأما إذا كانت مكونة من شركاء فإنها تنفسخ شراكة من مات أو جن أو حجر عليه ، وإذا مات أحد الشركاء وله وارث يُنظر، فإن كان غير رشيد فليس له أن يستمر في الشركة، وإن كان رشيداً، له أن يقيم على الشركة ويَأذَن له الشريك في التصرف وله المطالبة بالقسمة. وإذا حُجِر على الشريك انفسخت الشركة لأنه لا بد أن يكون الشريك جائز التصرف. فكوْن شركة المساهمة دائمية وتستمر بالرغم من موت أحد الشركاء أو الحجر عليه يجعلها شركة فاسدة، لأنها اشتملت على شرط فاسد يتعلق بكيان الشركة وماهية العقد. وخلاصة الأمر أن شركة المساهمة لم تنعقد شركة أصلاً، لأن الذين وُجدوا هم شركاء المال فقط، ولم يوجد شريك البدن مع أن شريك البدن شرط أساسي، لأنه به تنعقد الشركة شركة، وبغيره لا تنعقد شركة، ولا تحصل بتاتاً. وفي شركات المساهمة يتم عندهم الاشتراك بوجود شركاء المال ليس غير. وتشتغل الشركة وتباشر أعمالها دون أن يوجَد شريك البدن، ودون أن يكون له أي اعتبار. ومن هنا كانت شركة باطلة لأنها لم تنعقد شركة شرعاً. ثم إن الذين يباشِرون التصرفات في الشركة هم مجلس الإدارة، وهم وكلاء عن المساهمين، أي عن شركاء المال، والشريك لا يجوز له شرعاً أن يوكّل عنه وكيلاً يتصرف في الشركة نيابة عنه، سواء أكان شريك مال أم شريك بدن، لأن عقد الشركة وقع عليه بذاته فيجب أن يقوم هو بالتصرف. فلا يصح أن يوكّل عنه، أو يؤجر عنه من يقوم بالتصرف والعمل بالشركة. على أن شريك المال فقط لا يملك شرعاً التصرف في الشركة، ولا العمل فيها كشريك مطلقاً، بل التصرف في الشركة والعمل فيها محصور بشريك البدن ليس غير. وأيضاً فإن شركة المساهمة تصبح شخصية معنوية ويكون لهذه الشخصية حق التصرف، والتصرفات شرعاً لا تصح إلاّ من إنسان مشخّص له أهلية التصرف بأن يكون بالغاً عاقلاً أو مميزاً عاقلاً، وكل تصرف لم يصدر على هذا الوجه فهو باطل شرعاً. فإسناد التصرف إلى شخصية معنوية لا يجوز بل لا بد من إسناده إلى من يحوز أهلية التصرف من بني الإنسان. لذلك كانت شركات المساهمة باطلة، وكانت جميع تصرفاتها باطلة، وجميع الأموال التي كُسبت بواسطتها أموال باطلة كُسبت بتصرفات باطلة، فلا يحل ملكها.

 أسهم شركة المساهمة

 أسهم الشركة هي أوراق مالية تمثل ثمن الشركة في وقت تقديرها، ولا تمثل رأس مال الشركة عند إنشائها. فالسهم جزء لا يتجزأ من كيان الشركة وليس هو جزءاً من رأس مالها، فهو بمثابة سند لقيمة موجودات الشركة. وقيمة الأسهم ليست واحدة وإنما تتغير بحسب أرباح الشركة أو خسارتها، وهي ليست واحدة في كل السنين بل تتفاوت قيمتها وتتغير. وعلى ذلك فالسهم لا يمثل رأس المال المدفوع عند تأسيس الشركة، وإنما هي –أي الأسهم- تمثل رأس مال الشركة حين البيع أي في وقت معين، فهي كورقة النقد يهبط سعرها إذا كانت سوق الأسهم منخفضة، ويرتفع حين تكون مرتفعة. فالسهم بعد بدء الشركة في العمل انسلخ عن كونه رأس مال وصار ورقة مالية لها قيمة معيّنة.

