النظام الاقتصادي في الإسلام... في دولة الخلافة على منهاج النبوةتعتبر شركة العقود من أنواع البحث في تنمية الملك. ويتبين من استقراء شركات العقود في الإسلام وتتبعها وتتبع الأحكام الشرعية المتعلقة بها والأدلة الشرعية الواردة في شأنها أن شركات العقود خمسة أنواع هي:

  1. شركة العنان،
  2. وشركة الأبدان،
  3. وشركة المضاربة،
  4. وشركة الوجوه،
  5. وشركة المفاوضة.

 

وهذه هي مجمل أحكامها:

1) شركة العنان

 وهي أن يشترك بدنان بماليهما أي أن يشترك شخصان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما. وسمّيت شركة عنان لأنهما يتساويان بالتصرف كالفارسين إذا سوَّيا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيْهما يكونان سواء. وهذه الشركة جائزة بالسنّة وإجماع الصحابة، والناس يشتركون بها منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأيام الصحابة.

وهذا النوع من الشركة يُجعل فيه رأس المال نقوداً، لأن النقود هي قيم الأموال وأثمان المبيعات. أمّا العروض فلا تجوز الشركة عليها إلاّ إذا قُوِّمَت وقت العقد وجُعلت قيمتها وقت العقد رأس المال. ويُشترط أن يكون رأس المال معلوماً يمكن التصرف به في الحال. فلا تجوز الشركة على رأس مال مجهول، ولا تجوز بمال غائب، أو بديْن، لأنه لا بد من الرجوع برأس المال عند المفاصلة، ولأن الديْن لا يمكن التصرف به في الحال، وهو مقصود الشركة. ولا يشترط تساوي المالين في القدر ولا أن يكون المالان من نوع واحد، إلاّ أنه يجب أن يقوّما بقيمة واحدة حتى يصبح المالان مالاً واحداً، فيصح أن يشتركا بنقود مصرية وسورية ولكن يجب أن يقوَّما بقيمة واحدة تقويماً يُذهب انفصالهما ويجعلهما شيئاً واحداً، لأنه يشترط أن يكون رأس مال الشركة مالاً واحداً شائعاً للجميع لا يَعرف أحد الشريكين ماله من مال الآخر. ويشترط أن تكون أيدي الشريكين على المال. وشركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما يكون بدفعه المال إلى صاحبه قد أمّنه، وبإذنه له في التصرف قد وكّله. ومتى تمت الشركة صارت شيئاً واحداً وصار واجباً على الشركاء أن يباشروا العمل بأنفسهم لأن الشركة وقَعَت على أبدانهم، فلا يجوز لأحدهم أن يوكل عنه من يقوم ببدنه مقامه في الشركة وفي التصرف، بل الشركة كلها تؤجِّر من تشاء وتستخدم بدن من تشاء أجيراً عندها لا عند أحد الشركاء.

ويجوز لكل واحد من الشريكين أو الشركاء أن يبيع ويشتري على الوجه الذي يراه مصلحة للشركة، وله أن يقبض الثمن والمبيع ويخاصم في الديْن ويطالب به، وأن يحيل ويحال عليه، ويرد بالعيب، وله أن يستأجر من رأس مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع، فله أن يبيع السلعة، كالسيارة مثلاً، وله أن يؤجرها باعتبارها سلعة للبيع، فصارت منفعتها في الشركة كالعين نفسها فأُجرِيَت مجراها. ولا يشترط تساوي الشريكين في المال بل يشترط تساويهما في التصرف. أمّا المال فيصح أن يتفاضلا في المال ويصح أن يتساويا، والربح يكون على ما شرطا، فيصح أن يشترطا التساوي في الربح ويصح أن يشترطا التفاضل فيه وقد كان علي رضي الله عنه يقول بهذا "الربح على ما اصطلحوا عليه" رواه عبد الرازق في الجامع. أمّا الخسارة في شركة العنان فإنها تكون على قدر المال فقط، فإن كان مالهما متساوياً في القدر فالخسارة بينهما مناصفة، وإن كان أثلاثاً فالخسران أثلاثاً، وإذا شرطا غير ذلك لا قيمة لشرطهما وينفذ حكم الخسارة دون شرطهما، وهو أن توزع الخسارة على نسبة المال. لأن البدن لا يخسر مالاً وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط، فتبقى الخسارة على المال وتوزَّع عليه بنسبة حصص الشركاء وذلك أن الشراكة وكالة وحكم الوكالة أن الوكيل لا يضمن وأن الخسارة تقع على مال الموكل، روى عبد الرزق في الجامع عن علي رضي الله عنه قال:"الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه" .

2) شركة الأبدان

 وهي أن يشترك اثنان أو أكثر بأبدانهما فقط دون مالهما، أي فيما يكتسبانه بأيديهما أي بجهدهما من عمل معين، سواء أكان فكرياً أم جسدياً، وذلك كالصُنّاع يشتركون على أن يعملوا في صناعاتهم، فما يربحونه فهو بينهم. وكالمهندسين والأطباء والصيادين والحمالين والنجارين وسائقي السيارات وأمثالهم. ولا يُشترط اتفاق الصنائع بين الشركاء ولا أن يكونوا جميعاً صُنّاعاً. فلو اشترك صناع مختلفو الصنائع جاز لأنهم اشتركوا في مكسب مباح فَصَحّ، كما لو اتفقت الصنائع بينهم. ولو اشتركوا في عمل معين على أن يدير أحدهم الشركة والآخر يقبض المال والثالث يعمل بيده صحّت الشركة. وعلى ذلك يجوز أن يشترك عمال في مصنع سواء أكانوا كلهم يعرفون الصناعة أو بعضهم يعرف والبعض الآخر لا يعرف فيشتركون صناعاً وعمالاً وكتّاباً وحراساً، يكونون جميعاً شركاء في المصنع. إلاّ أنه يشترط أن يكون العمل الذي اشتركوا بالقيام به بقصد الربح عملاً مباحاً، أمّا إذا كان العمل محرماً فلا تجوز الشركة فيه.

والربح في شركة الأبدان يكون بحسب ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل، لأن العمل يستحق به الربح ويجوز تفاضل الشركاء في العمل فجاز تفاضلهم في الربح الحاصل به، ولكل واحد منهم المطالبة بالأجرة كلها ممن استأجرهما، وبثمن البضاعة التي صنعوها ممن يشتريها. وللمستأجَر لهم أو المشتري منهم ما صنعوا من بضاعة دفع الأجرة جميعها أو دفع ثمن البضاعة جميعه إلى أي واحد منهم، وإلى أيهما دفعها برئ. وإنْ عمل أحد الشركاء دون شركائه فالكسب بينهم لأن العمل مضمون عليهم معاً. وبتضامنهم له وجبت الأجرة، فيكون لهم، كما كان الضمان عليهم. وليس لأحدهم أن يوكِّل عنه غيره شريكاً ببدنه، كما أنه ليس لأحدهم أن يستأجر أجيراً عنه شريكاً ببدنه لأن العقد وقع على ذاته فيجب أن يكون هو المباشر للعمل لأن الشريك بدنه هو، وهو المتعين في الشركة، ولكن يجوز أن يستأجر أحدهم أجراء، والاستئجار حينئذ يكون من الشركة وللشركة، ولو باشره واحد من الشركاء، ولا يكون نيابة عنه ولا وكالة ولا أجيراً عنه، ويكون تصرف كل شريك تصرفاً عن الشركة، ويَلزم كل واحد منهم ما يتقبله شريكه من أعمال.

