كيف هدمت دولة الخلافة؟الجولة الأولى في ثورة مصطفى كمال

ومهما يكن من أمر فقد سارت الثورة في مد وجزر. كان الإنجليز يضطرون فيها لإنقاذ مصطفى كمال من السقوط حين يشرف عليه، ففي أول الأمر صادفت نجاحاً، فقد انضم القواد الشبان إلى مصطفى كمال، وأعلنوا استعدادهم لاتباعه، كما انضم إليه قادة من كبار القواد ولكن اشترطوا عليه عدم المساس بالخلافة، وبعد أن انضم إليه القواد وأصبحت لديه قوة أراد أن يؤلف حكومة في الحال. فاستدعى رفعت باشا من سيواس، وكان رفعت من عشاق الأفكار الغربية، وممن يهيم بحب الأوروبيين هياماً عظيماً، ودعا علي فؤاد قائد الجيش المعسكر في أنقرة، وكان علي فؤاد هذا من العسكريين المثقفين ثقافة عسكرية جيدة، كما كان في السياسة من أمهر الساسة. وحضر مع علي فؤاد رفعت باشا وكان قد استقال من وزارة البحرية.

وعقد اجتماع سري بين القادة تولى فيه عارف مهمة تسجيل أحاديث المجتمعين. فأدلى مصطفى كمال بوجهه نظره، وبسط آراءه، فوافقه الجميع على أن المقاومة هي الأمل الوحيد، فرسموا خطة لتنفيذها تتلخص في أن يضاعفوا وينظموا العصابات غير النظامية التي تواجه أزمير، كي تعرقل وتعوق تقدم القوات اليونانية، ووراء هذه المناوشات يعيدون تكوين جيش وطني واحد، نظامي وقوي، على أنقاض الجيوش المتفرقة.

وكان لا بد من وضع خطة لتولي قيادة المقاومة. فاستقر الرأي على أن يتولى علي فؤاد قيادة جميع القوات في الغرب، وكاظم قره بكير قيادة قوات الشرق، ومصطفى كمال قيادة قوات الوسط.

ثم استطرد مصطفى كمال قائلاً: إن الحكومة المركزية والسلطان واقعان تحت سيطرة الأعداء، فينبغي أن نقيم حكومة وقتية هنا في الأناضول. وما كاد يتم هذا الكلام حتى نفروا جميعاً وأظهروا سخطهم وامتعاضهم، فأبدى رؤوف معارضته في اتخاذ أي خطوة من شأنها إغضاب الخليفة، أو حكومته المركزية، وعارضوه جميعاً وقالوا له: إنهم سيكونون معه ما دام يخدم الوطن، ويضحي في سبيل الوطن، ولكنهم يشترطون عليه شرطاً واحداً على الرغم من ثقتهم به، وهو ألا يقوم بأي عمل من الأعمال فيه مساس بحقوق السلطان، أو فيه تجريح لعواطفه، وأكدوا له أنه ينبغي أن تكون الخلافة فوق كل شيء، وأن لا تمس السلطنة بضير.

فاضطر تجاه هذا الإجماع والإصرار إلى النزول عند رأي الناس، وأعلن أن الخلافة سوف لا تمس بسوء، وأعطاهم التأكيدات التي يريدونها. وبدأ بعد ذلك العمل الثوري.

ولكن، لما كانت الثورة بالنسبة لأكثر المنضمين إلى مصطفى كمال، هي ثورة ضد الحلفاء المحتلين وليست ضد السلطان إلا شكلاً. ولما كانت الثورة بالنسبة لمصطفى كمال وحفنة من مشايعيه هي ثورة ضد السلطان حقيقة، لما كان ذلك كذلك اضطر مصطفى كمال لإخفاء نواياه وأعطى التأكيدات بأن لا يمس الخليفة بضرر. لذلك كان لا بد من أن تحصل اشتباكات مع الحلفاء. فحصل حادثان طريفان:

