كلمة الاقتصاد مشتقة من لفظ إغريقي قديم معناه (تدبير أمور البيت)، بحيث يَشترك أفراده القادرون في إنتاج الطيبات والقيام بالخدمات، ويشترك جميع أفراده في التمتع بما يحوزون، ثم توسع الناس في مدلول البيت فصار يُقصد به الجماعة التي تحكمها دولة واحدة. وعليه فليس المقصود هنا من كلمة اقتصاد المعنى اللغوي وهو التوفير، ولا معنى المال، وإنما المقصود هو المعنى الاصطلاحي لمسمى معين وهو تدبير شؤون المال، إما بتكثيره وتأمين إيجاده –ويبحث فيه علم الاقتصاد-، وإما بكيفية توزيعه –ويبحث فيه النظام الاقتصادي-.

 وإنه وإن كان علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي كل منهما يبحث في الاقتصاد ولكنهما شيئان مختلفان متغايران، ومفهوم أحدهما غير مفهوم الآخر، فالنظام الاقتصادي لا يختلف بكثرة الثروة ولا بقلتها ولا يتأثر بها مطلقاً، وكثرة الثروة وقلتها لا يؤثر فيها شكل النظام الاقتصادي ولا بوجه من الوجوه. وعليه كان من الخطأ الفادح جعل الاقتصاد موضوعاً واحداً يُبحَث على اعتباره شيئاً واحداً، لأنه يؤدي إما إلى الخطأ في إدراك المشاكل الاقتصادية المراد معالجتها، وإما إلى سوء فهم العوامل التي توفر الثروة –أي توجدها في البلاد-، ولأن تدبير أمور الجماعة من حيث توفير المال –أي إيجاده- شيء، وتدبير أمور الجماعة من حيث توزيع المال المدبَّر شيء آخر، فيجب أن يُفصل بحث تدبير مادة المال عن بحث تدبير توزيعه، إذ الأول يتعلق بالوسائل، والثاني يتعلق بالفكر، ولهذا يجب بحث النظام الاقتصادي باعتباره فكراً يؤثر في وجهة النظر في الحياة ويتأثر بها، وبحث علم الاقتصاد باعتباره علماً ولا علاقة له بوجهة النظر في الحياة، والبحث المهم منهما هو النظام الاقتصادي، لأن المشكلة الاقتصادية تدور حول حاجات الإنسان ووسائل إشباعها والانتفاع بهذه الوسائل، وبما أن الوسائل موجودة في الكون فإن إنتاجها لا يسبب مشكلة أساسية في إشباع الحاجات، بل إن إشباع الحاجات يدفع الإنسان لإنتاج هذه الوسائل أو إيجادها، وإنما المشكلة الموجودة في علاقات الناس –أي في المجتمع- ناجمة عن تمكين الناس من الانتفاع بهذه الوسائل أو عدم تمكينهم؛ أي ناجمة عن موضوع حيازة الناس لهذه الوسائل، فيكون هو أساس المشكلة الاقتصادية، وهو الذي يحتاج إلى علاج، وعلى ذلك فالمشكلة الاقتصادية آتية من موضوع حيازة المنفعة لا من إنتاج الوسائل التي تعطي هذه المنفعة.