قال الله سبحانه وتعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ-سورة المنافقون-

لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغبا لهم في ذكره فقال : ((يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)) فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله ، ومعنى ((لا تلهكم)) لا تشغلكم ، والمراد بالذكر فرائض الإسلام ، ومن يفعل ذلك أي يلتهي بالدنيا عن الدين فأولئك هم الخاسرون أي الكاملون في الخسران .

((وأنفقوا مما رزقناكم)) الظاهر أن المراد الإنفاق في الخير على عمومه ، و (( من )) للتبعيض أي أنفقوا بعض ما رزقناكم في سبيل الخير ، وقيل : المراد الزكاة المفروضة من قبل أن يأتي أحدكم الموت بأن تنزل به أسبابه ويشاهد حضور علاماته ، وقدم المفعول على الفاعل للاهتمام ((فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب)) أي يقول عند نزول ما نزل به مناديا لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أجل قريب ، أي : أمد قصير ((فأصدق)) أي فأتصدق بمالي ((وأكن من الصالحين)) قرأ الجمهور فأصدق بإدغام التاء في الصاد ، وانتصابه على أنه جواب التمني ، وقيل : إن (( لا )) في لولا زائدة ، والأصل لو أخرتني .

قال الضحاك : لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤد زكاة إلا سأل الرجعة ، وقرأ هذه الآية .

ثم أجاب الله سبحانه عن هذا المتمني فقال : ((ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها)) أي إذا حضر أجلها وانقضى عمرها ((والله خبير بما تعملون)) لا يخفى عليه شيء منه فهو مجازيكم بأعمالكم .

وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ((ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم)) الآية قال : «»هم عباد من أمتي ، الصالحون منهم - لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وعن الصلوات الخمس المفروضة».

وعن ابن عباس قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من كان له مال يبلغه حج بيت الله ، أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت»، فقال رجل : يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكافر ، فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآنا ((يا أيها الذين آمنوا)) إلى آخر السورة" .