مسرحية احتلال سمسون

أحدهما: أن الإنجليز أعلنوا أنهم مصممون على تحصين سمسون بحامية أقوى لصد الثائرين عن الدنو من البحر، وامتلاك سيواس، فأمر مصطفى كمال رفعت أن يدافع عن سمسون مهما كلفه الأمر، وطلب إليه الوقوف في وجه الإنجليز ومنعهم من إنزال جيوشهم، وانصاع رفعت للأمير، وقصد الميناء ومعه مائة رجل من المسلمين. وكان قد وصل الميناء كولونيل إنجليزي ومعه قوة صغيرة. ولكن رفعت ومن معه دخلوا المدينة ورأوا هذه القوة ولم يحصل أي اصطدام بينهم. وبعد ذلك عاد الكولونيل الإنجليزي ومن معه إلى السفينة الإنجليزية التي كانت مرابطة في الميناء وأقلعوا. وبذلك أعلن للملأ أن القوة الإنجليزية خافت، وأيقن قائدها بأن الأمل ضعيف بنجاح المقاومة فانسحب، وأعلنوا أنه قد نجت سمسون من احتلال الإنجليز، وأن سيواس بقيت بأيدي أبناء البلاد.

اتخاذ ثورة مصطفى كمال صفة الحرب المسلحة

أما الحادث الثاني: فكان مع اليونانيين، وكان الإنجليز يُعدّون اليونانيين ليقعوا في اشتباكات مع الأتراك، فتؤدي هذه الاشتباكات بدورها إلى إثارة حماس أهل البلاد. وكان الإنجليز يضنون بالدم الإنجليزي أن يراق لمثل هذا الغرض ما دام أن هنالك دماً آخر يمكن أن يسفك لتحقيقه، ولهذا كان اليونانيون كبش الضحية في هذه المعارك. وتفصيل الحادث: أن اليونانيين لم يقنعوا بالبقاء في أزمير، وتجاوز حاكم أزمير التعليمات التي لديه بالاقتصار على أزمير، فتقدموا للاستيلاء على ما جاورها، وسار القائد اليوناني في مقدمة جنوده، إلى إقليم أَيْدين، وما إن تحرك الجيش حتى أخذ ينهال الرصاص على الجنود اليونانيين بشكل متتابع، فروعت الفرق اليونانية، واستولى عليها الفزع الشديد، وضاع رشدها. فأخذت تطلق الرصاص على الأهالي الآمنين، فقابل الأتراك الرصاص بالرصاص، وكانت نتيجة هذا القتال غير المنظم أن هزم اليونانيون، فطردهم الأتراك، وأشعلوا النار في الحي اليوناني. فعاد الجيش اليوناني بعد تضاعف عدده، وبعد أن زادت استعداداته الحربية، فاحتل المدنية وأحرق الحي التركي. ثم أخذوا يقومون بتقتيل السكان بوحشية لإنقاص عدد الأتراك، حتى يكونوا أغلبية في أزمير. وكان من جراء ذلك أن حمل الأتراك الذين يستطيعون القتال أسلحتهم، وقصدوا التلال، وأخذوا يحاربون الغزاة. وقامت حروب العصابات بصورة متقطعة. وبذلك ثارت روح البغضاء للإنجليز ولليونانيين، وأقبل الضباط ينضوون تحت لواء مصطفى كمال، وصار يرسلهم إلى القرى ليشعلوا فيها نار الحماسة. وكانت هذه الأنباء تطير إلى العاصمة وتضخم، وأخذ الإنجليز يتظاهرون بالاحتجاج لدى السلطان. ولم تنفع برقيات السلطان لمصطفى كمال واستدعائه، إذ أظهر علناً عصيانه، فأمر بعزله. وأخطر جميع السلطات العسكرية والمدنية بوجوب عصيان أوامره. وأذيع خبر هذا العزل في كل أنحاء البلاد، وشطب السلطان اسمه من قائمة ضباط الجيش، وهدد كل من يتصل به أن يشطب اسمه فوراً. فأصدر مصطفى كمال تعليماته إلى قواد الجيش بأنه في حالة الاستغناء عنهم ينبغي أن لا ينقطعوا عن العمل، على أن يبلغوا السلطان بأن الضابط الجديد الذي تعين لم يحز ثقة الجيش، أو ثقة الشعب، فبقي عاطلاً عن العمل. وظل عدة أسابيع يشجع الأهالي على العصيان، ويبذل كل ما في وسعه لإحباط تدابير الحكومة ومقاومة كل تصرفاتها.

