أصول الفقه الإسلامي

الشرط هو ما كان وصفاً مكملاً لمشروطه فيما اقتضاه ذلك المشروط، أو فيما اقتضاه الحكم في ذلك المشروط.

  • فالحول في زكاة النقد مكمل لملكية النصاب، فهو شرط في ملكية النصاب حتى تجب فيه الزكاة، فيكون مما اقتضاه المشروط،
  • والإحصان في رجم الزاني المحصن مكمل لوصف الزاني، فهو شرط في الزاني حتى يجب عليه الرجم، فيكون مما اقتضاه المشروط.
  • والوضوء مكمل لفعل الصلاة فيما يقتضيه الحكم فيها، فهو شـرط في الصلاة، وهو مما اقتضاه الحكم في ذلك المشروط،
  • وستر العورة شرط لفعل الصلاة فيما يقتضيه الحكم فيها، فهو شرط في الصلاة وهو مما اقتضاه الحكم في المشروط،

وهكذا سائر الشروط.

الشرط والركن

وهو، أي الشرط، مغاير للمشروط؛ لأنه وصف مكمل له وليس جزءاً من أجزائه، وبهذا يختلف عن الركن؛ لأن الركن جزء من أجزاء الشيء، وليس منفصلاً عنه، ولا يقال عن الركن أنه مغاير للشيء، أو مماثل له؛ لأنه جزء من أجزائه. أما الشرط فلا بد أن يكون مغايراً للشيء، وأن يكون في نفس الوقت مكملاً له.

الشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود

وقد عرف الشرط بأنه ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، وهذا بيان له من حيث أثره، وأن الشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف، فلا يوجد موصوف إذا لم توجد الصفة، ولكن قد توجد الصفة ولا يوجد الموصوف، كذلك الشرط، فلا توجد الصلاة إذا لم توجد الطهارة، ولكن قد توجَد الطهارة ولا توجد الصلاة.

الشرط في الحكم التكليفي والحكم الوضعي

والشرط ليس خاصاً بالحكم التكليفي، بل قد يكون في الحكم التكليفي، وقد يكون في الحكم الوضعي. فهناك شروط راجعة إلى خطاب التكليف، كالطهارة، وستر العورة، وطهارة الثوب، كل منها شرط للصلاة. وهناك شروط راجعة إلى خطاب الوضع، كالحول في نصاب الزكاة، والإحصان في الزنا، والحرز في السرقة؛ فهي شروط للسبب.

وهي كلها في اعتبار أنها شروط ينطبق عليها تعريف الشرط، وكلها شروط شرعاً لورود الدليل عليها، سوى أن الأولى شروط للحكم، والثانية شروط لما وضع للحكم من أمور يقتضيها.

شروط العقود

ويدخل في الشروط الشرعية شروط العقود، كشروط البيع، والشركة، والوقف، وما شاكل ذلك. إلا أن هذه الشروط ليست كشروط حكم التكليف وحكم الوضع، من حيث إنه لا بد من دليل شرعي يدل على الشرط حتى يعتبر شرطاً، بل يشترط في هذه الشروط أن لا تخالف ما نص عليه الشرع. أي أن شروط الحكم التكليفي، أو حكم الوضع، لا بد أن يدل الدليل الشرعي عليه حتى يعتبر شرطاً، بخلاف شروط العقود فإنه لا يشترط فيها أن يرد به الشرع، بل يجوز للعاقدين أن يشترطا ما يريدان، ولكنه لا يجوز لهما، أو لأي منهما، أن يشترط شروطاً تخالف ما نص عليه الشرع.

فالعقود يلزم في الشروط التي تشترط فيها أن لا تخالف الشرع، ولا يشترط فيها أن يرد بها دليل شرعي؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» أخرجه البخاري. ومعنى ليس في كتاب الله أن يكون على خلاف ما في كتاب الله، أي ليست في حكمه، ولا على موجب قضائه؛ وذلك لأن رسول الله أذن في اشتراط الشروط مطلقاً، وبيّـن أنّ ما يخالف حكم الله فهو باطل، فهو لم ينه عن اشتراط الشروط، وإذا نفى اعتبار ما ليس في كتاب الله، فمعناه نفي اعتبار ما يخالف ما في كتاب الله، فنص الحديث في البخاري هو: «عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ..» الحديث.

فهذا يدل على أن المنهي عنه هو الشرط المخالف لما في كتاب الله ولسنة رسول الله، ولا يدل على أن الشرط يجب أن يكون في كتاب الله وسنة رسوله. وعليه، فالشروط في العقد يشترط فيها أن لا تخالف الشرع، بأن لا تخالف نصاً من نصوص الشرع، أو لا تخالف حكماً شرعياً له دليل شرعي.

فمثلاً الشرع جعل الولاء لمن أعتق، فلا يصح بيع العبد واشتراط الولاء، فالشرط لاغ، والبيع صحيح. ومثلاً لا يصح أن تقول: بعتك هذا الشيء بألف نقداً أو بألفين نسيئة. فهذا بيع واحد تضمن شرطين، يختلف المقصود فيه باختلافهما، وهذا شرط باطل، والبيع بسببه باطل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» أخرجه أبو داود. ومثلاً إذا باع رجل لآخر سلعةً، واشترط عليه أن لا يبيعها لأحد، فالشرط لاغ، والبيع صحيح؛ لأن الشرط ينافي مقتضى العقد، وهو ملكية المبيع والتصرف فيه، فهو مخالف لحكم شرعي. وهكذا فالشروط التي تخالف الشرع لا تعتبر مطلقاً، سواء أكانت تخالف نصاً شرعياً، أم تخالف حكماً جاء الشرع به، سواء أكان حكماً شرعياً، أم حكماً من أحكام الوضع.

ومما يؤكد أن الشرع أباح للمسلم أن يشترط في العقود ما شاء من الشروط، إلا ما عارض ما في كتاب الله، أو عارض حكماً شرعياً، هو أنه جاء في حديث عائشة في شأن بريرة في إحدى الروايات للبخاري،قال لعائشة رضي الله عنها: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا،وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» فهذا صريح في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» وهو إباحة في أن يشترط الإنسان ما شاء من الشروط، ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» أخرجه الحاكم،أي عند الشروط التي يشترطونها، فأضاف الشرط لهم. وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقر اشتراط شروط في العقود لم تذكر في كتاب الله، فقد روى مسلم عن جابر «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ، قُلْتُ: لاَ، ثـُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي» أخرجه مسلم، واستثناء حملانه شرط اشترطه في البيع. عن سفينة أبي عبد الرحمن قال: «أَعْتَقَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدُمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم » أخرجه أحمد، وفي لفظ: «كُنْتُ مَمْلُوكًا لأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا عِشْتَ، فَقُلْتُ: وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا عِشْتُ؛ فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ» أخرجه أبو داود.

وهكذا حـوادث متعـددة حصلت فيها شروط في العقود لم ينص عليها الشـرع، بل يشترطها كل إنسان بما يراه، وكل ما ورد أن الشرط مقيد بما لا يخالف كتاب الله، ولا يخالف حكماً من أحكام الشرع. إلا أنه يشـترط في الشـرط أن لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الْمُسْـلِـمُـونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي.