أصول الفقه الإسلامي

السبب، في اصطلاح المتشرعين، هو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفاً لوجود الحكم لا لتشريع الحكم، كجعل زوال الشمس أمارة معرفة لوجود الصلاة في قوله تعالى: ((أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا» أخرجه البيهقي،وليس هو أمارة لوجوب الصلاة، وكجعل طلوع هلال رمضان أمارة معرفة لوجود صوم رمضان في قوله تعالى: ((فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «صُومُوا لِرُؤْيَـتِهِ» أخرجه أحمد،وهكذا.

فالسبب ليس موجباً للحكم، وإنما هو معرّف لوجوده. وواقع السبب أنه وضع شرعاً للحكم الشرعي، لحكمة يقتضيها ذلك الحكم. فحصول النصاب سبب في وجود الزكاة، والعقود الشرعية سبب في إباحة الانتفاع أو انتقال الأملاك، فالحكم هو وجوب الزكاة، وحصول النصاب وضع شرعاً لهذا الحكم، لتعريف وجوده. وإباحة الانتفاع أو انتقال الملكية هي الحكم، والعقود وضعت شرعاً لهذا الحكم لتعريف وجوده.

السبب والعلة

فالأسباب هي أمارات وضعها الشارع لتعريف المكلَّف وجود الحكم من قبل المكلِّف. فالشارع شرع الحكم الشرعي للمكلف، وكلفه به، ووضع أمارات تدل على وجود ذلك الحكم، فهذه الأمارات هي الأسباب الشرعية، فالسبب هو إعلام ومعرّف لوجود الحكم، فهو ليس معرفاً للحكم لذاته، وصفة نفسه، وإنما معناه أنه معرف لوجود الحكم لا غير؛ وذلك لأن الذي أوجب الحكم هو الدليل الذي ورد فيه، والذي عرف وجود هذا الحكم الذي دل عليه الدليل هو السبب.

وهذا بخلاف العلة، فإن العلة هي الشيء الذي من أجله وجد الحكم، فالحكم شرع بها فهي الباعث عليه، وهي سبب تشريعه لا سبب وجوده. فهي دليل من أدلة الحكم، مثلها مثل النص في تشريع الحكم. فهي ليست أمارة على الوجود، بل هي أمارة معرفة لتشريع الحكم، وذلك كالإلهاء عن الصلاة المستنبط من قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)) وقوله تعالى: ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)) فإن الإلهاء قد شرع من أجله الحكم، وهو تحريم البيع عند أذان الجمعة، ولذلك كان علة وليس سبباً، بخلاف دلوك الشمس، فليس علة؛ لأنه لم تشرع صلاة الظهر من أجله، وإنما كان هو أمارة على أن الظهر قد وجب وجوده.