والحكم الشرعي في الأوراق المالية هو أنه يُنظر فيها، فإن كانت سندات تتضمن مبالغ من المال الحلال كالنقد الورقي الذي له مقابل من الذهب أو الفضة يساويه أو ما شاكل ذلك فإن شراءها وبيعها يكون حلالاً لأن المال الذي تتضمنه حلال، وإن كانت سندات تتضمن مبالغ من المال الحرام كسندات الدين التي يستثمر فيها المال بالربا وكأسهم البنوك أو ما شاكل ذلك فإن شراءها وبيعها يكون حراماً لأن المال الذي تتضمنه مال حرام. وأسهم شركات المساهمة هي سندات تتضمن مبالغ المخلوط من رأس مال حلال ومن ربح حرام، في عقد باطل ومعاملة باطلة، دون أي تمييز بين المال الأصلي والربح، وكل سند منها بقيمة حصة من موجودات الشركة الباطلة، وقد اكتُسبت هذه الموجودات بمعاملة باطلة نهى الشرع عنها فكانت مالاً حراماً، فتكون أسهم شركة المساهمة متضمنة مبالغ من المال الحرام. وبذلك صارت هذه الأوراق المالية التي هي الأسهم مالاً حراماً لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا التعامل بها.

بقيت مسألة ما وقع فيه المسلمون من شراء أسهم شركات المساهمة واشتراكهم في تأسيسها، ومن وجود أسهم لهم يملكونها بحكم مساهمتهم في هذه الشركات. هل كان عملهم هذا حراماً عليهم مع أنهم كانوا يجهلون الحكم الشرعي حين مساهمتهم أو أفتاهم مشايخ لم يدركوا واقع شركات المساهمة ما هي؟ وهل هذه الأسهم التي تحت تصرفهم ملك لهم وأموال حلال عليهم ولو كُسبت بمعاملة باطلة شرعاً؟ أم حرام عليهم ولا يملكونها ؟ وهل يجوز لهم بيع هذه الأسهم للناس أم لا يجوز؟

والجواب على ذلك هو أن الجهل بالحكم الشرعي ليس عذراً. لأنه فرض عين على كل مسلم أن يتعلم ما يلزمه في حياته من الأحكام الشرعية حتى يتأتى له القيام بالعمل حسب الحكم الشرعي، إلا أنه إذا كان الحكم مما يُجهَل مثله على مثل الفاعل فلا يؤاخَذ في الفعل ويكون عمله صحيحاً، ولو كان حكم الشرع فيه أنه باطل، لأن {الرسول صلى الله عليه وسلم سمع معاوية بن الحكم يشمِّت عاطساً وهو في الصلاة، فبعد أن فرغوا من الصلاة علّمه الرسول أن الكلام يُبطل الصلاة، وتشميت العاطس يُبطل الصلاة، ولم يأمره بإعادة الصلاة}، روى هذا المعنى مسلم والنسائي من طريق عطاء بن يسار. لأن هذا الحكم، وهو كون الكلام يُبطل الصلاة كان مما يُجهَل عادة لمثل ذلك الشخص فعَذَرَه الرسول فيه واعتبر صلاته صحيحة. وشركات المساهمة كونها حراماً شرعاً من الأحكام التي يُجهَل مثلها على كثير من المسلمين، ولذلك يُعذَر فيها الجهل، فيكون عمل الذين اشتركوا صحيحاً ولو كانت الشركات باطلة، كصلاة معاوية بن الحكم فإنها صلاة صحيحة مع أنه عمل فيها ما يُبطل الصلاة ولكنه كان يجهل أن الكلام يُبطِل الصلاة. وإفتاء المشايخ أيضاً يجري عليه حكم الجهل بالنسبة للمستفتي، أمّا المفتي فليس معذوراً لأنه لم يبذل الوُسع في فهم واقع شركات المساهمة قبل أن يعطي الحكم فيها. وأمّا ملكية هؤلاء المساهمين للأسهم فهي ملكية صحيحة، وهي أموال حلال لهم ما دام حكم الشرع في عملهم أنه عمل صحيح وليس بباطل، لجهلهم ببطلانه جهلاً يُعذَرون فيه. وأمّا بيع هذه الأسهم لمسلمين فلا يجوز لأنها أوراق مالية باطلة شرعاً، وحلِّيّة ملكيتها جاءت طارئة من كون الجهل يُعذَر فيها، أمّا إذا عُرف الحكم الشرعي فيها أو أصبح مما لا يُجهَل مثله عند الشخص فإنه حينئذ يكون مالاً حراماً لا يباع ولا يشترى، ولا أن يَجعل غيره يلي بيعه له.

وكيفية التخلص من هذه الأسهم التي مُلكت بسبب جهل الحكم الشرعي فيها تكون بحَلّ الشركة، أو تحويلها إلى شركة إسلامية، أو لينظروا شخصاً غير مسلم ممن يستحل أسهم شركات المساهمة فيولوه بيعها عنهم، ويأخذوا ثمنها. فعن سويد بن غفلة {أن بلالاً قال لعمر بن الخطاب إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج. فقال: لا تأخذوا منهم ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن}،رواه أبو عبيد في الأموال. ولم ينكِر أحد على عمر ذلك مع أنه مما يُنكَر لو كان يخالف الشرع، فكان إجماعاً. فالخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة، ولا تكون مالاً للمسلمين، فلما أرادوا إعطائها للمسلمين بدل جزية أمرهم عمر أن لا يقبلوها وأن يولوهم بيعها ويأخذوا ثمنها. ولماّ كانت الأسهم مالاً من أموال الرأسماليين الغربيين، ولا تكون مالاً للمسلمين، وقد آلت للمسلمين، فلا يصح أن يأخذوها، ولِيَلوهم بيعها. فكما أن حق المسلمين في الجزية والخراج قد استقر في الخمر والخنازير، وأباح لهم عمر أن يجعلوا الذميين يلون بيعها لهم، فكذلك حق المسلمين في هذه الأسهم يجوز لهم أن يجعلوا الذميين يلون بيعها لهم.

 

3) الجمعيات التعاونية

 التعاونية هي نوع من أنواع الشركات الرأسمالية، فهي شركة وإن سمّيت جمعية تعاونية، فهي مساهمة بين مجموعة أشخاص اتفقوا فيما بينهم على القيام مشتركين بمقتضى فعاليتهم الخاصة.

وتنشأ التعاونية في الشكل التجاري المألوف هادفة إلى مساعدة أعضائها أو ضمان مصالحهم الاقتصادية المحددة، وتكتسب التعاونية الشخصية المعنوية للشركة. وبذلك تختلف عن الجمعيات الأخرى بأن تلك الجمعيات مجردة أصلاً عن الأغراض الاقتصادية. فالتعاونية تعمل على تنمية ربح أعضائها وليس مصالح الغير مما يستدعي خلق رباط متين بين نشاطها الاقتصادي واقتصاديات الأعضاء.

وتؤلف الجمعية التعاونية بين عدد من الأعضاء قد يكون سبعة وقد يكون أقل وقد يكون أكثر، ولكنها لا تؤلف من شخصين اثنين فقط. وهي على نوعين: أحدهما شركة ذات حصص تأسيسية يمكن فيها لأي فرد اتخاذ صفة الشريك بحيازة هذه الحصص. وثانيها شركة بدون حصص تأسيسية يكون الانتساب إليها بدفع بدل اشتراك سنوي تحدده الجمعية العامة لها في كل دورة سنوية.

ويجب أن تتوفر في التعاونية خمسة شروط:

  1. حريّة الاشتراك في التعاونية: فيبقى باب الانتساب مفتوحاً أمام أي شخص بنفس الشروط السارية على الأعضاء السابقين، وأن تكون أنظمة التعاونية والقيود والتحفظات التي فيها منطبقة عليه سواء أكانت هذه القيود ذات طابع محلي كأهل القرية مثلاً أم ذات طابع مهني كالحلاقين مثلاً.
  2. تَساوي التعاونيين في الحقوق: وأهم هذه الحقوق التصويت، فيُمنح كل شريك صوتاً واحداً.
  3. تحديد فائدة معينة للحصص: تَدفع بعض الشركات التعاونية للمساهمين الدائمين فائدة محدودة، إذا ما سمحت أرباحها بذلك.
  4. إعادة فائض أرباح الاستثمار: تعاد الأرباح الصافية إلى الأعضاء بنسبة العمليات التي أجْروها مع التعاونية من مشتريات أو استعمال خدمات التعاونية وأجهزتها.
  5. وجوب تشكيل ثروة تعاونية بترحيل الاحتياطي.

والذي يتولى التصرف بالشركة بإدارتها ومباشرة أعمالها هو مجلس الإدارة المنتخَب من الجمعية العمومية التي تتألف من المساهمين، على أن يكون لكل مساهم صوت بغض النظر عن أسهمه. فمَن له مائة سهم ومن له سهم واحد، لكل  صوت واحد في انتخاب الإدارة.

والجمعيات التعاونية عدة أنواع: منها تعاونية الحِرَف، ومنها التعاونية الاستهلاكية، ومنها التعاونية الزراعية، ومنها التعاونية الإنتاجية، وهي في جملتها إما أن تكون تعاونية استهلاكية فيُقسَم فيها الربح بحسب المشتريات، أو تعاونية إنتاجية فيُقسَم فيها الربح بحسب الإنتاج.

هذه هي الجمعيات التعاونية، وهي جمعيات باطلة تناقض أحكام الإسلام، وذلك لما يلي:

1- إن الجمعية التعاونية شركة، فيجب أن تستكمل شروط الشركة التي نص عليها الشرع حتى تصح، والشركة في الإسلام هي عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان فيه على القيام بعمل مالي بقصد الربح. وعلى ذلك فلا بد من أن يكون في الشركة بدن حتى يتأتى القيام بعمل من قِبل الشركاء، أي لا بد أن يكون في الشركة بدن تكون له حصة حتى تسمى شركة شرعاً، فإن لم يكن في الشركة من يملك ويتصرف فيقوم بالعمل الذي وُجدت الشركة لأجله لم تحصل شركة. وإذا طبقنا هذا على الجمعية التعاونية وجدنا أنه لم تحصل بها شركة شرعاً لأنها شركة قائمة على الأموال وحدها وليس فيها بدن شريك، بل الأموال وحدها هي التي وقعت الشـراكة عليها، فلم يحصل فيها الاتفاق على القيام بعمل وإنما حصل الاتفاق على وضع أموال معينة من أجل أن يوجِدوا إدارة تبحث عمن يقوم بالعمل. فالأشخاص الذين ساهموا في الشركة اشتركت أموالهم فقط، فخَلَت بذلك الشركة من بدن. وعلى ذلك فإن الجمعية لم توجَد بوجودها شركة شرعية لخلوّها من شراكة البدن، فهي لا تعتبر موجودة من الأساس لأن الشركة عقد على التصرف بمـال، ولا يتأتى التصرف إلاّ من بدن، فإذا خلت منه لم تكن شركة شرعاً.

2- ان قسمة الربح بنسبة المشتريات أو بحسب الإنتاج لا بنسبة رأس المال أو العمل، لا تجوز، لأن الشركة إذا وقعت على المال كان الربح تابعاً له، وإذا وقعت على العمل كان تابعاً له. فالربح إما أن يكون تابعاً للمال أو العمل أو لهما معاً. أمّا اشتراط قسمة الربح على حسب المبيعات أو حسب الإنتاج فلا يجوز لمخالفة العقد شرعاً، وكل شرط ينافي مقتضى العقد أو ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه فهو شرط فاسد. وتقسيم الربح حسب المشتريات وحسب الإنتاج ينافي مقتضى العقد لأن العقد يقع شرعاً على المال أو العمل، فالربح يكون بنسبة المال أو العمل، فإذا شُرِط الربح بنسبة المشتريات والإنتاج، كان الشرط فاسداً.

 

4) التأميـن

 التأمين على الحياة أو على البضاعة أو على الممتلكات أو على أي نوع من أنواعه المتعددة هو عقد من العقود. فهو عقد بين شركة التأمين وبين الشخص المؤمِّن، يطلب فيه المؤمِّن من شركة التأمين أن تعطيه تعهداً بأن تعوّض عليه إما عين ما خسره أو ثمنه، بالنسبة للبضاعة أو الممتلكات، وإما مبلغاً من المال بالنسبة للحياة ومثلها، وذلك حين حصول حادث ما يعيّنانه خلال مدة معينة، مقابل مبلغ معين، فتقبل الشركة ذلك. وبناء على هذا الإيجاب والقبول تتعهد شركة التأمين بأن تعوّض على المؤمِّن ضمن شروط معينة يتفق عليها الفريقان، إما عين ما خسره أو ثمنه حين حصول الحادث، أو مبلغاً من المال يُتفق عليه، مثل ما إذا تلفت بضاعته أو تضررت سيارته أو احترق بيته أو سُرقت ممتلكاته أو مات أو ما شاكل ذلك خلال مدة معينة، مقابل أن يدفع لها المؤمِّن مبلغاً معيناً من المال خلال مدة معينة.

ومن هذا يتبين أن التأمين هو اتفاق بين شركة التأمين والمؤمِّن على نوع التأمين وشروطه، فهو عقد. غير أنه بناء على هذا العقد الذي تم بينهما –وهو الاتفاق- تعطي الشركة تعهداً بالتعويض أو دفع مبلغ معين ضمن الشروط التي جرى الاتفاق عليها. فإذا حصل للمؤمِّن حادث ينطبق على بنود العقد صارت الشركة ملزَمة بأن تعوّض العين المتلَفة أو ثمنها حسب سعر السوق حين حصول الحادث. والشركة هي المخيَّرة بين دفع الثمن أو تعويض العين إلى المؤمِّن أو للغير. وصار هذا التعويض حقاً من حقوق المؤمِّن في ذمة الشركة بمجرد حصول ما ذُكر في العقد إذا اقتنعت الشركة بالاستحقاق أو حكمت المحكمة بذلك.

وقد اصطُلح على هذا اسم التأمين. وقد يكون التأمين لمصلحة المؤمِّن وقد يكون لمصلحة غيره كأولاده وزوجته وسائر ورثته أو أي شخص أو جماعة يعيّنهم المؤمِّن. وإطلاق اسم التأمين على الحياة أو على البضاعة أو على الصوت أو غير ذلك إنّما هو لتحبيب هذه المعاملة للناس، وإلاّ فالحقيقة أنه لا يؤمِّن على الحياة وإنما يؤمِّن على الحصول على مبلغ معين لأولاده أو لزوجته أو لسائر ورثته أو لأي شخص أو جماعة يعيّنهم المؤمِّن إذا حصل له الموت. وهو لا يؤمِّن على البضاعة ولا على السيارة ولا على الممتلكات أو غير ذلك وإنما يؤمِّن على تعويض العين أو ثمنها من المال إذا حصل لبضاعته أو لسيارته أو لممتلكاته أو لأي شيء يملكه ضرر أو تلف. فهو في الحقيقة ضمانة للحصول على مبلغ من المال له أو لغيره، أو على تعويض إذا حصل له شيء مما يفقده نفسه أو يتلف ماله، وليس ضماناً لحياته أو ممتلكاته.

هذا هو واقع التأمين. وبالتدقيق فيه يتبين أنه باطل من وجهين:

  • أنه عقد لأنه اتفاق بين طرفين ويشتمل على الإيجاب والقبول، الإيجاب من المؤمِّن والقبول من الشركة. فحتى يصح هذا العقد شرعاً يجب أن يتضمن شروط العقد الشرعية، فإن تضمّنها صحّ وإلاّ فلا. والعقد شرعاً يجب أن يقع على عين أو منفعة، فإن لم يقع على عين أو لم يقع على منفعة كان باطلاً لأنه لم يقع على شيء يجعله عقداً شرعاً، لأن العقد شرعاً يقع إما على عين بعِوَض كالبيع والسَلَم والشركة وما شاكل ذلك، وإما على عين بغير عِوَض كالهبة، وإما على منفعة بعِوَض كالإجارة، وإما على منفعة بغير عِوَض كالعارية. فلا بد من أن يقع العقد شرعاً على شيء. وعقد التأمين ليس عقداً وَقَع على عين ولا على منفعة وإنما هو عقد وقع على تعهد أي على ضمانة. والتعهد أو الضمانة لا يعتبر عيناً لأنه لا يُستهلك ولا تؤخذ منفعته ولا يعتبر منفعة، لأنه لا ينتفع بذات التعهد لا بالأجرة ولا بالإعارة. وأمّا حصول المال بناء على هذا التعهد فلا يعتبر منفعة له وإنما هو أثر من آثار معاملة من المعاملات. ومن هنا لا يعتبر أن عقد التأمين وقع على عين ولا على منفعة، فهو عقد باطل لأنه عقد لم يستوف الشروط الواجب توفرها في العقد شرعاً حتى يتم اعتباره عقداً.
  • أن الشركة أعطت تعهداً للمؤمِّن ضمن شروط مخصوصة، فهو من قبيل الضمان، فلا بد من أن تطبق عليه الشروط التي يتطلبها الشرع في الضمان حتى يكون ضماناً شرعياً، فإن تضمّنها صحّ وإلاّ فلا.

