في 27 رجب 1342 هـ الموافق 03/03/1924 مـ هُدمت دولة الخلافة، ولكن بنعمة وفضل من الله العزيز الرحيم، فقد حفظ هذه الأمة إذ حفظ الإسلام، دينها وعزها ومجدها... فالإسلام لا يُهدم ولا يُهزم، وإن هُدمت دولة المسلمين على غفلة وكبوة منهم...

وإن كان ذلك المصاب الجلل عظيم في الآخرة والدنيا، في حقيقته وفي أثره... فدولة الخلافة هي الطريقة الشرعية لتطبيق الإسلام في واقع الحياة، وهي الطريقة الشرعية لحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فلذلك كان المصاب عظيم، وعظيم جدا. ولكن الأمم والدول والنهضة إنما بالأساس الذي تقوم عليه في أفكارها ونظمها وحضارتها ودستورها وقوانينها وكل شيء فيها... وهذا محفوظ لأمة الإسلام، فهو عقيدة الإسلام وشريعته التي انبثقت عن تلك العقيدة الراسخة في العقول والقلوب!

وبعد عقود على ذلك المصاب العظيم ها هي الأمة أفاقت من غفلتها، وشقت الطريق إلى عزها، فتعالت الأصوات في ميادينها ومساجدها " الأمة تريد خلافة من جديد"، وإن صمت وعميت آذان إعلام الرأسمالية- ومنها الديمقراطية والعلمانية والمدنية-، فلا أعمى ممن لا يريد أن يرى، ولا أصم ممن لا يريد أن يسمع... بل وإن دعوة استئناف دولة الخلافة أرقت أأمة الكفر - الرأسمالية ومنها الديمقراطية والعلمانية والمدنية- وأذنابهم، ففضحت ألسنتهم خوفهم ومكرهم من بزوغ فجر الخلافة من جديد، وما تخفي صدورهم أعظم... سواء من الخوف من عودة الخلافة أم من مكرهم الذي طال البشر والحجر والشجر في بلاد المسلمين، بل وفي العالم... ما يجعل عودة الخلافة ليس فريضة شرعية على المسلمين فحسب، بل وضرورة إنسانية للخلاص من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، في دولة خلافة لا شرقية ولا غربية، وإنما إسلامية نبوية!

وأننا نستشعر أن الأمة بدأت تدب الحياة فيها من منذ عقود، وها هي الأمة كادت تستعيد راية عزها ومجدها، فتستأنف الحياة الإسلامية في دولة خلافة على منهاج النبوة، وهذا ليس وهما ولا أماني، ولا تشهد به أفعال وتصريحات الأعداء وأبواقهم فحسب، بل مستبشرين بتحقيق وعد الله إذ قال وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ وبشرى عبد ورسوله محمد  إذ قال " تَكونُ النُّبوَّةُ فيكُم ما شاءَ اللَّهُ أن تَكونَ ، ثمَّ يرفعُها اللَّهُ إذا شاءَ أن يرفعَها ، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على منهاجِ النُّبوَّةِ ، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها ، ثمَّ يَكونُ مُلكًا عاضًّا ، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها ، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على مناهج نبوَّةٍ ثمَّ سَكَتَ " ... مستيقنين بصدق وعد الله وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ  ومبصرين لما يحاول أعداء الإسلام من طمسه والتعتيم عليه من الخير في هذه الأمّة ليثبطوا عزمتها عموما وعزيمة الذين أخذوا على عاتقهم حمل هذه الأمانة دون مساومة ولا مهادنة، دعوة نقية جلية لا تقبل التأويل، خلافة على مناج النبوة رغم كيد الكائدين وتآمر المتآمرين إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( 36 ) ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ( 37 ) ، فمن كان توكله على الله فهو حسبه، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 40 الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ،

الخلافة هي الحصن الحصين والحبل المتين وأمن الآمنين وملاذ الخائفين وقبلة التائهين فيها عدالة السماء وفيها الرغد والهناء ، هي القصاص والحياة وهي المعاش والثبات هي السبيل لإعلاء كلمة الله .

الخلافة أيها الأخوة هي الدولة الإسلامية وهي خليفة يطبق الشرع، وهي كيان سياسي تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، ولحمل دعوته رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

فالخلافة هي درة تاج الفروض وبضياعها تغيض الأمة عن الوجود ، فالخلافة تقيم فينا شرع الله والحدود كما بين البشير النذير (لحد يقام في الأرض خير من ان تمطروا اربعين ليلة) وبالخلافة تحمل الدعوة عبر الحدود (لغزوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ) فالخلافة كلها خير في خير بل هي –والله- جماع الخير .

