أصول الفقه الإسلامي

التواتر في اللغة هو تتابع الأشياء واحداً بعد واحد بينهما مهلة، ومنه قوله تعالى: (( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى)) أي واحداً بعد واحد بمهلة. والمتواتر هو المتتابع.

والخبر المتواتر في اصطلاح الأصوليين:

  1. هو خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم،
  2. ولا يحصل العلم بقول هذه الجماعة، ولا يكون متواتراً، إلا إذا كانوا عالمين بما أخبروا به لا ظانين،
  3. وأن يكون علمهم مستنداً إلى السمع والمشاهدة لا إلى دليل الاستنتاج،
  4. وأن يكونوا جماعة مستوفية هذه الشروط، في عصر الصحابة، وعصر التابعين، وتابعي التابعين، بأن يستوي طرفا الخبر ووسطه؛

وعليه فإن الخبر المتواتر هو ما رواه في العصور الثلاثة جمع غفير يستحيل معه عادة تواطؤهم على الكذب. والمراد بالعصور الثلاثة عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين. ولا عبرة في غير هذه العصور الثلاثة في رواية الحديث مطلقاً.

الحديث المتواتر قطعي

والحديث المتواتر قطعي الثبوت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيفيد علماً يقينياً، ويجب العمل به في كل شيء، سواء أكان من السنة القولية، أم الفعلية، أم السكوتية. ومن الأحاديث القولية المتواترة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» أخرجه البخاري ومسلم. ومن السنة الفعلية المتواترة الصلوات الخمس وعدد ركعاتها، وكذلك ما ورد في كيفية الصلاة، والصوم، والحج.

العدد الذي يحصل به العلم

اختلف في أقل عدد يحصل معه العلم، فقال بعضهم خمسة، وقال آخرون إن أقل ذلك اثنا عشر، ومنهم من قال أقله عشرون، ومنهم من قال أقله أربعون، ومنهم من قال سبعون، ومنهم من قال ثلاثمائة وثلاثة عشر ...الخ. وهذه الأقوال كلها، وجميع الأقوال التي عينت عدداً معيناً لا سند لها من النقل ولا من العقل، إذ لم يرد نص على عدد مخصوص، ولا يرجح العقل عدداً مخصوصاً. والعبرة بالخبر المتواتر هو حصول العلم اليقيني منه، لا رواية عدد معين، فإن مع العدد توجد قرائن تدل على قوة الخبر أو ضعفه. فقد يروي خبراً عدد معين لا يحصل بروايتهم له علم يقيني، وقد يروي خبراً جماعة آخرون عددهم معين كهذا العدد فيحصل العلم اليقيني بروايتهم، إذ يختلف اعتبار الخبر باختلاف القرائن مع تساوي العدد. وعلى ذلك فإن الحديث المتواتر الذي يحصل به العلم لا بد أن يرويه جماعة لا عدد معين، وأن يكون عدد هذه الجماعة، وتباعد أماكنهم، بحيث يستحيل معه تواطؤهم على الكذب، والعبرة باعتبار العدد هو استحالة التواطؤ معه على الكذب. فلا بد أن يروي الحديث جماعة، وأن يبلغ عددهم مبلغاً يمنع أن يتواطؤوا على الكذب، ويختلف ذلك باختلاف المخبرين، والوقائع، والقرائن.