المادة 5: جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية.
المادة 6: لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك.
هاتان المادتان - المادة الخامسة والمادة السادسة- وضعتا لبيان أحكام من يحملون التابعية الإسلامية، سواء أكانوا مسلمين أم كانوا من أهل الذمة.
أما المسلمون فإن الرسول قد جعل المسلمين الذين يعيشون خارج الدولة ولا يكونون من رعاياها محرومين مما يتمتع به رعايا الدولة. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا وَلا تَمْثُلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ» رواه مسلم. فهذا الحديث صريح بأن من لا يتحول إلى دار الإسلام ويحمل تابعية الدولة فإنه لا يملك حقوق الرعوية حتى لو كان مسلماً. فقد دعاهم الرسول لأن يدخلوا تحت سلطان الإسلام حتى يكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إذ يقول: «ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ» فهذا نص يشترط التحول ليكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، أي لتشملهم الأحكام. ومفهوم الحديث أنهم إن لم يتحولوا لا يكون لهم ما للمهاجرين، أي ما لمن هم من دار الإسلام، فإن هذا الحديث قد بين اختلاف الأحكام بين من يتحول إلى دار المهاجرين وبين من لا يتحول إلى دار المهاجرين، ودار المهاجرين كانت هي دار الإسلام، وما عداها كان دار كفر.
وإقامة الشخص في دار الإسلام أو في دار الكفر هي ما يعبر عنه بالتابعية. فتابعية الشخص معناها الدار التي رضيها مقاماً له، هل هي دار كفر أم دار إسلام. فإن كانت دار إسلام انطبق عليها أحكام دار الإسلام، فيكون الشخص حاملاً للتابعية الإسلامية، وإن كانت الدار دار كفر انطبقت عليها أحكام دار الكفر؛ فلا يعتبر الشخص حاملاً للتابعية الإسلامية، وتطبق عليه أحكام دار الكفر؛ ولهذا لا تشمل الأحكام المسلم الذي في دار الحرب، فلا يعطى حق الرعوية؛ لأنه لا يحمل تابعية الدولة الإسلامية.
وتشمل الأحكام الذمي الذي في دار الإسلام فيعطى حق الرعوية ويحمل تابعيتها. والذمي هو كل من يتدين بغير الإسلام وصار من رعية الدولة الإسلامية وهو باق على تدينه بغير الإسلام. والذمي مأخوذ من الذمة وهي العهد، فلهم في ذمتنا عهد أن نعاملهم حسب ما صالحناهم عليه، وأن نسير في معاملتهم ورعاية شؤونهم حسب أحكام الإسلام. وقد جاء الإسلام بأحكام كثيرة لأهل الذمة ضمن لهم فيها حقوق الرعية وواجباتها. وأن أهل الذمة لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف. أما أن لهم ما لنا من الإنصاف فذلك آت من عموم قوله تعالى:((وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)) [النساء 58] وقوله جل شأنه: ((وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى))[المائدة 8] وقوله عن الحكم بين أهل الكتاب: ((وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ )) [المائدة 42]. وأما أن عليهم ما علينا من الانتصاف فذلك آت من أن النبي كان يوقع العقوبة على الكفار كما يوقعها على المسلمين، فقد قتل الرسول يهودياً عقوبة على قتله امرأة، كما في رواية البخاري عن أنس بن مالك قال: «خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ قَالَ فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ فُلاَنٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَأَعَادَ عَلَيْهَا قَالَ فُلاَنٌ قَتَلَكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ فُلاَنٌ قَتَلَكِ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ»، وأُتي له عليه الصلاة والسلام برجل وامرأة يهوديين قد زنيا فرجمهما، روى البخاري عن ابن عمر قال: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا فَقَالَ لَهُمْ مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ قَالُوا إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ الْوَجْهِ وَالتَّجْبِيهَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالتَّوْرَاةِ فَأُتِيَ بِهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلاَمٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ فَرُجِمَا». ولأهل الذمة علينا من الحماية ما للمسلمين، لقول رسول الله : «أَلا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وقد رواه البخاري بلفظ «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» ولأهل الذمة من رعاية شؤونهم، وضمانة معاشهم ما للمسلمين، عن أبي وائل عن أبي موسى أو أحدهما بإسناده أن رسول الله قال: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» رواه البخاري من طريق أبي موسى.
قال أبو عبيد: "وكذلك أهل الذمة يجاهد من دونهم، ويفتك عناتهم، فإذا استنقذوا رجعوا إلى ذمتهم وعهدهم أحراراً، وفي ذلك أحاديث" وعن ابن عباس قال: صالح رسول الله أهل نجران، ومما جاء في الحديث: كما أخرجه أبو داود في سننه: "عَلَى أَنْ لاَ تُهْدَمَ لَهُمْ بَيْعَةٌ، وَلاَ يُخْرَجَ لَهُمْ قَسٌّ، وَلاَ يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا". وكان يعود مرضاهم روى البخاري عن أنس قال: «كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» مما يدل على جواز زيارتهم ومجاملتهم وإدخال الأنس عليهم.
وأخرج البخاري عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه كان في وصيته عند موته: "وأوصي الخليفة من بعدي بكذا وكذا، وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم".
ويترك الذميون وما يعتقدون وما يعبدون لقول رسول الله فيما أخرجه أبو عبيد في الأموال من طريق عروة قال: كتب رسول الله إلى أهل اليمن أنه: «مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الجِزْيَةَ».
ولا يؤخذ من الذميين ضرائب "جمارك" كما لا يؤخذ من المسلمين. وأخرج أبو عبيد في الأموال عن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير من كنتم تعشرون؟ قال: "ما كنا نعشر مسلماً ولا معاهداً. قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم"، والعاشر هو الذي يأخذ ضريبة الجمارك.
وهكذا يكون الذميون رعية الدولة الإسلامية كسائر الرعية لهم حق الرعوية، وحق الحماية، وحق ضمان العيش، وحق المعاملة بالحسنى، وحق الرفق واللين، ولهم أن يشتركوا في جيش المسلمين ويقاتلوا معهم ولكن ليس عليهم واجب القتال، ولا واجب المال سوى الجزية فلا تفرض عليهم الضرائب التي تفرض على المسلمين، وينظر إليهم أمام الحاكم والقاضي وعند رعاية الشؤون وحين تطبيق المعاملات والعقوبات كما ينظر للمسلمين دون أي تمييز، فيتمتع الذمي بما له من حقوق تماماً كالمسلم سواء بسواء، ويلتزم بالواجبات التي عليه من الوفاء بعهد الذمة والطاعة لأوامر الدولة.
وهكذا فإن العبرة في الرعاية هي بتابعية الدولة، سواء أكان مسلماً أم من أهل الذمة، فلا يجوز أن يحصل أي تمييز في الرعاية؛ وذلك لعموم أدلة الحكم والقضاء ورعاية الشؤون فالله يقول: ((وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)) [النساء 58]. فهو عام لكل الناس مسلمين وغير مسلمين، والرسول يقول: «البَيِّنَةُ عَلَى الـمُـدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» أخرجه البيهقي بسند صحيح. وهو عام يشمل المسلم وغير المسلم. وعن عبد الله بن الزبير قال: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ يَقْعُدَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ» أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم. وهو عام يشمل كل خصمين مسلمين أو غير مسلمين، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه. وكلمة رعيته عام يشمل جميع الرعية مسلمين وغير مسلمين. وهكذا جميع الأدلة العامة مما يتعلق بالرعوية تدل على أنه لا يجوز أن يحصل أي تمييز بين المسلم وغير المسلم، ولا بين العربي وغير العربي، ولا بين الأبيض والأسود، بل جميع الناس الذين يحملون التابعية الإسلامية سواء من غير أي تمييز بينهم أمام الحاكم من حيث استحقاق رعاية شؤونهم وحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وأمام القاضي من حيث التسوية والعدل.