مسألة هل طبق المسلمون الإسلام ؟ أم أنهم كانوا يعتنقون عقيدته ويطبقون غيره من الأنظمة والأحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن المسلمين طبقوا الإسلام وحده في جميع العصور ، منذ أو وصل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة حتى سنة 1336 هـ أي 1918 ميلادية حين سقطت آخر دولة إسلامية على يد الاستعمار ، وكان تطبيقها شاملاً حتى نجحت في هذا التطبيق إلى أبعد حدود النجاح .

 أما كون المسلمون طبقوا عملياً الإسلام فإن الذي يطبق النظام هو الدولة ، والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الذي يفصل الخصومات بين الناس ، والثاني الحاكم الذي يحكم الناس .

  1. أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى نهاية الخلافة في استانبول ، كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة ، سواء بين المسلمين وحدهم ، وبين المسلمين وغيرهم . وقد كانت المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك ، محكمة واحدة تحكم بالشرع الإسلامي وحده . ولم يرو أحد أن قضية واحدة فصلت على غير الأحكام الشرعية الإسلامية ، أو أن محكمة ما في البلاد الإسلامية حكمت بغير الإسلام قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الاستعمار . وأقرب دليل على ذلك سجلات المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع الإسلامي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة . حتى إن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه الإسلامي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة . وأما ما أدخل من القوانين فإنه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها لا تخالف أحكام الإسلام ، وهكذا أدخل قانون الجزاء العثماني 1275 هـ الموافق 1857 م وأدخل قانون الحقوق والتجارة 1276 هـ الموافق 1858 م ثم في 1288 هـ والموافق 1870 م . جعلت المحاكم قسمين محاكم شرعية ومحاكم نظامية ، ووضع لها نظام ثم في 1295 هـ الموافق 1877 م وضعت لائحة تشكيل المحاكم النظامية . ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية 1296 . ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة قانوناً للمعاملات ، واستبعد القانون المدني وذلك 1286 هـ  فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها الإسلام ، ولم توضع موضع العمل إلا بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها ، وبعد أن أذن شيخ الإسلام بها ، كما تبين من المراسيم التي صدرت بها . وإنه وإن كان الاستعمار منذ سنة 1918 أي منذ احتلاله البلاد أخذ يفصل الخصومات في الحقوق والجزاء على غير الشريعة الإسلامية ، ولكن البلدان التي لم يدخلها الاستعمار بجيوشه وإن دخلها بنفوذه ، لا تزال تحكم قضائياً بالإسلام ، فجزيرة العرب كلها : الحجاز ونجد والكويت ، وكذلك بلاد الأفغان ، لا تزال تطبق الإسلام قضائياً ، ولم تحكم حتى الآن في القضاء إلا في الشريعة الإسلامية ولو أن الحكام في هذه البلاد الآن لا يطبقون الإسلام . ومع ذلك نرى أن الإسلام طبق قضائياً ولم يطبق غيره في جميع عصور دولة الخلافة .
  2. أما تطبيق الحاكم للإسلام فإنه يتمثل في خمسة أشياء : في الأحكام الشرعية المتعلقة بالاجتماع ، والاقتصاد ، والتعليم ، والسياسة الخارجية ، والحكم . وقد طبقت هذه الأشياء الخمسة جميعها من قبل دولة الخلافة .
  3. أما النظام الاجتماعي الذي يعين علاقة المرأة بالرجل وما يترتب على هذه العلاقة أي الأحوال الشخصية ، فإنها لا تزال تطبق حتى الآن رغم وجود الاستعمار ووجود حكم الكفر ، ولم يطبق غيرها مطلقاً حتى الآن .
  4. وأما النظام الاقتصادي فيتمثل في ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب لتعالج مشاكل الناس ، والثاني كيفية إنفاقه . أما كيفية أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الأموال ، والأراضي ، والأنعام ، باعتبارها عبادة ، وتوزعها فقط على الأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن ولا تستعملها في إدارة شؤون الدولة ، وتأخذ الأموال لإدارة شؤون الدولة والأمة حسب الشرع الإسلامي ، فهي لم تأخذ أي نظام للضرائب ، وإنما كانت تطبق الإسلام ، فتأخذ الخراج على الأرض ، وتأخذ الجزية من غير المسلمين ، وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم إشرافها على التجارة الخارجية والداخلية ، وما كانت تحصل الأموال إلا حسب الشريعة الإسلامية . وأما توزيع المال فقد كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز ، وتحجر على السفيه والمبذر ، وتنصب عليه وصياً ، وكانت تقيم أمكنة في كل مدينة ، وفي طريق الحج ، لإطعام الفقير والمسكين وابن السبيل ، ولا تزال آثارها موجودة حتى اليوم في أمهات بلاد المسلمين . وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة حسب الشريعة ، ولم يجر حسب غيرها مطلقاً ، وما يشاهد من التقصير في هذه الناحية هو إهمال ، وإساءة تطبيق ، وليس عدم تطبيق .