ولما هدمت الخلافة قطعت أوصال الأمة وشتت قواها ، فأصبحت مهزومة مدحورة ، تقف مشدوهة لا تلوي على شيء ، خيراتها منهوبة وسلطانها مغصوب ، معدومة السيادة ، فاقدة الريادة ، موقعها في ذيل الأمم ، قطيعاً مرسلاً ، حكامها عبيد ، نهب لمن يريد ، خارت منهم القوى وضعفت العزائم ، لا يجمع شملهم إمام ولا يقودهم هُمام ، لا تجمعهم دولة ، جثة هامدة ، لا حول فيها ولا قوة ، تستجدي الكفار فتات العيش وقد حباهم الله  كنوز الأرض جميعا ، وفيهم عقيدة الإسلام وبين أيديهم كتاب الله وسنة رسوله لا ينقصهم عدة ولا عدد .
يا أيها الذين آمنوا :

إن الكرب الذي أصاب الأمة الإسلامية لم يكن له مثيل عبر القرون الماضية ولم يضاهيه كرب أو خطب وما ذلك إلا لأن الخلافة قد هدمت ففقدت الأمة بهدمها عافيتها وأمل خلاصها ما لم تعيد بناءها من جديد ، لقد كانت الخطوب كلما تقع على أمة الإسلام تسقط الأمة صريعة لها هنيهات ولكنها سرعان ما تفيق من هول الصدمة فتعود الى رشدها وتلتف حول دولتها وتشد من عضدها فتقويها وتقوى بها فتعود عزيزة منيعة، وتلك الحروب الصليبية الأولى مثالاً على ما نقول وتلك حرب التتار ، ولكن لما فقدت الأمة الخلافة ما عاد لها من ملجأ ولا مهد في لها سبيل بل غُلّقت في وجهها الأبواب وتنكبت بها الدروب فخارت منها العزائم وتحطمت منها القوى ،
والأمثلة والشواهد على ذلك عصية على الإحصاء ،

فمنذ أن هدمت الخلافة وبلاد المسلمين ممزقة الى ست وخمسين قصعة ، ووزنها السياسي يؤول الى الصفر لا بل لا وزن لها، بلادها محتلة فتلك بغداد حاضرة الخلافة قد دنسها كلاب بوش وتلك كابول وبغداد وغروني وكشمير وقبرص والأندلس و فلسطين وقد عاث فيها أعداء الله يهود الفساد ، يقتلون أبناءها ويستحيون نساءها ويعتقلون شيوخها وصبيانها ويلتهمون أرضها دون أن يتحرك لحكام المسلمين جفن بل قل إنهم قد تآمروا عليها وقدموها لقمة سائغة ليهود .
ومنذ أن هدمت الخلافة وخيرات المسلمين نهب لكل طامع فالنفط نهب للدول الكبرى الإستعمارية وشركاتها والغاز والمعادن والذهب بل وصل الحال الى حد سرقة التراب .
ومنذ أن هدمت الخلافة ما عاد في المسلمين معتصم يذود عن أعراضهم ويذود عن حياضهم فانتهكت أعراضهم ومرغت كرامة المسلمين في التراب في البوسنة والعراق وفي فلسطين حتى ما عاد حكام المسلمين يقيمون لدماء المسلمين وزناً فذاك حاكم ليبيا الذي باع دماء أبناء المسلمين بدراهم معدودة لا بل بالمجان .
ومنذ أن هدمت الخلافة ، أصاب الأمة الوهن وطمع فيها أعداؤها لا بل والله طمعوا في دينها فتطاولوا على الإسلام وعلى القرآن وعلى الرسول الأكرم فتلك تصريحات البابا وتلك اهانتهم للقرآن في سجن غوانتنامو وتلك رسومهم الكاركاتورية المسيئة لخير البشر ، فأي هوان وصلت إليه حال الأمة ؟
• لا بل تعدَ الأمر اهانة الكفار لهذا الدين حتى برز من بين ظهراني المسلمين من يبرر أفعالهم ويلتمس لهم الاعذار ، فيعتلي المنابر والإعلام علماء سلاطين يبررون منع الحجاب ويلون أعناق النصوص ليجدوا فسحة للتواصل مع الكافرين تحت مسميات عدة وذرائع شتى من حوار الأديان الى حوار الحضارات الى حقوق الإنسان وغيرها.

يا أيها الذين آمنوا :

مآسي ونكبات مصائب وملمات تكاد لا تجد لها حصراً ولا تجد لها نهاية ، فهل الى خلاص من سبيل ؟
إن المتتبع لقضايا الأمة يصل الى حقيقة مفادها أن لا خلاص لهذه الأمة ولا حل لجميع قضاياها سوى بعودة الخلافة ، بل إن الواقع المحسوس ليدل على هذا دلالة قطعية لا لبس فيها بل إنه ليؤكد أن السير في غير هذا الحل الجذري قد قاد الأمة الى الهوان والذل وإضاعة الوقت والجهد ولم تتقدم الأمة في أي من قضاياها ولو سنتيمترا واحدا لا بل قادها ذلك الى التراجع والانتكاس، والشواهد على ذلك كثيرة

  • ففي فلسطين كانت القضية في المحتل عام 48 وبدل السير في الحل الشرعي باستئصال كيان يهود عمد اطراف اللعبة السياسية فيها الى الارتماء في أحضان المخططات الدولية من شرقية او غربية من أمريكية وأوروبية فتاهت القضية في سردايب مظلمة فتمكن الكفار من أن يجهزوا عليها فتآكلت ولم يتبق منها سوى تعويضات وكنتونات وثُبت كيان يهود ورُسخت أوتاده .
  • وفي السودان ، لما رضي حكام السودان في السير في المخططات الدولية مزقت أوصاله وقسم قصعات قصعات فذاك شمال وذاك جنوب وغدا دارفور فوادي النيل .
  • وفي أندونيسيا وفصل تيمور الشرقية عنها بعد ان خضعت للقرارات الدولية وغدا اقيم اتشي .
  • الى العراق وافغانستان والاستعانة بقوى الكفار التي احتلتهما .
  • وغني عن القول ما تعانيه الأمة من فقر مركب نتج عن خضوع دول العالم الإسلامي لإملاءات البنك الدولي والصندوق الدولي .

 

يا أيها الذين آمنوا :

 

  • منذ أن هدمت دولة الخلافة والأمة على هذه الحال،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة والأمة تقدم التضحيات تلو التضحيات دون أن تجني ثمرتها ،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة والأمة أصحبت كالكرة تتقاذها أيدي الكافرين ،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة وقضايا الأمة بيد أعدائها ،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة والأمة كالأيتام على مآدب اللئام ،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة وقد نزع الله المهابة من قلوب أعدائنا منا ،
  • منذ أن هدمت دولة الخلافة وقد أصابنا الوهن ، فهل آن الأوان لأبناء خير أمة أن يتداركوا أمتهم؟، هل آوان الآوان لأحفاد خالد وصلاح الدين وأبا عبيدة أن يعيدوا أمجاد أجدادهم العظام بإقامة الخلافة التي تحرر البلاد والعباد وتقيم الدين وتحمي البيضة والكرامة؟

بلى والله لقد آن و إلا فمن للمسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم وهم يقتلون صباح مساء في الصومال والعراق وفلسطين وكشمير والشيشان وافغانستان غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم في سوريا وأوزبيكستان وبورما وأعراضهم منتهكة ونساؤهم يستصرخن صباح مساء وامعتصماه واإسلاماه واخليفتاه غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم ليعيد المسلمين الى صدارة الأمم فيحملوا رسالة الإسلام رسالة هدى وخير للبشرية جمعاء غير الخلافة ؟

بدولة الخلافة بإذن الله


سَنُعِيْدُ أَلـوَانَ السَّعَـادَةِ مِثْلَمـا الصُّبْـحُ انْفَطَـرْ
وَنُجَـدِّدُ الدُّنْيـا كَمَـا كَانَـتْ بِأَنْغَـامِ السَّـحَـرْ
وَنَـرُدُّ لِلكَـوْنِ المُلَـوَّثِ صَفْـوُهُ بَعْـدَ الـكَـدَرْ
فَتَفِيْـضُ بِالخَيْـرِ السَّمَـاءُ وَبِالبِشَـارَةِ وَالمَطَـرْ
هَذَا جَـزَاءُ العَامِليْـنَ بِـهِ يُكَلَّـلُ مَـنْ صَبَـرْ
وَعَطَاءُ رَبِّ العَالمَيْنَ هِيَ الجِنَـانُ لِمَـنْ شَكَـرْ
وَقُلْ اعْمَلُوْا وَتَيَقْنُوْا .. فَلَسَوْفَ يَحْصِدُ مَـنْ بَـذَرْ

اللهم استعملنا في تحقيق وعدك باستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحيات منا، في دولة خلافة على منهاج النبوة، بشرى عبدك ورسولك محمد ، تمكّن بها لنا ديننا الذين ارتضيت لنا، وتبدلنا من بعد خوفنا أمنا، وتحفظ بها حرمات الإسلام والمسلمين، وتظهر ديننا على الدين كله، ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، ولو كره المنضبعون بهم، ولو كره العلمانيون، ولو كرهوا كلهم أجمعون!

اللهم يا من نصرت موسى إذ قال له قومه إنا لمدركون، ويا من نصرت عبدك ورسولك محمد إذ قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، نسألك يا عزيز يا رحيم دولة خلافة على منهاج النبوة يدخل الناس فيها في دين الله أفواجا، فيخرجون من عبادة العباد إلى عبادتك وحدك يا رب العالمين، ومن جور الرأسمالية إلى عدك الإسلام يا عليم يا حكيم يا الله ...

اللهم استعملنا في تحقيق هذا الفضل يا ذا الفضل العظيم، فلا فضل إلا فضك، تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء، وتذكل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، وإنك أنت العزيز الرحيم... آمين