من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

نظام الذهب

تسير الدولة على نظام الذهب إذا كانت هذه الدولة تستعمل عملة ذهبية في معاملاتها الداخلية والخارجية، أو إذا كانت تستعمل في الداخل عملة ورقية قابلة للتحويل إلى ذهب، إما للاستعمال في الداخل والدفع إلى الخارج، أو للدفع إلى الخارج فقط.

على أن يكون هذا التحويل بسعر ثابت؛ أي أن تكون الوحدة الورقية قابلة للتحويل إلى كمية معينة من الذهب وبالعكس بسعر محدود. وطبيعي في مثل هذه الحالة أن تظل قيمة العملة في البلد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقيمة الذهب. فإن ارتفعت قيمة الذهب بالنسبة للسلع الأخرى ارتفعت قيمة العملة بالنسبة للسلع الأخرى. وإن انخفضت قيمة الذهب بالنسبة للسلع انخفضت قيمة العملة.

والنقد في الأساس الذهبي يستجمع صفة خاصة وهي أن الوحدة النقدية مرتبطة بالذهب بتعادل معين؛ أي أنها تتألف قانوناً من وزن معين من الذهب. واستيراد الذهب وتصديره يجريان بحرية بحيث يجوز للناس حوْز النقد أو السبائك الذهبية أو التبر وتصديرها بحرية.

وبما أن الذهب يتجول بحرية بين البلاد المختلفة فلكل شخص الخيار بين شراء النقد الأجنبي وبين إرسال الذهب، وإنما يختار الوسيلة الأقل كلفة، فما دام سعر الذهب مضافاً إليه تكاليف إرساله أعلى من سعر النقود الأجنبية في السوق، فإرسال النقد الأجنبي (القطع) أفضل. أما إذا تجاوز سعر الصرف هذا الرقم فالأفضل أخذ الذهب من التداول وإرساله.

 

 

فوائد نظام الذهب لجعله نقداً عالمياً

إن فوائد نظام الذهب إذا قيست بنظام الورق وغيره من الأنظمة تجعل من المحتم أن يكون نظام الذهب للنقد عالمياً، ولا تجيز هذه الفوائد أن يكون غيره من الأنظمة نظاماً للنقد. وقد سار العالم كله منذ عُرف النقد حتى الحرب العالمية الأولى على نظام الذهب ونظام الفضة ولم يُعرف غيرها نظاماً. ولكن لما افْتَنَّ المستعمرون بأساليب الاستعمار الاقتصادي والاستعمار المالي واتخذوا النقد وسيلة من وسائل الاستعمار حوّلوا النقد لأنظمة أخرى، واعتبروا الودائع المصرفية والنقود الورقية الإلزامية التي لا تستند إلى الذهب أو الفضة من كمية النقود، كما اعتبروا الذهب والفضة من كمية النقود. ومن هنا صار لا بد من بيان فوائد نظام الذهب، ومن أهم هذه الفوائد ما يلي:

  • 1- إن الأساس الذهبي يفترض حرية تداول الذهب واستيراده وتصديره، الأمر الذي يفترض دور استقرار نقدي ومالي واقتصادي، وفي هذه الحال لا تعدو عمليات الصرف أن تكون ناشئة عن مدفوعات خارجية تسدد أثمان البضائع وأجور المستخدَمين.
  • 2- إن نظام الذهب معناه ثبات سعر الصرف بين الدول، وينجم عن ثبات سعر الصرف تقدُّم في التجارة الدولية لأن التجار لا يخشون التوسع في التجارة الخارجية، لأن سعر الصرف ثابت، فلا خوف من توسع تجارتهم.
  • 3- في النظام الذهبي لا يمكن للبنوك المركزية أو للحكومات التوسع في إصدار ورق النقد، إذ طالما أن ورق النقد قابل للتحويل إلى ذهب بسعر محدود فإن السلطات المختصة تخشى إن توسعت في الإصدار أن يزداد الطلب على الذهب وأن تعجز عن مواجهة هذا الطلب، لذا فهي تحتفظ بنسبة معقولة بين ما تصدره من ورق النقد وبين احتياطياتها من الذهب.
  • 4- تتحدد كل عملة من العملات المستعملة في العالم بمقدار معين من الذهب، ويسهل حينئذ انتقال البضائع والأموال والأشخاص من بلد إلى بلد، وتذهب صعوبات القِطَع والعملات النادرة.
  • 5- يُحفظ لكل دولة ثروتها الذهبية، فلا يحصل تهريب الذهب من بلد إلى آخر، ولا تحتاج الدول إلى أي مراقبة للمحافظة على ثروتها لأنها لا تنتقل منها إلاّ بسبب مشروع، إما أثمان سلع أو أجور مستخدَمين.

هذه بعض فوائد نظام الذهب، وهي كلها تحتم أن يسير العالم على نظام الذهب، ولذلك لا عجب أن رأينا العالم كله يسير عليه حتى الحرب العالمية الأولى، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى كان النظام النقدي السائد في العالم يقوم على قاعدة الذهب، وكانت النقود المتداولة -إذ ذاك- عبارة عن قطع ذهبية وأوراق نقدية تقبل التحويل إلى قيمتها من الذهب، وكان معه نظام الفضة أيضاً، وقد كان لتطبيق هذا النظام أطيب الأثر في العلاقات الاقتصادية، ولكن حين أُعلِنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 عمدت الدول المتحاربة إلى اتخاذ إجراءات جعلت نظام الذهب يضطرب، فمنها من أوقف قابلية تحويل عملاتها إلى ذهب، ومنها من فرض القيود الشديدة على تصدير الذهب، ومنها من صار يعرقل استيراده، حتى جاء عام 1971م فأعلنت أمريكا وقف العمل بنظام الذهب وفك الارتباط بين الذهب والدولار فصار الذهب من ذلك الوقت لا علاقة له بالنقد وإنما هو مجرد سلعة من السلع وقد أرادت أمريكا من وراء ذلك جعل الدولار الأساس النقدي في العالم حتى تتحكم في السوق المالية الدولية وتهيمن عليها وبذلك لم يعد نظام الذهب معمولا به في العالم ، فاختل النظام النقدي وتقلبت أسعار الصرف،ومن هنا بدأت العراقيل وبدأت الصعوبات في انتقال النقود والسلع والأشخاص.

 

 

مشاكل نظام الذهب

حين كان نظام الذهب عالمياً لم تكن أي مشكلة لنظام الذهب، وإنما طرأت المشاكل من يوم أن أخذت الدول الكبرى تحاول ضرب أعدائها عن طريق النقد، وحين جعلت مع نظام الذهب نظام النقد الورقي الإلزامي، وحين أوجدت الدول الاستعمارية الغربية صندوق النقد الدولي، وحين جعلت أمريكا الدولار أساس النظام النقدي، ولذلك توجد أمام الدولة التي تستعمل نظام الذهب مشاكل لا بد من معرفتها لمعرفة حلها والتغلب عليها، وهذه المشاكل هي:

  • 1- تركُّز الذهب في الدول التي زادت قوتها على الإنتاج ومقدرتها على المنافسة في التجارة الدولية أو نبوغها في الخبراء والعلماء والصناعيين، وهذا يجعل الذهب يصب فيها إما ثمناً للسلع وإما أجوراً للمستخدَمين من الخبراء والعلماء والصناعيين، فتصبح كمية الذهب الموجودة في العالم مكدسة أكثرها في هذه البلدان، فيختل حينئذ توزيع الذهب بين الدول، وينتج عن هذا أن تخشى الدول من تسرب الكمية التي لديها من الذهب، فتمنع خروجه منها، فتقف حركة تجارتها الخارجية.
  • 2- إن بعض الدول يتسرب إليها الذهب نتيجة لاتجاه الميزان الحسابي في مصلحتها، ولكنها تمنع هذا الذهب الذي دخل إليها من التأثير في السوق الداخلية ومن رفع مستوى الأسعار فيها، وذلك إذ تضع في السوق كمية من السندات تكفي لسحب مبلغ من النقود معادل لمقدار ما ورد إليها من الذهب، فيبقى الذهب عندها ولا يخرج منها فلا يرجع للبلاد التي أصدرته فتتضرر من نظام الذهب.
  • 3- إن انتشار نظام الذهب كان مقروناً بفكرة التخصيص بين الدول في نواحي الإنتاج المختلفة وعدم إقامة العراقيل في سبيل التجارة بينها، إلاّ أنه قد ظهرت في الدول اتجاهات قوية نحو حماية الصناعة والزراعة فيها، وفرضت حواجز جمركية، فصار يتعسر إدخال سلع لهذه الدولة ليخرج الذهب منها، ولذلك تتضرر الدولة التي تسير على نظام الذهب، لأن هذه الدولة إن لم تتمكن من إدخال بضائعها لغيرها بالسعر العادي فإنها إما أن تضطر إلى تخفيض مستوى أسعار بضاعتها تخفيضاً إضافياً لتتغلب على الحواجز الجمركية أو لا تدخل بضاعتها إليها، وفي هذا خسارة عليها.

هذه هي أهم المشاكل التي يتعرض لها نظام الذهب إذا استعملته الدولة الواحدة أو استعملته دول متعددة.

 

 

طريق التغلب على مشاكله

وطريق التغلب على هذه المشاكل هو:

  • 1- أن تكون السياسة التجارية تقوم على الاكتفاء الذاتي،
  • 2- وأن يكون أجر الأُجَراء مقدراً بمنفعة جهدهم لا بثمن السلع التي ينتجونها ولا بحسب مستوى المعيشة لهم،
  • 3- وأن لا تعتبر السندات المالية ولا الأسهم مالاً مملوكاً للأفراد في بلادها،
  • 4- وأن تقلل الدولة من الاعتماد على التصدير في إنتاج ثروتها، بل تعمل لجعل إنتاج الثروة يأتي داخلياً دون حاجة إلى سلع أو مستخدَمين تذهب إلى الخارج، وبهذا لا تؤثر عليها الحواجز الجمركية.

ومتى سارت الدولة على هذه السياسة فإنها تسير على نظام الذهب وتكسب جميع فوائده وتتجنب مشاكله ولا يصيبها منه أي ضرر، بل على العكس يصبح من مصلحتها ومن المحتم عليها اتباع نظام الذهب والفضة ليس غير.