وهذه الشركة جائزة لِما روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود: {اشتركتُ أنا وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص فيما نُصيب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين ولم اجيء أنا وعمار بشيء} وقد أقرهما الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك. وقال أحمد بن حنبل: أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الحديث صريح ،في اشتراك جماعة من الصحابة في أبدانهم في عمل يقومون به وهو قتال الأعداء ويقسمون ما ينالون من غنائم إن ربحوا المعركة. أمّا ما يقال من أن حكم الغنائم يخالف هذه الشركة، فإنه غير وارد على هذا الحديث، لأن حكم الغنائم نزل بعد معركة بدر هذه، فحين حصلت هذه الشركة بأبدانهم لم يكن حكم الغنائم موجوداً، وحكم الغنائم الذي نزل فيما بعد لا ينسخ الشركة التي حصلت وإنما يبين نصيب الغانمين ويبقى حكم شركة الأبدان ثابتاً بهذا الحديث.

3) شركة المضاربة

وتسمى قراضاً وهي أن يشترك بدن ومال. ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتّجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه. إلاّ أن الخسارة في المضاربة لا تخضع لاتفاق الشريكين، بل لما ورد في الشرع. والخسارة في المضاربة تكون شرعاً على المال خاصة ليس على المضارِب منها شيء، حتى لو اتفق رب المال والمضارِب على أن الربح بينهما والخسارة عليهما، كان الربح بينهما والخسارة على المال وذلك لأن الشركة وكالة وحكم الوكيل أنه لا يضمن وأن الخسارة تقع على الموكل فقط وروى عبد الرزاق في الجامع عن علي رضي الله عنه قال:(الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه) فالبدن لا يخسر مالاً وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط فتبقى الخسارة على المال.

ولا تصح المضاربة حتى يسلَّم المال إلى العامل ويُخلى بينه وبينه، لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارِب. ويجب في المضاربة تقدير نصيب العامل، وأن يكون المال الذي تجري المضاربة عليه قدراً معلوماً. ولا يصح أن يعمل رب المال مع المضارِب ولو شرط عليه لم يصح، لأنه لا يملك التصرف بالمال الذي صار للشركة، ولا يملك رب المال التصرف بالشركة مطلقاً، بل المضارِب هو الذي يتصرف، وهو الذي يعمل، وهو صاحب اليد على المال. وذلك لأن عقد الشركة حصل على بدن المضارب ومال رب المال ولم يقع العقد على بدن رب المال، فصار كالأجنبي عن الشركة لا يملك أن يتصرف فيها بشيء.  إلاّ أن المضارِب مقيّد بما أذِن له رب المال من تصرف، ولا يجوز له أن يخالفه لأنه متصرف بالإذن، فإذا أذن له أن يتاجر بالصوف فقط أو منعه من أن يشحن البضاعة في البحر فإن له ذلك، لكن ليس معنى هذا أن يتصرف رب المال بالشركة، بل معناه أن المضارِب مقيّد في حدود ما أذن له رب المال، ولكن مع ذلك فالتصرف في الشركة محصور بالعامل فقط وليس لرب المال أية صلاحية في التصرف.

ومن المضاربة أن يشترك مالان وبدن أحدهما. فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف لأحدهما ألف وللآخر ألفان، فأذِنَ صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صحّت الشركة ويكون العامل هو صاحب الألف مضارباً عند صاحب الألفين وشريكاً له. وكذلك من المضاربة أن يشترك مالان وبدن غيرهما، فإنها كلها تدخل في باب المضاربة.

والمضاربة جائزة شرعاً لما رُوي أن العباس بن عبد المطلب كان يدفع مال المضاربة ويشترط على المضارِب شروطاً معينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاستحسنه. وانعقد إجماع الصحابة على جواز المضاربة، فقد رُوي ابن أبي شيبة عن عبد الله بن حميد عن أبيه عن جده {أن عمر بن الخطاب دفع إليه مال يتيم مضاربة فطلب فيه فأصاب فقاسمه الفضل }،وذكر ابن قدامة في المغني عن مالك بن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده {أن عثمان قارضه}، وذكر ايضا وعن ابن مسعود وحكيم بن حزام {أنهما قارضا}، وقد كان ذلك على مرأى من الصحابة ولم يُروَ مخالف له ولم ينكِر أحد فكان ذلك إجماعاً منهم على المضاربة.

  1. 4) شركة الوجوه

 وهي أن يشترك بدنان بمال غيرهما. أي أن يدفع واحد ماله إلى اثنين أو أكثر مضاربة فيكون المضاربان شريكيْن في الربح بمال غيرهما. فقد يتفقان على قسمة الربح أثلاثاً لكل واحد منهما الثلث وللمال الثلث، وقد يتفقان على قسمته أرباعاً للمال الربع ولأحدهما الربع وللآخر النصف، وقد يتفقان على غير ذلك من الشروط. وبهذه الشروط الممكنة الحصول يمكن أن يحصل تفاضل بين العامليْن في الربح فصار اشتراكهما مع تفاضل حصصهما مبنياً على وجاهة أحدهما أو وجاهتهما، إمّا من ناحية المهارة في العمل وإما من ناحية حسن التصرف في الإدارة مع أن التصرف الشرعي الذي يملكانه في المال واحد. ومن أجل ذلك صارت هذه الشركة قسماً من نوع آخر غير شركة المضاربة مع أنها في حقيقتها ترجع إلى المضاربة.

ومن شركة الوجوه أن يشترك اثنان فأكثر فيما يشتريانه بثقة التجار بهما وجاههما المبني على هذه الثقة من غير أن يكون لهما رأس مال. ويشترطان على أن يكون ملكهما فيما يشتريانه نصفين أو أثلاثاً أو أرباعاً أو نحو ذلك، ويبيعان ذلك، فما يكسبانه من ربح فهو بينهما مناصفةً أو أثلاثاً أو أرباعاً أو نحو ذلك حسب ما يتفقان عليه، لا حسب ما يملكان في البضاعة. أمّا الخسارة فتكون على قدر ملكهما في المشتريات لأنه بمقام مالهما، لا على حسب ما يشترطان من خسارة ولا على حسب الربح سواء أكان الربح بينهما بقدر مشترياتهما أم مختلفاً عنها.

وشركة الوجوه بقسميها جائزة، لأنهما إذا اشتركا بمال غيرهما كانت من قبيل شركة المضاربة الثابتة بالسنّة والإجماع. وإن اشتركا فيما يأخذانه من مال غيرهما، أي فيما يشتريانه بجاههما وثقة التجار بهما فهي من قبيل شركة الأبدان الثابتة بالسنّة، فتكون شركة الوجوه ثابتة بالسنّة والإجماع.

إلاّ أنه ينبغي أن يُعلم أن المراد بالثقة هنا الثقة المالية وهي الثقة بالسداد وليس الجاه والوجاهة. لأن الثقة إذا أُطلِقَت في موضوع التجارة والشركة ونحو ذلك فإنّما يُقصد منها الثقة بالسداد، وهي الثقة المالية. وعلى ذلك قد يكون الشخص وجيهاً ولكنه غير موثوق بالسداد، فلا توجد فيه ثقة مالية ولا يعتبر أن لديه ثقة تعتبر في موضوع التجارة والشراكة، فقد يكون وزيراً أو غنياً أو تاجراً كبيراً ولكن لا توجد به ثقة بالسداد فلا تكون به ثقة مالية ولا يؤمَّن على شيء، فإنه لا يستطيع أن يشتري من السوق أية بضاعة دون أن يدفع ثمنها. وقد يكون شخص فقيراً ولكن التجار يثقون بسداده ما عليه من المال، فإنه يستطيع أن يشتري بضاعة دون أن يدفع ثمنها. وعلى هذا فشركة الوجوه تتركز فيها الثقة بالسداد لا الوجاهة. وعلى ذلك فإن ما يحصل في بعض الشركات من إدخال وزير عضواً في شركة ويُجعل له نصيباً معيناً من الربح دون أن يدفع أي مال أو يشترك بأي جهد، وإنما أُشرِك لمنزلته في المجتمع حتى يسهّل للشركة معاملاتها، فإن ذلك ليس من قبيل شركة الوجوه ولا ينطبق عليه تعريف الشركة في الإسلام، فلا يجوز هذا النوع من الاشتراك ولا يكون هذا الشخص شريكاً ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من هذه الشركة.

وما يحصل في بعض البلدان كالسعودية والكويت من أن غير السعودي أو غير الكويتي لا يُسمح له برخصة للتجارة أو للعمل، فيُدخِل معه سعودياً في السعودية أو كويتياً في الكويت ويجعل له حصة من الربح دون أن يدفع هذا السعودي أو هذا الكويتي أي مال، ودون أن تُعقد الشركة على بدنه وإنما اعتُبِر شريكاً من أجل أن الرخصة أُخِذَت باسمه وجُعلت له حصـة من الربح مقابل ذلك، فهذا أيضاً ليس من شركة الوجوه ولا هو من الشركة الجائزة شرعاً، ولا يعتبَر هذا السعودي أو الكويتي شريكاً، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من هذه الشركة لأنه لا تنطبق عليه الشروط التي أوجب الشرع أن تتوفر في الشريك حتى يكون شريكاً شرعاً، وهي الاشتراك بالمال أو البدن أو الثقة التجارية بالسداد ليباشِر هـو العمل بما يأخذه من بضاعة بهذه الثقة.

  1. 5) شركة المفاوضة

 وهي أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة المار ذكرها مثل أن يجمعا بين شركة العنان والأبدان والمضاربة والوجوه، وذلك كأن يدفع شخص مالاً لمهندسيْن شراكة مع مالهما مضاربة ليبنيا دُوراً لبيعها والتجارة فيها، واتفقا على أن يشتغلا بأكثر مما بين أيديهما من مال وصارا يأخذان بضاعة من غير دفع ثمنها حالاً بناء على ثقة التجار بهما، فاشتراك المهندسيْن معاً ببدنهما شركة أبدان باعتبار صناعتهما، ودفعهما مالاً منهما يشتغلان به معاً شركة عنان، وأخذهما مالاً من غيرهما مضاربة شركة مضاربة، واشتراكهما في  البضاعة التي يشتريانها بناء على ثقة التجار بهما شركة وجوه. فهذه الشركة جمعت جميع أنواع الشركات في الإسلام فيصحّ ذلك، لأن كل نوع منها يصح على انفراده فيصح مع غيره، والربح على ما اصطلحا عليه، فيجوز أن يُجعل الربح على قدر المالين ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال، وأن يتفاضلا مع تساويهما في المال.

هذا النوع من شركة المفاوضة جائز لورود النص بها. أمّا ما يذكره بعض الفقهاء من أنواع شركة المفاوضة الأخرى، وهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في ماليهما وتصرفهما وديْنهما يفوض كل واحد منهما إلى صاحبه على الإطلاق فلا يجوز مطلقاً، لأنه لم يرد نص شرعي دليلاً عليها، ولأن الحديث الذي يستشهدون به وهو {إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة} أو حديث {فاوضوا فإنه أعظم للبركة}، لم يصح شيء من هذين الحديثين ولا في معناهما على فرض صحة دلالتهما، ولأن هذه الشركة شركة على مال مجهول وعمل مجهول وهذا وحده كاف لعدم صحة هذه الشركة، ولأن من مالهما الإرث الذي يصير  إليهما بعد وفاة المورِّث وقد يكون أحدهما ذمياً فكيف يُجعل له نصيب في الإرث؟ ولأن الشركة تتضمن معنى الوكالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز. فكان كله دالاً على عدم صحة هذا النوع من شركة المفاوضة.

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net