وبالرجوع إلى الضمان شرعاً يتبين ما يلي:

إن الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فلا بد فيه من ضم ذمة إلى ذمة، ولا بد فيه من ضامن ومضمون عنه ومضمون له. وهو –أي الضمان- التزام حق في الذمة من غير معاوضة. ويشترط في صحة الضمان أن يكون في حق من الحقوق المالية الواجبة أو التي تؤول إلى الوجوب. فإذا لم يكن في حق واجب أو يؤول إلى الوجوب لا يصح الضمان، وذلك لأن الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الحق، فإذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضمّ فيه. وهذا ظاهر في الحق الواجب. أمّا في الحق الذي يؤول إلى الوجوب مثل قول رجل لامرأة: تزوجي فلاناً وأنا ضامن لك مهرك، فإن الضامن فيه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه، وأن ما يثبت في ذمة مضمونه يثبت في ذمته. أمّا إذا لم يكن هناك حق واجب على أحد، أو حق يؤول إلى الوجوب، فلا يتحقق فيه معنى الضمان، إذ لا يوجد فيه ضم ذمة إلى ذمة، فلا يصح الضمان. وعلى هذا إذا لم يكن الحق واجباً للمضمون له على المضمون عنه أو لا يؤول إلى الوجوب على المضمون عنه لا يصح الضمان، إذ يشترط أن يكون من يضمن عنه ضامناً للعين إذا تلفت أو هلكت، أو ضامناً للديْن سواء أكان ضامناً بالفعل إذا كان الحق واجباً وثابتاً في الذمة، أم ضامناً بالقوة إذا كان الحق يؤول إلى الوجوب والثبوت في الذمة. فإن لم يكن من يضمن عنه ضامناً لا بالفعل ولا بالقوة، لا يصح الضمان لأنه متى ما لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن. فمثلاً رجل يتقبل من الناس الثياب، فقال رجل لآخر: ادفع إليه ثيابك وأنا ضامن. فتلِفَت الثياب، هل يضمن الضامن عمن يتقبل الثياب ثمنها؟

والجواب على ذلك أنه إن تَلِفَت الثياب بغير فعله ولا تفريط منه لم يلزم الضامن شيء لأنه من الأصل لم يلزم المضمون عنه شيء، فإذا لم يلزم الأصيل فالضامن أولى أن لا يلزمه. وعليه لا بد من أن يكون الحق واجباً للمضمون له على آخرين أو يؤول إلى الوجوب حتى يصح الضمان. فثبوت الحق في الذمة حالاً أو مآلاً شرط في صحة الضمان.  إلاّ أنه لا يشترط أن يكون المضمون عنه معلوماً، ولا يشترط أن يكون المضمون له معلوماً، فيصح الضمان لو كان مجهولاً. فلو قال شخص لآخر: اعط ثيابك لغسال، فقال أخاف أن يتلفها، فقال له: اعط ثيابك لغسال وأنا ضامنها لك إن تلفت، ولم يعين غسالاً صح، فلو أعطاها لغسال ثم تلفت يضمن، ولو كان المضمون عنه مجهولاً. وكذلك لو قال إن فلاناً غسال ماهر وكل من يضع عنده ثياباً فأنا ضامن الغسال من كل تلف، صحّ، ولو كان المضمون له مجهولاً.