مؤتمر أرضروم

وفي الثالث والعشرين من شهر تموز سنة 1919 اجتمع عدة رجال في بناء صغير، أشبه بمدرسة من مدارس الأرياف، في أحد أحياء (أرضروم) القاصية. وهؤلاء المجتمعون هم نواب الأقاليم الشرقية، وكانوا خليطاً غريباً، فكان بينهم من شغل وظيفة النيابة سابقاً، وكان بينهم الشيوخ، وكبار الموظفين، وزعماء القبائل الكردية، والضباط، وافتتح المؤتمر باسم الأمة. وأول قضية وضعت على بساط البحث قضية رئاسة المؤتمر. فقد وقف أحد الأعضاء وسأل: هل لحضرات الأعضاء أن يدلوا بآرائهم فيما إذا كان يصح لمصطفى كمال أن يترأس هذا المجلس وهو لم ينتخب في زمن من الأزمان نائباً عن أي إقليم من الأقاليم الشرقية؟ فقوطع النائب بمنتهى الشدة، وانتخب مصطفى كمال رئيساً للمؤتمر بالأغلبية الساحقة، واستمر المؤتمر منعقداً أربعة عشر يوماً. وكانت تجري فيه المداولات في جو مضطرب بعيد عن الهدوء. وقد اتخذ قرارات ثم انفض بعد ذلك. فقرر مما قرره ما يلي:

«الأمة وحدة غير قابلة للتجزئة أو الانقسام، وأن الولايات الشرقية كلها مصممة على مقاومة كل احتلال، والوقوف في وجه التدخل الأجنبي. فإذا رفضت حكومة إسطنبول الوقوف مع الشعب وحمايته من الغزو الأجنبي فلا مناص من المطالبة بحكومة أخرى مؤقتة تأخذ على عاتقها إدارة شؤون البلاد، بعد أن تحرجت الحالة إلى هذا الحد».

وقرر الاعتراف اعترافاً صريحاً بأنهم ما زالوا على ولائهم للخليفة السلطان وحيد الدين، وما زالت بيعته في أعناقهم. وقرر تعيين هيئة أعطيت سلطة واسعة سميت «اللجنة النيابية التنفيذية» وكانت مهمتها تنفيذ قرارات المؤتمر، وانتخب مصطفى كمال رئيساً لهذه الهيئة. وأذيعت قرارات المؤتمر فوراً على الأمة، وأرسلت نسخ منه إلى الدول الأوروبية. ثم تقرر عقد مؤتمر سيواس.

غير أن حكومة إسطنبول حين علمت بمؤتمر أرضروم، أصدرت بياناً وزعته على الصحف، وتناقلته جرائد العالم. وقد جاء فيه: «لقد وقعت في الأناضول بعض الاضطرابات، وعقدت اجتماعات من شأنها الإخلال بالنظام، والاعتداء الصريح على الدستور، وقيل عن هذه الجلسات إنها برلمانية دستورية، وهي في الواقع غير برلمانية. لهذا ينبغي على السلطات الحربية والمدنية قمع هذه الحركة قمعاً تاماً، والقضاء على العصاة بمنتهى الشدة والعنف».

ووصلت هذه المنشورات الحكومية إلى السلطات في أرضروم، فكتبت هي بدورها إلى حكومة الآستانة: «إن عقد البرلمان هو من الأمور التي أصبحت ضرورية، ولو كان البرلمان منعقداً لما كانت ثمة حاجة لجلسات من هذا النوع».

وفكرت الحكومة في موقفها الدقيق، ورأت أنها قد حلت المجلس مخالفة بذلك نص الدستور دون أن تعد العدة لإجراء انتخابات جديدة. ولكنها بدأت تحاول اتخاذ التدابير العاجلة الحاسمة للقضاء على الثورة. ورأت تأليف جيش لا يضم إليه إلا الذين أظهروا ولاء حقيقياً. وتم إرسال هذا الجيش للأناضول.

