الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، والبغض فيه يعني أن تبغض العبد بسبب كفره أو معصيته، لأن في هنا للتعليل، وذلك كما في قوله تعالى:{ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي بسببه، ومثله قوله تعالى{ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} وأيضاً كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم«دخلت امرأة النار في هرة» أي بسببها. 

 وحب المؤمنين الطائعين أجره عظيم والأدلة على ذلك:

  1. حديث أبي هريرة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه».
  2. حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي؟».
  3. حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم» ووجه الاستدلال في قوله صلى الله عليه وآله وسلم«ولا تؤمنوا حتى تحابوا» للدلالة على عظيم أجر التحابّ في الله.
  4. حديث أنس عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله ...»الحديث.
  5. حديث معاذ عند الترمذي، وقال حسن صحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلميقول: «قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء» وغبطة الأنبياء والشهداء لهم كناية عن حسن حالهم، أي أنهم يستحسنون أحوالهم، لا أنهم يتمنون مثل حالهم، لأنهم أفضل حالاً وأرفع درجة.
  6. حديث أنس عند أحمد بإسناد صحيح قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال يا رسول الله الرجل يحب الرجل، ولا يستطيع أن يعمل كعمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء مع من أحب. فقال أنس فما رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحو بشيء قط، إلا أن يكون الإسلام، ما فرحوا بهذا من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أنس: فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نستطيع أن نعمل بعمله، فإذا كنا معه فحسبنا».
  7. حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود وابن حبان قال: «قلت يا رسول الله، الرجل يحب القوم لا يستطيع أن يعمل بأعمالهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت. قال: قلت فإني أحب الله ورسوله يعيدها مرة أو مرتين».
  8. حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء مع من أحب"».
  9. حـديث عبد الله بن مسـعـود عند الحاكم في المسـتدرك، وقال صحيح الإسـناد ولم يخـرجاه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«يا عبد الله بن مسعود، فقلت: لبيك يا رسول الله: ثلاث مرار، قال: هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أوثق الإيمان الولاية في الله، بالحب فيه، والبغض فيه ...» الحديث.
  10. حديث عمر بن الخطاب عند ابن عبد البر في التمهيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لله عباد لا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله عز وجل، قالوا: يا رسول الله من هم؟ وما أعمالهم؟ لعلنا نحبهم، قال: قوم تحابوا بروح الله، لا أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، والله إن وجوههم نور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}».
  11. حديث معاذ بن أنس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله، فقد استكمل إيمانه» قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه أو داود من حديث أبي أمامة، ولم يذكر فيه وأنكح لله.

 

ويسن لمن أحب أخاً له في الله، أن يخبره ويعلمه بحبه إياه، لما رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن عن المقداد بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه» وما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أنس: «أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمر به رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلمته؟ قال: لا، قال أعلمه، فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له». وما رواه البزار بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من أحب رجلاً لله، فقال: إني أحبك لله، فدخلا الجنة فكان الذي أحب أرفع منـزلة من الآخر. ألحق بالذي أحب لله».

وأفضل الصاحبين المتحابين هو أشدهما حباً لصاحبه، لما رواه ابن عبد البر في التمهيد والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ما تحاب رجلان في الله قط، إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه».

ويسن له أيضاً أن يدعو له بظهر الغيب، لما رواه مسلم عن أم الدرداء، قالت: حدثني سيدي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلميقول: «من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل» وسيدها هو أبو الدرداء وهي تعني زوجها احتراماً له. ورواه أحمد بإسناد صحيح عن أم الدرداء ومسلم، ولفظه عند مسلم: عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكانت تحته الدرداء، قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منـزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلمكان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل» قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك.

كما يسن أن يطلب من أخيه الدعاء له، لما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وآله وسلمفي العمرة، فأذن لي وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. وفي رواية قال: «أشركنا يا أخي في دعائك».

ومن السنة أن يزوره ويجالسه ويواصله ويباذله في الله بعد أن يحبه. روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى له ملكاً، فلما أتي عليه قال: أين تريد؟ قال أريد أخاً لي في هذه القرية، قال هل لك عليه من نعمة تربّها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه». وأخرج أحمد بإسناد حسن والحاكم، وصححه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،يرفعه إلى الرب عز وجل قال: «حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ». وأخرج مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلميقول: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ». وأخرج البخاري عن عائشة قالت: لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمطرفي النهار بكرة وعشية...الحديث.

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبين عظم أجر المؤمن الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على جلب الخير له في دنياه وآخرته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ففي حديث أنس المتفق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وفي حديث عبد الله بن عمرو، عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره». ومن هذا الباب أن يكون في حاجة أخيه وُسعه، وأن يفرج عنه كربه جهده، ففي حديث ابن عمر المتفق عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»، وبإسناد حسن رجاله ثقات أخرج الطبراني من حديث زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه».

 

ويندب أن يلقاه بما يحب ليسرّه بذلك لما رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك، سره الله عز وجل يوم القيامة».

كما يندب له أن يلقى أخاه بوجه طلق، لما رواه مسلم عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». ولما رواه أحمد والترمذي وقال حسن  صحيح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك». وما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه عنده: ... حدثني أبو جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،فقلت: يا رسول الله، إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به، فقال: «لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلمه فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإن أجره لك ووباله على من قاله».

ويندب له أن يهدي لأخيه، لحديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري، في الأدب المفرد، وأبو يعلى في مسنده، والنسائي في الكنى، وابن عبد البر في التمهيد، وقال العراقي السند جيد، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير سنده حسن، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«تهادوا تحابوا». ويندب له أيضاً أن يقبل هديته، ويكافئ عليها لحديث عائشة عند البخاري قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها» وحديث ابن عمر عند أحمد وأبي داود والنسائي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه». وهذا بين الإخوان، ولا علاقة له بهدايا الرعية إلى الحكام، فهي مثل الرشوة محرّمة، ومن المكافأة أن يقول جزاك الله خيراً، روى الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما وقال حسن صحيح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء»، والثناء شكر، أي مكافأة، خصوصاً ممن لا يجد غيره، لما رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «من أوليَ معروفاً فلم يجد له خيراً إلا الثناء، فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلّى بباطل فهو كلابس ثوبي زور»، وبإسناد حسن عن جابر عند الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثنِ، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط، كان كلابس ثوبي زور»، وكفر العطاء يعني ستره وتغطيته. وبإسناد صحيح روى أبو داود والنسائي عن أنس قال: «قال المهاجرون يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوماً أحسن بذلاً لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤونة، قال: أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا بلى، قال: فذاك بذاك». وينبغي أن يشكر القليل شكره للكثير، ويشكر الناس الذين يقدمون له خيراً لما رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد حسن عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب».

ومن السنة أن يشفع لأخيه لمنفعة بر أو تيسير عسير، لما رواه البخاري عن أبي موسى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمإذا جاءه السائل قال: «اشفعوا فلتؤجروا ويقض الله على لسان نبيه ما شاء» ولما رواه مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «من كان وصلةً لأخيه المسلم إلى ذي سلطان لمنفعة برّ أو تيسير عسير أُعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام».

ويندب له أيضاً أن يذب عن عرض أخيه بظهر الغيب، لما رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «من ردّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد وقال إسناده حسن، وكذلك قال الهيثمي. وما رواه اسحق بن راهويه عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلميقول: «من ذب عن عرض أخيه بظهر الغيب كان حقاً على الله أن يعتقه من النار». وأخرج القضاعي في مسند الشهاب عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة»، وأخرجه القضاعي أيضاً عن عمران بن حصين بزيادة «وهو يستطيع نصره» لما رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وقال الزين العراقي إسناده حسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، من حيث لقيه، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه».

 

كما أوجب الله سبحانه قبول المسلم عذر أخيه، وحفظ سره، ونصحه:

قبول عذره، لما رواه ابن ماجة بإسنادين جيدين كما قال المنذري عن جودان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس».

حفظُ سرّه، لما رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة» والأمانة واجبة الحفظ، وتضييعها خيانة، والحديث يدل على حفظ سر أخيه حتى لو لم يطلب ذلك صراحة، بل بقرائن الحال كأن يحدّث أخاه بحديث وهو يلتفت حوله خشية أن يسمع الحديث غيرُهما. وواضح أنه من باب أولى لو طلب منه صراحة حفظَ سرّه. وهذا إذا لم يكن في الحديث أذىً عاماً في حق من حقوق الله. فللجليس أن ينصحه وينهاه، وله أن يشهد قبل أن يُستَشهد كما جاء في الحديث «ألا أنبّئكم بخير الشهود، الذي يشهد قبل أن يُستَشهد» أخرجه مسلم.

نصحُه، لحديث جرير بن عبد الله المتفق عليه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم»، وحديث تميم بن أوس الداري عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» قال الخطابي: "ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة، كقوله الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة". كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق المسلم على المسلم والأجر العظيم فيه، أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: «حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه».

 

أما البغض في الله، فقد نهى الله سبحانه عن حب الكفار والمنافقين والفساق المجاهرين، لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}،  وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}.

وروى الطبراني بإسناد جيد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«ثلاث هن حق: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى اللهَ عبدٌ فيوليه غيره، ولا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم»وفي هذا نهي جازم عن محبة أهل السوء خشية أن يحشر معهم.

وأخرج الترمذيُّ، وقال هذا حديث حسن، عن معاذ بن أنس الجُهني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أعطى لله، ومنع لله، وأحبّ لله، وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه».

وكذلك روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«... وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ... » وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«ثم توضع له البغضاء في الأرض»خبر أريد به الطلب، وذلك بدلالة الاقتضاء، إذ إن هناك كثير من الكفار، والمنافقين، والفساق المجاهرين، يوجد من يحبهم ولا يبغضهم، فاقتضى صدق المخبر أن يكون المراد بالخبر الإنشاء أي الطلب، فكأنه يقول: يا أهل الأرض أبغضوا من أبغضه الله. وبالتالي فالحديث يدل على وجوب بغض من أبغضه الله، ويندرج تحتها وجوب بغض الألد الخصم، الوارد في حديث عائشة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم»، ووجوب بغض من يبغض الأنصار الوارد في حديث البراء المتفق عليه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،أو قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله»، ووجوب بغض من يقول الحق بلسانه لا يجاوز حلقه، لحديث علي عند مسلم، قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصف ناساً -إني لأعرف صفتهم في هؤلاء- يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم، وأشار إلى حلقه، من أبغض خلق الله إليه» قوله «لا يجوز» معناها لا يتعدى، ووجوب بغض الفاحش البذيء الوارد في حديث أبي الدرداء عند الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال: «... وإن الله ليبغض الفاحش البذيء».

هذا وقد وردت بعض الآثار في بغض الصحابة للكفار، منها، ما رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: «... فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة، فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين، من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى ...» ومنها حديث جابر بن عبد الله عند أحمد أن عبد الله بن رواحة قال ليهود خيبر: «يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم ...».

ومنها ما ورد في بغض من يظهر الشر من المسلمين، فقد أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي فراس، قال: خطب عمر بن الخطاب، فقال: «... ومن أظهر منكم شراً ظننا به شراً، وأبغضناه عليه».

فالحب في الله، والبغض في الله، من أعظم الأمور التي يتّصف بها المسلم الذي يرجو رضوان الله ورحمته ونصره وجنّته.

يا من تشهد شهادة الحق، أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبد الله ورسوله، أحبك في الله

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net