ودليل الضمان واضح فيه أنه ضم ذمة إلى ذمة، وأنه ضمان لحق ثابت في الذمة، وواضح فيه أن فيه ضامناً ومضموناً عنه ومضموناً له، وواضح فيه أنه بدون معاوضة، وفيه المضمون عنه مجهول والمضمون له مجهول. وهذا الدليل هو ما رواه أبو داوود عن جابر {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات عليه ديْن. فأُتِيَ بميت فسأل: عليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله. فصلى عليه.رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك ديْناً فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته}. فهذا الحديث واضح فيه أن أبا قتادة قد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن. وواضح فيه أن في الضمان ضامناً ومضموناً عنه ومضموناً له، وأنه –أي الضمان الذي ضمنه كل منهما- التزام حق في الذمة من غير معاوضة. وواضح فيه أن المضمون عنه وهو الميت والمضمون له وهو صاحب الديْن كان مجهولاً عند الضمان. فالحديث قد تضمن شروط صحة الضمان، وشروط انعقاده.

هذا هو الضمان شرعاً. وبتطبيق تعهد التأمين عليه –وهو ضمان قطعاً- نجد أن التأمين خالٍ من جميع الشروط التي نص عليها الشرع لصحة الضمان وانعقاده. فإن التأمين ليس فيه ضم ذمة إلى ذمة مطلقاً. فشركة التأمين لم تضم ذمتها إلى ذمة أحد في التزام مال للمؤمن، فلم يوجد ضمان، فكان التأمين باطلاً. والتأمين لا يوجد فيه حق مالي للمؤمن عند أحد قد التزمته شركة التأمين، إذ ليس للمؤمِّن أي حق مالي عند أحد وجاءت الشركة وضمنته، فهو خالٍ من وجود الحق المالي، فتكون الشركة لم تلتزم أي حق مالي حتى يصح أن يقال إنه ضمان شرعاً. وأيضاً فإن ما التزمته الشركة من التعويض أو الثمن أو دفع المال لم يجب للمضمون له عند عقد التأمين تجاه آخرين لا حالاً ولا مآلاً حتى يصح ضمانه. فتكون شركة التأمين قد ضمنت ما لا يجب في الحال ولا يجب في المآل، فيكون الضمان غير صحيح، وبالتالي يكون التأمين باطلاً. علاوة على أن التأمين لا يوجد فيه مضمون عنه لأن شركة التأمين لم تضمن عن أحد استحق عليه حق حتى يسمى ضماناً، فيكون عقد التأمين قد خلا من عنصر أساسي من عناصر الضمان اللازمة شرعاً وهو وجود مضمون عنه، لأنه لا بد في الضمان من وجود ضامن ومضمون عنه ومضمون له. وبما أن عقد التأمين لم يوجَد فيه مضمون عنه، فهو باطل شرعاً. وأيضاً فإن شركة التأمين حين تعهدت بتعويض العين أو دفع ثمنها إذا تضررت أو دفع مال عند حصول الحادث، قد التزمت هذا الدفع مقابل مبلغ من المال فهو التزام بمعاوضة، وهو لا يصح لأن شرط صحة الضمان أن يكون بدون معاوضة. فكان التأمين بوجود المعاوضة فيه ضماناً باطلاً.

وبهذا يظهر مقدار خلو تعهد التأمين من شروط الضمان التي نص عليها الشرع, وعدم استيفائه لشروط انعقاد الضمان وشروط صحته. وبذلك يكون سند التعهد الذي أعطته الشركة وضَمِنَت به التعويض والثمن، أو ضمنت المال، باطلاً من أساسه، فيكون التأمين كله باطلاً شرعاً.

وعلى هذا فإن التأمين كله حرام شرعاً سواء أكان التأمين على الحياة أم على البضاعة، أم على الممتلكات، أم على غير ذلك. ووجه حرمته أن عقده عقد باطل شرعاً. وأن التعهد الذي تعطيه شركة التأمين بموجب العقد تعهد باطل شرعاً. فكان أخذ المال بحسب هذا العقد وهذا التعهد حرام، وهو أكل مال بالباطل، ويدخل في مال السحت.

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net