إن الحسبة من أهم الأحكام الشرعية التي يتم بها نشر الخير بين الناس، والمحافظة على المجتمع من أخطار المعاصي والمنكرات، والمحافظة على عقائد المسلمين من الإنحراف وعباداتهم من الإبتداع، ودينهم من الفساد. والمحافظة على الاداب العامة والمعاملات التجارية. فالحسبة في المجتمع الإسلامي بمثابة صمام أمان عملي، تحول بين أفراده وبين الوقوع في مخالفة الشرع الحكيم.

المحتسب (قاضي الحسبة ) في جهاز القضاء في دولة الخلافة على منهاج النبوة { ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ }والمحتسب هو القاضي الذي ينظر في كافة القضايا التي هي حقوق عامة، ولا يوجد فيها مُدَّعٍ، على أن لا تكون داخلة في الحدود والجنايات.

صلاحيات المحتسب

ويملك المحتسب الحكم في المخالفة فور العلم بها في أي مكان دون حاجة لمجلس قضاء، ويجعل تحت يده عدد من الشرطة لتنفيذ أوامره، وينفذ حكمه في الحال. هذا تعريف لقاضي الحسبة، وهو تعريف مأخوذ من حديث صُبْرَة الطعام.

فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجد بللاً في صُبْرَة الطعام، فأمر بجعله فوق الطعام حتى يراه الناس، فهذا حق عام للناس نظر فيه الرسول، وقضى فيه بجعل الطعام المبلول على وجه الصُبْرَة لإزالة الغِش.

وهذا يشمل جميع الحقوق التي من هذا النوع، ولا يشمل الحدود والجنايات؛ لأنه ليس من هذا ا لقبيل، ولأنها خصومات بين الناس في الأصل. ولا حاجة لمجلس قضاء حتى ينظر المحتسب في الدعوى، بل يحكم في المخالفة بمجرد التحقق من حدوثها، وله أن يحكم في أي مكان أو زمان: في السوق، وفي البيت، وعلى ظهر الدابة، وفي السيارة، في الليل أو النهار؛

لأن الدليل الذي ثبت فيه شرط مجلس القضاء للنظر في القضية لا ينطبق على المحتسب؛ لأن الحديث الذي ثبت فيه اشتراط المجلس في القضاء يقول: «إن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم»، ويقول: «إذا جلس إليك الخصمان»، وهذا غير موجود في قاضي الحسبة؛ لأنه لا يوجد مدع ومدعى عليه، بل يوجد حق عام اعتُديَ عليه، أو مخالفة للشرع. وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين نظر في أمر صُبْرَة الطعام، نظر فيها وهو سائر في السوق، وكانت معروضة للبيع، ولم يستدع صاحب الصُبْرَة عنده، بل بمجرد أن رأى المخالفة نظر فيها في مكانها، مما يدل على أنه لا يُشترط مجلس القضاء في قضايا الحسبة.

وللمحتسب الحق في أن يختار نواباً عنه تتوفر فيهم شروط المحتسب، يوزعهم في الجهات المختلفة، وتكون لهؤلاء النواب صلاحية القيام بوظيفة الحسبة في المنطقة أو المحلة التي عُيّنت لهم في القضايا التي فُوّضوا فيها.

وهذا مقيدٌ بما إذا كان تعيين المحتسب قد اشتمل على إعطائه حق تعيين نواب عنه، أي حق الاستخلاف عنه. فإذا لَم يجعل له حقُّ الاستخلاف أي حقُّ تعيين نواب عنه، فلا يملك صلاحية التعيين.

 

القضاء في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة