البكاء حباً وشوقاً لله، والبكاء من خشيته تعالى من النعم التي لا يدركها إلا من أنعم الله عليه بها... وما عليك إلا أن تذكر بعقلك الله، وتترك لنفسك تسجد لبارئها سبحانه! صدقٌ مع الله، وهو الذي يعلم السر وأخفى، ومناجاة له سبحانه وهو السميع العليم، وركعة له في الليل والناس نيام، وهو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والصدع بكلمة حق تخزي الشيطان، وتفكر وتدبر بآيات الله في الكون والحياة والانسان، وتدبر آياته سبحانه وتعالى في القرآن، كل ذلك وكثير من دواعي التنعم بنعمة البكاء لله حبا وشوقا وخشية!

 أما البكاء حباً وشوقاً، فهذا الذي أدرك شيئا من فضل ونعم  الله سبحانه وتعالى عليه، والله هو الغني الحميد، أفلا تحب من أعطاك من كل ما سألت وهو غني عنك، بل وحلم عليك وزاك رغم عجزك عن شكره، بل ورغم مقابلتك الاحسان منه تعالى بالسيئة والقصور منك! وهو بكاء الذي نظر إلى نعيم الدنيا الذي سفكت من أجله الدماء وانتهكت الأعراض وارتكبت كل المحرمات، وما هذا كله يعدل عند الله جناح بعوضة، أفلا ييبكي مثل هذا شوقا إلى الله تعلى ، وهو سبحانه وتعلى له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وعنده النعيم المقيم!؟

وأما البكاء خشية، فهي بكاء من أدرك شيئا من حق الله عليه، وحاسب نفسه قبل الحساب، وأدرك أننا لله وأنه إليه راجعون، فهو بين خوف من قصور في الطاعة والشكر لله، وبين خوف من معصية ظلم بها نفسه، وخوف على خسران منزلة عالية عند ربه العزيز الرحيم، العفو الكريم!! أفلا يبكي مثل هذا خوفا وطمعا!!

 

والبكاء حباً وشوقاً لله وخشية منه سبحانه مندوب،  ودليل ذلك الكتاب والسنة:

  • أما الكتاب فقوله الله تعالى :
  1. أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (النجم).
  2. قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) (الإسراء).
  3. أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) (مريم).
  • وأما من السنة فما يلي:
  1. عن ابن مسعود قال قال لي النبي :«اقرأ علي القرآن، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا قال حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان» (متفق عليه).
  2. عن أنس قال: خطب رسول الله خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، فغطى أصحاب رسول الله وجوههم ولهم خنين» (متفق عليه).
  3. عن أبي هريرة قال قال رسول الله :«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» (متفق عليه).
  4. عن ابن عمر قال لما اشتد برسول الله وجعه قيل له في الصلاة فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ... » هذه رواية البخاري وفي رواية مسلم «قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ...» (متفق عليه).
  5. عن أنس قال قال رسول الله لأبي بن كعب :«إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال وسمّاني؟ قال نعم فبكى أبيّ» (متفق عليه).
  6. عن أبي هريرة قال قال رسول الله :«لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم» (الترمذي وقال حسن صحيح).
  7. عن عبد الله الشخير قال: «أتيت رسول الله وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء». قال النووي رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
  8. عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً فقال: «قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام».
  9. العرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ... » (أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح).
  10. عن أنس أن النبي قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله، حتى يصيب الأرض من دموعه، لم يعذب يوم القيامة» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
  11. عن أبي ريحانة قال: خرجنا مع رسول الله في غزوة، فسمعته يقول: «حرمت النار على عين دمعت من خشية الله، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ونسيت الثالثة وسمعت بعد أنه قال حرمت النار على عين غضت عن محارم الله» (أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والنسائي واللفظ له).
  12. عن ابن أبي مليكة قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو في الحجر فقال: «ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، لو تعلمون العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
  13. عن علي قال: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح» (ابن خزيمة في صحيحه).
  14. عن ثوبان قال: قال رسول الله :«طوبى لمن ملك نفسه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته»(الطبراني وحسن إسناده).