على قلب رجل واحد في محاربة ورفض الحكم بشرع الله

إن الواقع المرير الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، وما أصاب الكثير من أبناءها من تقتيل واعتقال وتشريد خاصة في مشارق الأرض ومغاربها، لابد من أن يدفع المخلصين في الأمة ليصلوا ليلهم بنهارهم ليرفعوا عن أمتهم هذه البلاء، فيسقطوا أنظمة لا تجعل لشرع الله مكانا فيها، بل تنحيه جانبا وتتبجح بأن فصله عن الحياة والدولة والمجتمع لازم لا مفر منه. أنظمة رضيت بأن تكون أداة طيعة في يد أعداء الأمة، نواطير للغرب الكافر يحرسون له مصالحه ونفوذه في بلادنا. جميعهم رضوا بأن يبيعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، كانوا على قلب رجل واحد في وقوفهم في وجه كل من يعمل لتحكيم شرع الله في دولة واحدة تقضي عليهم وعلى أسيادهم، فكانوا جميعا على كلمة سواء بينهم وبين أسيادهم وإن اختلفوا في التفاصيل. فهم جميعًا متفقون على أن من يرفع لواء تحكيم شريعة ربه في دولة ما هو إلا إرهابي، ومتفقون جميعا على أنه يجب محاربة الإرهاب هذا، وإن اختلفوا على الأسلوب فقد يرى بعضهم القتل والسحل والتنكيل طريقا لذلك، وقد يرى البعض الآخر منهم الاحتواء والتدجين أنجح في ذلك.

إسلامي علماني

ولقد رضي بعض أبناء الحركة الإسلامية أو من كان يفترض فيهم أنهم من أبنائها، رضوا بأن يكونوا سيوفًا في يد تلك الأنظمة التي كانوا في السابق ينصبونها العداء بل ويكفرونها، فإذا بهم اليوم نجوم فضائياتها وإعلامها الكاذب، لا هم لهم إلا أن يشوهوا تيارًا جارفًا في الأمة بكل فصائله التي كانوا في يوم من الأيام من دعاته. ولم يقف الأمر عن حد انتقاد هذه الجماعة أو تلك، ولا نشك في أن هذه أو غيرها عرضة للنقد فلا عصمة لها أو لغيرها، بل لقد تجاوز هؤلاء وأصبحوا علمانيين أكثر من العلمانيين، وملكيين أكثر من الملك، وجمهوريين أكثر من الجمهوريين، ووصل الأمر بأحدهم أن قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هاديا ومبشرا ونذيرا، ولم يكن حاكما وسياسيا، ويتساءل سيادته هل السلطة الإسلامية مشروع هداية أم مشروع سلطة؟ لقد نسي هذا الرجل أو أنه أُنسي قول الحق سبحانه ﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق﴾، وهو النهج الذي سار على دربه الخلفاء الأربعة الراشدون الذي قاتلوا لتكون كلمة الله العليا. 

كما وصف آخر منهم الدستور الجديد الذي يكرس فصل الدين عن الدولة ويسلب حق التشريع من الله ويضعه في يد الشعب صاحب السيادة، يصفه بأنه دستور من صلب الإسلام، وآخر طالما حدثنا عن عقيدة الولاء والبراء والحاكمية يطالبنا بالتصويت على هذا الدستور بنعم وكأننا نأكل الميتة، وإذا بنا نراه يخرج من اللجنة الانتخابية مبتسمًا فرحًا رافعًا أصبع التوحيد وقد تم غمسه في الدم الحرام، ولا أدري كيف يكون آكل الميتة فرحًا مسرورًا هكذا!.

وماذا عن البقية الباقية؟

نعم لقد أنضم هؤلاء وأمثالهم لجوقة المطبلين والمزمرين لفصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع وكانوا ورجال السلطة الجديدة ومن وراءهم الغرب الكافر على كلمة سواء، هي ألا يحكموا الله وشريعته في حياتهم، وأن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله. أليس هذا مدعاة لأن يكون دعاة الإسلام أيضا على كلمة سواء بينهم ألا يرضوا عن الخلافة على منهاج النبوة بديلا؟، فهي وحدها نظام الحكم الذي فرضه علينا ربنا، وهي وحدها من ستجعل السيادة للشرع وليس للشعب، والسلطان للأمة، وهي من سيعيد للأمة وحدتها ولحمتها، فضلا عن أنها بشرى نبينا صلى الله عليه وسلم.

طرفا صراع على أرضية واحدة

إذا كان هؤلاء الذين يرمون لفصل ديننا عن حياتنا يقولون للأمة أن الديمقراطية هي الحل، وأننا ما انقلبنا على الإخوان إلا لأنهم لا يؤمنون بديمقراطيتنا، فهل من المقبول أن يطالب التحالف الوطني لدعم الشرعية بنفس ما يطالب به من انقلب عليهم؟، وعن أي شرعية يتحدثون؟، إن ما بين الشريعة والشرعية ما بين السموات والأرض، بل إننا نرى الطرفين يقفان على أرضية واحدة هي أرضية الدولة الجمهورية الديمقراطية العلمانية، التي لا تحمل مشروعا نهضويا لأمة كانت بإسلامها خير أمة أخرجت للناس. طرف كان يتمسك بتلك الدولة، وهو جالس على كرسي الحكم الوثير، وطرف آخر يتمسك أيضا بتلك الدولة، وهو طامع في الوصول للجلوس على هذا الكرسي الوثير بأي طريق، ولو خالف الديمقراطية التي يؤمن بها.

كُن إسلامي مسلم!

  (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ( 16 ) اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( 17 ) ))

ولهذا ليكن شعارهم من الآن إنا كفرنا بديمقراطيتكم العفنة تلك، وسيكون مطلبنا الوحيد من الآن فصاعدا هو خلافة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، وأن طريقتنا للوصول لها هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي لا تكون بالحديث عن الشرعية، والإصرار على الديمقراطية حكمًا وفيصلًا، بل تكون بنشر الوعي بين الناس على فرضية الحكم بالإسلام من خلال دولة الخلافة الإسلامية التي هي نظام الحكم في الإسلام الذي حدده لنا الإسلام وأصر عليها، حتى تصبح هذه الفكرة رأيا عاماً بين الناس ومطلبًا للجماهير لا ترضى عنه بديلًا، تستعد للموت من أجلها وتملأ الميادين نصرة لها، وإيجادها أيضًا بين أصحاب القوة في الجيش، حتى يقف الجيش مع الأمة في مطلبها وليس ضدها، وحينئذ يكون التغيير قاب قوسين أو أدنى، ويكون محتمًا لا يمكن لقوة في الأرض أن تقف أمامه، وعلى العاملين لهذا الهدف رفض الديمقراطية بكل أشكالها، والنظم الوضعية الفاسدة كالجمهورية والملكية، وعدم الرضا بغير نظام الإسلام بديلًا وحُكمًا، والقناعة التامة بقدرة الإسلام على الحكم وسياسة شئون الناس به، ورفض التبعية الأمريكية، بل وقطعها وقلع أي نفوذ لها في بلاد الإسلام.

 

(( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا))

هذه هي الكلمة السواء التي يجب أن يجتمع عليها كل فصائل التيار الإسلامي وهي الكلمة التي ترعب أعداء الأمة في الغرب وتقض مضجعهم، والتي خوف منها الببلاوي والمسلماني ووزير الخارجية نبيل فهمي وغيرهم.

(﴿( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )