للأرض رقبة ومنفعة. فرقبتها هي أصلها، ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها. وقد أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض كما أباح ملكية منفعتها، ووضع أحكاماً لكل منهما.

الأرض الخراجية والأرض العشرية

أمّا ملكية رقبة الأرض فيُنظر فيها، فإن كانت البلاد التي منها هذه الأرض قد فتحت بالحرب عنوة كانت رقبة الأرض ملكاً للدولة واعتبرت أرضاً خراجية، ما عدا جزيرة العرب.

وإن فتحت صلحا ينظر فإن كان الصلح على أن الأرض لنا وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه، فإن هذا الخراج يبقى أبديا على الأرض وتبقى أرضه خراجية إلى يوم القيامة، ولو انتقلت إلى مسلمين بالإسلام أو بالشراء أو بغيره.

أما إن كان الصلح على أن الأرض لهم وأن تبقى في أيديهم وأن يقروا عليها بخراج معلوم يضرب عليهم، فهذا الخراج يكون بمقام الجزية ويسقط بإسلامهم أو ببيعهم الأرض إلى مسلم، أما إن باعوا الأرض إلى كافر فإن الخراج يكون باقيا ولا يسقط لأن الكافر من أهل الخراج والجزية.

وإن كانت البلاد قد أسلم أهلها عليها مثل إندونيسيا أو كانت من جزيرة العرب كانت رقبة الأرض ملكاً لأهلها واعتبرت أرضاً عشرية. والسبب في ذلك أن الأرض بمنزلة المال تعتبر غنيمة من الغنائم التي تكسب في الحرب، فهي حلال، وهي ملك لبيت المال، فقد حَدّث حفص بن غياث عن أبي ذئب عن الزهري قال: {قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس البحرين، قال الزهري: فمن منهم قبل إسلامه وأحرز له إسلامه نفسه وماله إلا الأرض فإنها فيء للمسلمين لأنهم من أجل أنه لم يسلم أول مرة وهو في منعة }.

والفرق بين الأرض وبين غيرها من الغنائم من الأموال أن الأموال تُقسم ويُتصرف بها وتُعطى للناس، وأمّا الأرض فتبقى رقبتها تحت تصرف بيت المال حكماً، ولكنها تظل تحت يد أهلها ينتفعون بها. وكون الأرض باقية لبيت المال لا تقسم رقبتها –وإنما يمكَّن الناس من الانتفاع بها- ظاهر في كونها غنائم عامة لجميع المسلمين سواء من وُجدوا حين الفتح أم من وُجد بعدهم.

أمّا جزيرة العرب فإن أرضها كلها عشرية لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف عليها الخراج، ولأن الخراج على الأرض بمنزلة الجزية على الرؤوس فلا يثبت في أرض العرب، كما لا تثبت الجزية في رقابهم، وذلك لأن وضع الخراج على البلاد من شرطه أن يترك أهلها وما يعتقدون وما يعبدون كما في سواد العراق، ومشركو العرب لا يقبل منهم إلاّ الإسلام أو السيف، قال تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال: {ستُدعَوْن إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون}، وما دام لم تؤخذ جزية منهم فكذلك لا يؤخذ خراج على أرضهم.

وعلى هذا تكون رقبة الأرض في جميع البلاد التي افتتحها الإسلام عنوة أو أو صلحا على أن الأرض لنا تكون ملكاً للدولة، وتعتبر أرضاً خراجية سواء أكانت لا تزال تحت يد الأمة الإسلامية كمصر والعراق وتركيا أم أصبحت تحت يد الكفار كإسبانيا وأوكرانيا والقرم وألبانيا والهند ويوغوسلافيا ونحوها، وكل أرض أسلم عليها أهلها كأندونيسيا وكل أرض في جزيرة العرب هي ملك لأهلها وتعتبر أرض عشرية.

منفعة الأرض

أما منفعة الأرض فهي من الأملاك الفردية سواء أكانت أرضاً خراجية أم أرضاً عشرية، وسواء أقطَعَتهم إياها الدولة أم تبادلوها بينهم أم أحيوها أم احتجروها. وهذه المنفعة تعطي المتصرف بالأرض من الحقوق ما يعطى لمالك العين وله أن يبيعها ويهبها وتورَّث عنه، وذلك لأن للدولة أن تُقطِع (أي تعطي) الأراضي للأفراد سواء أكانت الأرض عشرية أم خراجية. إلاّ أن الإقطاع في الأرض الخراجية هو تمليك منفعة الأرض مع بقاء رقبتها لبيت المال، وأما في الأرض العشرية فهو تمليك لرقبة الأرض ومنفعتها.

العشر والخراج

والفرق بين العشر والخراج هو أن العشر على ناتج الأرض وهو أن تأخذ الدولة من الزارع للأرض عشر الناتج الفعلي إن كانت تسقى بماء المطر سقياً طبيعياً، وتأخذ نصف العشر عن الناتج الفعلي إن كانت الأرض تسقى بالساقية أو غيرها سقياً اصطناعياً،روى مسلم عن جابر قال: قال عليه الصلاة والسلام: {فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالساقية نصف العشر}، وهذا العشر يعتبر زكاة ويوضع في بيت المال ولا يصرف إلاّ لأحد الأصناف الثمانية المذكورين في آية {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}أخرج الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم يعلمان الناس أمر دينهم فقال:{ لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر}.

وأمّا الخراج على الأرض فهو أن تأخذ الدولة من صاحب الأرض قدراً معيناً تقدر وتحدده بحسب إنتاج الأرض التقديري عادة، لا الإنتاج الفعلي، ويقدر على الأرض بقدر احتمالها حتى لا يظلم صاحب الأرض ولا بيت المال. ويحصَّل الخراج كل سنة من صاحب الأرض سواء زُرعت الأرض أم لم تزرع وسواء أخْصَبت أم أجْدَبت. {بعث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عثمان بن حنيف على السواد وأمره أن يمسحه فوضع على كل جريب عامر أو غامر مما يعمل مثله درهماً وقفيزاً}، أخرجه أبو يوسف في الخراج عن عمرو بن ميمون وحارثة بن مضرب. وحدّث الحجاج بن أرطاة عن ابن عوف {أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسح السواد ما دون جبل حلوان فوضع على كل جريب عامر أو غامر يناله الماء بدلو أو بغيره زرع أو عطل درهماً وقفيزاً واحداً}، أخرجه أبو يوسف في الخراج.ويوضع الخراج في بيت المال في غير باب الزكاة، ويصرف على جميع الوجوه التي تراها الدولة كما يصرف سائر المال.

والأرض التي فتحت عنوة وضرب عليها الخراج يبقى خراجها أبد الدهر فإن أسلم أهلها أو باعوها إلى مسلم لم يسقط خراجها لأن صفتها من كونها فتحت عنوة بقى إلى أخر الزمان ووجب عليهم دفع العشر من الخراج لأن الخراج حق وجب على الأرض والعشر حق وجب ناتج أرض المسلم بالآيات والأحاديث ولا تنافي بين الحقين لأنهما وجبا بسببين مختلفين وأما ما استدل به الأحناف على عدم الجمع بين العشر والخراج من حديث يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{ لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم} فإنه ليس بحديث ولم يثبته الحفاظ أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويبدأ بأداء الخراج فإن بقي بعد أداء الخراج مما تجب فيه الزكاة من زروع وثمار ما يبلغ النصاب تخرج منه الزكاة وإن لم يلغ النصاب فلا زكاة عليه .

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net