  5. وأما التعليم فإن سياسته كانت مبنية على أساس الإسلام ، فكانت الثقافة الإسلامية هي الأساس في منهاج التعليم ، والثقافة الأجنبية يحرص في عدم أخذها إذا تناقضت مع الإسلام . وأما التقصير في فتح المدارس فهو إنما كان في أواخر الدولة العثمانية ، على السواء في جميع البلاد الإسلامية ، للانحطاط الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ . وأما في باقي العصور فإن من المشهور في العالم كله أن البلاد الإسلامية كانت وحدها محط أنظار العلماء والمتعلمين ، ولجامعات قرطبة وبغداد ودمشق والإسكندرية والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم .
  6. وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على أساس إسلامي ، فدولة الخلافة كانت تبني علاقاتها مع  الدول الأخرى على أساس الإسلام ، وكانت جميع الدول تنظر إليها بوصفها دولة إسلامية ، وكانت علاقاتها الخارجية كلها مبنية على أساس الإسلام ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين ، وإن أمر كون سياسية دولة الخلافة الخارجية هي السياسة الإسلامية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل .
  7. وأما بالنسبة لنظام الحكم فإن جهاز الدولة في الإسلام يقوم على سبعة أركان هي : الخليفة وهو رئيس الدولة ، والمعاونون له في الحكم ، والولاة ، والقضاة ، والجيش ، والجهاز الإداري ، ومجلس الشورى ، وهذا الجهاز كان موجوداً ، فإن المسلمين لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه خليفة ، إلا بعد أن أزال الكافر المستعمر الخلافة على يد كمال أتاتورك سنة 1342 هـ  و 1924 م . أما قبل ذلك فقد كان خليفة المسلمين دائمياً لا يذهب خليفة إلا وقد أتى بعده خليفة ، حتى في أشد عصور الهبوط  . ومتى وجد الخليفة فقد وجدت دولة الخلافة ، لأن دولة الخلافة هي الخليفة ، وأما المعاونون فقد كانوا كذلك موجودين في جميع العصور ، وكانوا معاونين منفذين وليسوا وزراء ، وإنهم وإن أطلق عليهم في عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا معاونين . ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم الديمقراطي مطلقاً ، بل كانوا معاونين ، وهيئة تنفيذية فقط ، والصلاحيات كلها للخليفة . وأما الولاة والقضاة والجهاز الإداري فإن وجودها ثابت . والكافر المستعمر حين استلم البلاد كانت أمورها سائرة ، وفيها الولاة والقضاة والجهاز الإداري مما لا يحتاج لدليل . وأما الجيش فإنه كان جيشاً إسلامياً ، وكان العالم يتركز في ذهنه أن الجيش الإسلامي لا يغلب ، وأما مجلس الشورى فإنه بعد الخلفاء الراشدين لم يعن بوجوده ، والسبب في ذلك أن الشورى ليست قاعدة من قواعد الحكم ، وإن كانت من جهاز الدولة ، وإنما هي حق من حقوق الرعية على الراعي ، فإن لم يفعل بها يكون قد قصر ، ولكن الحكم يبقى حكماً إسلامياً ، وذلك لأن الشورى هي لأخذ الرأي وليست للحكم ، لخلافها في مجالس النواب الديمقراطية . ومن هذا يتبين أن نظام الحكم كان مطبقاً في الإسلام . وها هنا مسالة في بيعة الخليفة ، فإن من المقطوع به أنه لم يكن في الخلافة نظام وراثة ، أي لم تكن الوراثة حكماً مقرراً في الدولة يؤخذ الحكم - أي تؤخذ رئاسة الدولة - بموجبها كما هي الحال في النظام الملكي ، وإنما كان الحكم المقرر في الدولة لأخذ الحكم هو البيعة ، كانت تؤخذ من المسلمين في بعض العصور ، ومن أهل الحل والعقد في البعض الآخر ، ومن شيخ الإسلام في آخر العصر الهابط . والذي جرى عليه العمل في جميع عصور دولة الخلافة أنه لم ينصب أي خليفة إلا بالبيعة ، ولم ينصب بالوراثة دون بيعة على الإطلاق ، ولم ترو ولا حادثة واحدة أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة . غير أنه كان يساء تطبيق أخذ البيعة ، فيأخذها الخليفة من الناس في حياته لابنه ، أو أخيه ، أو ابن عمه ، أو شخص من أسرته ، ثم تجدد البيعة لذلك الشخص بعد وفاة الخليفة ، وهذه إساءة لتطبيق البيعة وليست وراثة ، ولا ولاية عهد . كما أن إساءة تطبيق نظام الانتخابات لمجلس النواب في النظام الديمقراطي تسمى انتخاباً ولا تسمى تعييناً ، ولو فاز في الانتخابات الأشخاص الذين تريدهم الحكومة ، ومن ذلك كله نرى أن النظام الإسلامي طبق عملياً ،  ولم يطبق غيره في جميع عصور دولة الخلافة .

أما نجاح هذه القيادة عملياً فقد كان نجاحاً منقطع النظير ولا سيما في الأمرين التاليين :

  • أما أحدهما فإن القيادة الفكرية الإسلامية نقلت الشعب العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة تتخبط في دياجير العصبية العائلية ، وظلام الجهل الدامس ، إلى عصر نهضة فكرية ، يتلألأ بنور الإسلام الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب ، بل عم العالم . فقد اندفع المسلمون في الكرة الأرضية ، وحملوا الإسلام للعالم ، واستولوا على فارس والعراق وبلاد الشام ومصر وشمالي افريقيا . وكانت لكل شعب من هذه الشعوب قومية غير قوميات الشعوب الأخرى ، ولغة غير لغاتها ، فكانت قومية الفرس في فارس غير قومية الروم في الشام ، وغير قومية القبط في مصر ، وغير قومية البربر في شمالي افريقيا ، وكانت عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم مختلفة . وما أن استظلت بالحكم الإسلامي ، وفهمت الإسلام ، حتى دخلت الإسلام كلها ، وأصبحت جميعها أمة واحدة ، هي الأمة الإسلامية . ولذلك كان نجاح القيادة الفكرية الإسلامية في صهر هذه الشعوب والقوميات نجاحاً منقطع النظير ، مع أن وسيلة المواصلات في حملها هي الناقة والجمل ، ووسيلة نشرها اللسان والقلم . أما الفتح فكان لإزالة القوة بالقوة ، وكسر الحواجز المادية ، حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم إليه العقل ، أو تهديهم إليه الفطرة ، ولذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً . أما الفتح الجائر فإنه يباعد بين الفاتح والمفتوح ، والغالب والمغلوب ، وما أمر استعمار الغرب للشرق عشرات من السنين دون أن يظفر بنائل ببعيد ، ولولا أثر من الثقافة المضللة سيمحى ، وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل ، لكان العود إلى حظيرة الإسلام في مبدئه ونظامه أقرب من رد الطرف ... ونعود فنقول : لقد كان نجاح القيادة الفكرية الإسلامية في صهر هذه الشعوب نجاحاً منقطع النظير ، وظلت هذه الشعوب مسلمة حتى اليوم ، بالرغم من طوارئ الاستعمار وخبثه ومكره في إفساد العقائد وتسميم الأفكار ، وستظل حتى تقوم الساعة ، أمة واحد إسلامية . ولم يحصل مطلقاً أن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت الإسلام ارتد عن الإسلام .أما مسلموا الأندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم التفتيش ، وبيوت النيران ، ومقاصل الجلادين ، ومسلموا بخارى والقفقاس والتركستان قد أصابتهم قارعة الذين سبقوهم . وإسلام هذه الشعوب وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها على عقيدتها يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية ، ومبلغ نجاح دولة الخلافة في تطبيق نظام الإسلام .
  • أما الأمر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة ، فهو أن الأمة الإسلامية ظلت أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية وثقافة وعلماً ، وظلت دولة الخلافة أعظم الدول في العالم وأقدرها مدة أثنى عشر قرناً : من القرن السادس الميلادي حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ، وكانت وحدها زهرة الدنيا ، والشمس المشرقة بين الأمم طوال هذه المدة ، مما يؤكد نجاح هذه القيادة ، ونجاح الإسلام في تطبيق نظامه وعقيدته على الناس . وحينما تخلت دولة الخلافة والأمة الإسلامية عن حمل القيادة الفكرية حين أهملت الدعوة إلى الإسلام ، وقصرت في فهم الإسلام وتطبيقه ، انتكست بين الأمم .

ولهذا نقول أن القيادة الفكرية الإسلامية هي وحدها الصالحة ، وهي وحدها التي يجب أن تحمل للعالم . وإذا تحققت دولة الخلافة التي تحمل هذه القيادة فسيكون نجاح هذه القيادة اليوم كما كان بالأمس .

قلنا إن الإسلام يوافق فطرة الإنسان فيما انبثق عنه من نظم ، ولهذا لا يعتبر الإنسان كائناً صناعياً يعيش على المسطرة ، ويطبق النظام بلا تفاوت بالقياس الهندسي الدقيق ، بل يعتبر الإنسان كائناً اجتماعياً يطبق النظام ككائن اجتماعي تتفاوت فيه القوى والخاصيات ، فمن الطبيعي من جهة أن يقارب بين الناس ولا يساوي ، مع ضمان الطمأنينة للجميع ، ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث الآن أن يشذ على هذا الاعتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد فيخالفونه ، وأن لا يستجيب لهذا النظام أفراد ، وأن يتولى عن هذا النظام أفراد ، ولذلك كان لا غنى عن أن يكون في المجتمع فساق وفجار ، وأن يكون فيه كفار ومنافقون ، وأن يكون فيه مرتدون وملحدون ، ولكن العبرة بالمجتمع بمجموعه من حيث كونه أفكاراً ومشاعر وأنظمة وناساً ، فيعتبر مجتمعاً إسلامياً يطبق الإسلام ، حين تبدو فيه هذه الأشياء إسلامية .

والدليل على ذلك أنه لا يمكن لأحد أن يطبق نظاماً كما طبق محمد رسول الله نظام الإسلام ، ومع ذلك فقد وجد في أيامه كفار ومنافقون ووجد فساق وفجار ، ووجد مرتدون وملحدون ، ولكن لا يستطيع أحد إلا أن يقول جازماً : إن الإسلام كان مطبقاً تطبيقاً كاملاً ، وان المجتمع كان إسلامياً . ولكن هذا التطبيق كان على الإنسان الذي هو كائن اجتماعي ، وليس كائناً صناعياً .

ولقد ظل الإسلام يطبق وحده على الأمة الإسلامية بكاملها - عرباً وغير عرب - منذ أن استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة ، إلى أن احتل الاستعمار بلاد المسلمين ، فاستبدل به النظام الرأسمالي .

وعلى ذلك فالإسلام طبق عملياً منذ السنة الأولى للهجرة حتى سنة 1336 هجرية الموافق سنة 1918 ميلادية . ولم تطبق الأمة الإسلامية طوال هذه المدة أي نظام سوى الإسلام .

حتى أن المسلمين مع كونهم قد ترجموا للعربية الفلسفة والعلوم والثقافات الأجنبية المختلفة ، لكنهم لم يترجموا أي تشريع أو قانون أو نظام لأي أمة مطلقاً ، لا للعمل به ، ولا لدراسته . إلا أن الإسلام بوصفه نظاماً كان يحسن الناس تطبيقه أو يسيئون هذا التطبيق ، تبعاً لقوة الدولة وضعفها ، وتبعاً لدقة فهمها أو مزايلتها للفهم ، وتبعاً لقوة حمل القيادة الفكرية أو التراخي فيه ، ولذلك كانت إساءة تطبيق الإسلام في بعض العصور تجعل المجتمع الإسلامي منحدراً بعض الانحدار ، ولا يخلو منه أي نظام ، لأنه يعتمد في تطبيقه على البشر ، ولكن إساءة التطبيق لا تعني أن الإسلام لم يطبق ، بل المقطوع فيه أن الإسلام طبق ، ولم يطبق غيره من المبادئ والنظم ، إذ أن العبرة في التطبيق للقوانين والأنظمة التي تأمر الدولة بالعمل بها ، ولم تأخذ دولة الخلافة أي شيء من ذلك من غير الإسلام ، وكل الذي حصل هو إساءة تطبيق لبعض نظمه من قبل بعض الحكام . على أن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً أنه يجب علينا حين نستعرض تطبيق الإسلام من التاريخ أن نلاحظ شيئين اثنين :

  • أما أولهما فيجب أن لا نأخذ هذا التاريخ عن أعداء الإسلام المبغضين له ، وأن نأخذه بالتحقيق الدقيق من المسلمين أنفسهم ، حتى لا نأخذ الصورة المشوهة .
  • والشيء الثاني هو أنه لا يجوز أن نستعمل القياس الشمولي على  المجتمع في تاريخ الأفراد ، ولا في تاريخ ناحية من المجتمع ، فمن الخطأ أن نأخذ العصر الأموي من تاريخ يزيد مثلاً ، وأن نأخذ تاريخ العصر العباسي من بعض حوادث خلفائه ، كذلك لا يجوز أن نحكم على المجتمع في العصر العباسي من قراءة كتاب الأغاني الذي ألف لأخبار المجان والشعراء والأدباء ، أو من قراءة كتب التصوف وما شاكلها ، فنحكم على العصر بأنه عصر فسق وفجور ، أو عصر زهد وانعزال ، بل يجب أن نأخذ المجتمع بأكمله . على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع الإسلامي في أي عصر ، وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام وبعض المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثقات ، وكلهم إما قادح أو مادح ، ولا يقبل لواحد منهما قول .