 

الإنجليز يمنعون السلطان من إرسال جيش للقضاء على ثورة مصطفى كمال

ولما علم بذلك الإنجليز منعوا السلطان من ذلك باسم الحلفاء، وقالوا: إن من نصوص شروط الهدنة تسريح الجيش لا تكوينه من جديد، وحاول السلطان إطلاق يده ليقضي على الثورة ولكن الحلفاء منعوه منعاً تاماً. وعندما يقال الحلفاء في هذا الشأن فإنه يعني الإنجليز، لأنهم هم الذين كانوا يستولون على البلاد، والذي كان يتصرف باسم الحلفاء هو المندوب السامي البريطاني ودائرته إلى جانب هارنجتون القائد العام لجيوش الحلفاء.

وحينما رأى السلطان أن الحلفاء لم يسمحوا له بتاتاً بإرسال جيش لإخماد القلاقل طلب إليهم أن يرسلوا هم من يرون لإخمادها، وألح في ذلك إلحاحاً شديداً، فأجابوه قائلين: نحن على الحياد، وليس من صلاحياتنا التدخل في شؤون تركيا الداخلية. وإنه وحده المسؤول عن حفظ النظام إذا أراد أن يقيم على رأس هذه البلاد.

وشعر الداماد فريد باشا بخيبة أمل من الإنجليز، فلجأ السلطان إلى وسائله الخاصة، فدبر مؤامرة للقبض على مصطفى كمال وهو في طريقة إلى سيواس من أرضروم، ولكنها فشلت. إذ علم مصطفى كمال بخبرها فاحتاط للأمر، وتمكن من تبديل الوقت الذي كان ينوي السفر فيه، وتجمعت الجنود فلم تجده في المكان الذي عين لهم، إذ كان قد وصل إلى سيواس قبل ذلك.

مؤتمر سيواس

عندئذ طلب السلطان من غالب بك، وكان من أكبر أنصار السلطان، غزو مدينة سيواس على رأس بعض القبائل الكردية، والقبض على كل أعضاء المؤتمر، ولكنه لم يستطع ذلك. فقد وصل أعضاء المؤتمر من كل أنحاء الأناضول إلى سيواس، وانعقد المؤتمر في الرابع من آب 1919 تحت رئاسة مصطفى كمال. غير أن رئاسته للمؤتمر كانت محل اعترض، فقد جاء قبيل عقد المؤتمر بزمن قصير رؤوف بك إلى مصطفى كمال وهو من أصدق أصدقائه وقال له: لقد بحثنا رئاسة المؤتمر، وأجمعنا بعد البحث على أنه ينبغي أن لا تقبل هذه الرئاسة مهما كان الأمر.

وعند انعقاد المؤتمر برئاسة مصطفى كمال وقف من يعترض على تصرفاته الأوتوقراطية إذ نصب نفسه رئيساً للمؤتمر دون انتخاب. فوقف مصطفى كمال يدافع عن نفسه ومما قال: «لسنا اليوم في مجالس تسمح لنا بالتناحر والتنابذ، وإلا هوى نجم الإمبراطورية، واندثر أثرها لا محالة»، فأثر بهذا الكلام العاطفي، وقام أنصاره يهتفون له، وسكت الجميع عن ترؤسه. ثم أخذت الأصوات، وأعلن أن أغلبية الأصوات بجانب مصطفى كمال.

وما إن اختير رئيساً حتى وقف يخطب، وبدأ خطابه بإظهار الولاء بشكل صريح للسلطان، ثم بدأت جلسات المؤتمر. وقد استمرت عدة أيام في جو صاخب، ومناقشات حادة، وكثر الهمس، وبدأت تظهر الاعتراضات: وقام من النواب من يقول: بأن لا حق للجنة التنفيذية في المؤتمر أن تدعي بأنها الحكومة، وماذا عساهم يفعلون إذا تدخل الأوروبيون في شؤون الأناضول واحتلوه كله؟ ومن أين يجدون المال ليدفعوا نفقات الجيش ورواتب الموظفين؟ وقام من النواب من يقول: إن الولايات المتحدة لا مطامع استعمارية لها، وإنها الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تخلص تركيا من المأزق الحرج الذي وقعت فيه، وإن السبيل الوحيد الذي يمكن أن تلجأ إليه تركيا إذا كانت حقيقة لا تريد الاضمحلال والفناء أن ترتمي في أحضان أمريكا. ووقف رؤوف بك وبكر سامي بك وكاظم قره بكير ورفعت وعلي فؤاد وثلاثة من الباشوات يؤيدون هذا الرأي، ويدافعون دفاعاً حاراً عنه. وقام من النواب من يقول: «الانتداب الأمريكي لا يقضي على استقلال، إننا بهذا نتجنب حماية إنجلترا، حماية إنجلترا التي ستجعل تركيا مستعمرة ذليلة، وتحط من شأنها إلى درجة العبودية».

وهكذا سار المؤتمر في جو يقضي على كل مساعي مصطفى كمال، ثم بعد هذه المناقشات اتخذ المؤتمر قرارات لم تخرج عن قرارات أرضروم. بيد أن المؤتمر قد انفض وأعضاؤه ناقمون على مصطفى كمال، وتقدم إليه كاظم قره بكير باشا وهو قائد الجيش الوحيد الذي لا يزال على حاله ولم يسلم مهماته للحلفاء ولم يستسلم لهم بعد، تقدم هذا القائد إليه وقال له: «إن القيام بالمخابرات باسمكم قد أثار الانتقاد يا باشا، وإنك تستطيع يا سعادة الباشا أن تتصور النتائج التي يمكن أن تترتب على عمل كهذا، والسير في هذه الطريق الوعرة، أرجوك من الآن فصاعداً أن تجعل اللجنة هي التي تتكلم باسمها».

ولذلك خرج من المؤتمر منزعجاً جداً ، ولكنه أثناء انعقاد المؤتمر قد أثار المؤتمرين للدفاع عن أنفسهم، فأعلمهم أن غالب بك الموالي للحكومة قد جاء على رأس بعض القبائل الكردية للقبض على أعضاء المؤتمر. فطلبوا الاتصال بالقصر مباشرة فلم يسمح لهم، فثارت ثائرتهم، وأرسلوا الإنذار النهائي لرئيس الوزراء الداماد فريد باشا بأنه إذا كان لا يسمح لهم بالاتصال مباشرة بالقصر بعد مضي ساعة واحدة، فسيقطعون كل صلة بالحكومة المركزية، ويكونون أحراراً يفعلون ما يريدون. وفي صبيحة اليوم الثان عشر من آب سنة 1919 كانت الساعة المعينة قد انتهت فنفذوا تهديدهم، وقطعت كل علاقة بين القصر والنواب.

فاغتنمها مصطفى كمال فرصة وضاعف نشاطه، واستطاع فصل إسطنبول عن باقي البلاد. ولما لم يستطع في المؤتمر أن يفعل شيئاً، ولم يجرؤ حتى على ذكر تأليف حكومة في الأناضول، لذلك اكتفى بإقناع الذين معه بطلب تغيير الحكومة في إسطنبول. فسكتوا ولم ينقل عنهم تأييد ولا معارضة، ورأى مصطفى كمال أنه لا يمكن التحكم في الجيش إلا إذا كان الضباط في مقدمة أنصاره، ولا يمكنه إخضاع الثائرين عليه إلا إذا كان مؤيداً من الجيش، والجيش مع الخليفة وليس معه، وقد أفهموه في داخل المؤتمر وخارجه بشكل صريح لا يحتمل اللبس، أنه لا يمكن التخلي عن الخليفة ولا بوجه من الوجوه. لذلك قرر التفاهم مع الخليفة لا مع الداماد فريد باشا.

 

يتبع تفاهم مصطفى كمال مع الخليفة استعداداً لجولة أخرى