إلى خير أمة أخرجت للناس، إلى كل المسلمين في كل مكان على هذه المعمورة...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

وإننا لنسأله سبحانه أن يتقبل من المسلمين الصيام والقيام وأن يغفر الله سبحانه لنا أجمعين ما تقدم من ذنبنا كما قال  صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

أيها الأخوة الكرام لقد فرض الله سبحانه في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة صيام شهر رمضان، وهو شهر أنزل الله فيه القرآن ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ))، كما أنه شهر أكرم الله فيه الأمة بالنصر والفتح المبين، فكانت معركة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان حيث اهُزم فيها مشركو مكة هزيمة كبيرة... ثم كانت معارك فاصلة أخرى في هذا الشهر الكريم ابتداء من فتح مكة المكرمة في العشرين من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة للهجرة إلى معركة البويب "قرب مدينة الكوفة حالياً" التي هي يرموك فارس حيث انتصر المسلمون بقيادة المثنى في الرابع عشر من رمضان سنة إحدى وثلاثين للهجرة، ثم فتح عمورية بقيادة المعتصم في السابع عشر من رمضان سنة مئتين وثلاث وعشرين للهجرة، ومعركة عين جالوت التي هَزَمَ المسلمون فيها التتارَ في الخامس والعشرين من رمضان سنة ست مئة وثمانٍ وخمسين للهجرة إلى غيرها من الانتصارات في هذا الشهر الكريم...

وهكذا اقترن الصيام بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه... واقترن الصيام بالفتح والنصر... اقترن الصيام بالجهاد... اقترن الصيام بتطبيق أحكام الله... وعلم كل صاحب بصر وبصيرة أن أحكام الله سبحانه لا ينفصل بعضها عن بعض، سواءٌ أكانت عبادات أم جهاداً أم معاملات أم أخلاقاً وسلوكاً، أم حدوداً وجنايات... فكلها من مشكاة واحدة، ومن يتدبَّر آيات الكتاب الكريم يجد ذلك واضحاً بيّناً، وهو ظاهر هنا كذلك في آيات الصيام وما قبلها وما بعدها، وإليكم البيان:

لقد أنزل الله سبحانه آيات الصيام في سورة البقرة الجزء الثاني في الربع الثاني منه الذي يبدأ بقوله سبحانه ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ...)) إلى قوله سبحانه ((أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ))، وبتدبر هذه الآيات يتبين أنها اشتملت على أحكام البر والإيمان، والقصاص، والوصية، وآيات الصيام، والدعاء... والحكام وأكل المال بالباطل، ثم القتال في سبيل الله والحج. فكانت أحكام الله آخذا بعضها برقاب بعض، فلا فرق بين حكم وحكم ولا بين واجب وواجب، فالذي بيّن العبادات هو سبحانه الذي بيّن المعاملات والعقوبات والسياسة والجهاد، وبيّن الأخلاق والمطعومات والملبوسات وغيرها، وهي على وجهها في القوة نفسها من حيث التنفيذ والالتزام، فالفرض في العبادات كالفرض في المعاملات مثل الفرض في العقوبات ومثل الفرض في بيعة الخليفة والجهاد وسائر الأحكام، لا يصحّ الفصل بينها بحال فالإسلام كلّ لا يتجزأ والدعوة إليه واحدة لتطبيقه في الدولة والحياة والمجتمع، وعليه فمن فصل بين آيات الله، وقال بفصل الدين عن الحياة، أو بفصل الدين عن السياسة، فقد ارتكب إثماً عظيماً وجريمة كبرى تقود صاحبها إلى الخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

وفي الختام فإن الله سبحانه قد ذكر الدعاء بين آيات الصيام الخمس في سورة البقرة، فقال سبحانه: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) والفصل بين المتلازمين دليل على عظمة الفاصل، فالله سبحانه قد أمر بالصيام، ثم أمر بالدعاء، ثم أكمل آيات الصيام لتعظيم شأن الدعاء، فأكثروا من الدعاء في رمضان، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الشريف الذي أخرجه أحمد عن أبي هريرة قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»، فذكر الدعاء بين آيات الصيام دلالة على الحث عليه في شهر الصوم وبيان لفضله وبشرى بالإجابة فالله قريب مجيب.

وخاتمة الختام فإننا كما يجب أن نحرص على الصيام ليرضى الله عنا ويغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا، فيجب أن نحرص كذلك على العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة لنكون من الفائزين في الدنيا بتطبيق أحكام الله، المستظلين براية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، راية العُقاب، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونكون من الفائزين في الآخرة كذلك بإذنه سبحانه، المستظلين بظله يوم لا ظل إلا ظله، وإننا نسأله سبحانه أن يتقبل منا الصيام والقيام في هذا الشهر الكريم الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وأن لا يأتي علينا شهر رمضان القادم إلا وتكون الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قد أظلتنا وأعزتنا وعادت الأمة بها خير أمة أُخرجت للناس ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))، ويكون الخليفة فينا كما قالصلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ...» أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، ويكون الخليفة قد قضى على الطغاة في أرض الشام، وأنقذ المسلمين فيها، الشيوخ والنساء والأطفال، من دنس الطغاة والظالمين... ونكون من ورائه لإزالة كل الطغاة من أرض الإسلام، وتطبيق أحكام الإسلام فيها، فتزول الفتن في مصر وغير مصر الناتجة عن عدم تطبيق أحكام الله سبحانه... ومن ثم يقودنا لتحرير فلسطين كل فلسطين من رجس دولة يهود، فتعود القدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجه عزيزة كريمة بالإسلام، وبجند الإسلام... ونقاتل من ورائه كذلك لتحرير كشمير، وباقي بلاد المسلمين المحتلة من الكفار المستعمرين، فلا يبقى شبر من أرض الإسلام إلا ويستظل براية الإسلام، ((وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته