يتبين من استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد أن الإسلام إنّما يعالج موضوع تمكين الناس من الانتفاع بالثروة، وأن هذه هي المشكلة الاقتصادية للمجتمع في نظره. وهو حين يبحث الاقتصاد إنّما يبحث في حيازة الثروة، وفي تصرف الناس بها، وفي توزيعها بينهم. وعلى هذا فإن الأحكام المتعلقة بالاقتصاد مبنية على ثلاث قواعد، هي: الملكية، والتصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين الناس.

أمّا الملكية من حيث هي ملكية، فهي لله باعتباره مالك الملك من جهة، وباعتباره قد نص على أن المال له، قال تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، فالمال لله وحده، إلاّ أن الله سبحانه وتعالى استخلف بني الإنسان على المال وأمدّهم به، فجعل لهم حق ملكيته، قال تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلَفين فيه}، وقال: {ويُمدِدكم بأموال وبنين}. ومن هنا نجد أن الله حين يبيّن أصل ملكية المال يضيف المال له فيقول: {مالِ الله}، وحين يبيّن انتقال الملكية للناس يضيف الملكية لهم فيقول: {فادفعوا إليهم أموالهم}، {خذ من أموالهم}، {فلكم رؤوس أموالكم}، {وأموالٌ اقتَرفتُموها}، {وما يغني عنه ماله}. غير أن حق الملكية هذا الذي جاء بالاستخلاف جاء عاماً لبني الإنسان بجميع أفرادهم، فلهم به حق الملكية لا الملكية الفعلية، فهم مستخلَفون في حق التملك، أمّا الملكية الفعلية للفرد المعين فقد شرط الإسلام فيها الإذن من الله للفرد بتملكها. ولهذا فإن المال إنّما يملكه بالفعل من أذِن له الشارع بتملكه، ويكون هذا الإذن دلالة خاصة على أن هذا الفرد قد أصبح له الملكية للمال، فاستخلاف الناس جميعاً في الملكية جاء بالاستخلاف العام، وأفاد بوجود حق الملكية، واستخلاف الفرد المعين في الملكية الفعلية جاء بالإذن الخاص الذي جاء من الشارع للفرد في أن يتملكه.

وقد بيّن الشرع أن هناك ملكية فردية، فلكل فرد أن يمتلك المال بسبب من أسباب التملك، روى أبو داوود عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {من أحاط حائطاً على أرض فهي له }، وهناك ملكية عامة للأمّة كلها، وروى أحمد عن رجل من المهاجريتن قال:قال عليه الصلاة والسلام: {المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار}. وهناك ملكية للدولة، فإن كل من مات من المسلمين ولا وارث له فماله لبيت المال، وما يُجبى من خراج وجزية وغير ذلك إنّما هو لبيت المال.وللدولة أن تضع المال الذي هو ملكها حيث تشاء بحسب الأحكام الشرعية. وقد بيّن الشرع الأسباب التي يملك بها الفرد والحالات التي تملك بها الأمّة، والأسباب التي تملك بها الدولة، ومنع ما عدا ذلك.

وأمّا التصرف في الملكية فإنه بالنسبة للملكية العامة جُعل للدولة لأنها نائبة عن الأمّة، ولكن الشارع منعها، أي الدولة، من التصرف بالملكية العامة بالمبادلة أو الصلة، وأجاز لها التصرف بها في غير ذلك بحسب الأحكام التي بيّنها الشرع. وأمّا بالنسبة لملكية الدولة وملكية الفرد فالتصرف واضح في أحكام بيت المال وأحكام المعاملات من بيع أو رهن أو غير ذلك. وقد أجاز الشارع للدولة وللفرد التصرف بملكيتهما بالمبادلة والصلة وغير ذلك بحسب الأحكام التي بيّنها الشرع.

وأمّا توزيع الثروة بين الناس فإنه يجري في أسباب التملك وفي العقود طبيعياً، غير أن تفاوت الناس في القوى وفي الحاجة إلى الإشباع يؤدي إلى تفاوت التوزيع للثروة بين الناس، ويجعل احتمال الإساءة في هذا التوزيع موجوداً، فيترتب على هذه الإساءة في التوزيع تجمُّع المال بين يدي فئة وانحساره عن فئة أخرى، كما يترتب عليها كنز أداة التبادل الثابتة وهي الذهب والفضة، ولذلك جاء الشرع يمنع تداول الثروة بين الأغنياء فقط ويوجِب تداولها بين جميع الناس، وجاء يمنع كنز الذهب والفضة ولو أُخرجت زكاتهما.