أصول الفقه الإسلامي

الواجب والفرض بمعنى واحد، ولا فرق بينهما، فهما لفظان مترادفان.

أما ما يقوله بعض المجتهدين، من أنه إذا ثبت التكليف بدليل قطعي مثل الكتاب والسنة المتواترة فهو الفرض، وإن ثبت بدليل ظني كخبر الواحد والقياس فهو الواجب، فإن هذا الكلام تحكم ولا دليل عليه، فليس في اللغة ولا في الشرع ما يدل عليه، ولا يصح أن يكون اصطلاحاً لهم؛ لأن الاصطلاح إطلاق الأسماء على المسميات، وهذا ليس من هذا القبيل، بل هو تعريف لمسمى معين، فيتحتم أن يكون مطابقاً للواقع. وواقع هذا المسمى هو ما طلبه الشارع طلباً جازماً، لا فرق بين أن يكون الطلب ثبت بدليل قطعي، أو ثبت بدليل ظني، فالمسألة متعلقة بمدلول الخطاب وليس بثبوته.

الفرض الموسع والفرض المضيق

والفرض من حيث أداؤه قسمان:

  1. فرض موسع كالصلاة،
  2. وفرض مضيق كالصوم.

فإذا كان وقت الواجب فاضلاً عنه كصلاة الظهر مثلاً فإنه واجب موسع. وجميع أجزاء ذلك الوقت وقت لأداء ذلك الواجب فيه، فيما يرجع إلى سقوط الفرض به وحصول مصلحة الواجب. وكدليل على الواجب الموسع هو أن الأمر بصلاة الظهر، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ.. إلى أن قال: وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ..» الحديث. وهذا يشمل جميع أجزاء الوقت المذكور. وليس المراد به تطبيق أول فعل الصلاة على أول الوقت، وآخره على آخره، ولا إقامة الصلاة في كل وقت من أوقاته حتى لا يخلو جزء منه عن صلاة، ولا تعيين جزء منه لاختصاصه بوقوع الواجب فيه، إذ لا دلالة في اللفظ عليه، فلم يبق إلا أنه أراد به أن كل جزء منه صالح لوقوع الواجب فيه، ويكون المكلف مخيراً في إيقاع الفعل في أي جزء شاء منه. فالفرضية حصلت على المكلف في جميع أجزاء الوقت، ففي أي منه فعلها سقط عنه الفرض، وحصلت له مصلحة الواجب، إلا أن على المكلف أن يعزم على القيام بالفرض من أول جزء من وجوبه، فإذا أخر الصلاة عن أول الوقت بشرط العزم، ومات قبل خروج الوقت دون أن يؤدي الصلاة، لم يلق الله عاصياً. أما إذا كان المكلف قد غلب على ظنه أنه يموت، بتقدير التأخير عن أول الوقت إلى آخره، فإنه يعصي في تأخير أداء الصلاة عن أول الوقت وإن لم يمت؛ وذلك لأن الواجب الموسع لا بد أن يغلب على ظن المكلف أنه يقوم به خلال وقته، فإن لم يغلب على ظنه لم يحلّ تأخيره. وعلى ذلك فإن الحج واجب موسع على المستطيع، فله أن يقوم به في كل وقت بعد حصول الاستطاعة، لكن إذا غلب على ظنه أنه يفقد الاستطاعة قبل أداء الحج، فإنه يجب عليه الحج حالاً من الوقت الذي غلب فيه على ظنه ذهاب الاستطاعة. وهذا كله إذا كان وقت الواجب فاضلاً عنه، أما إن كان وقت الواجب غير فاضل عنه كالصوم، فإنه يجب عليه أداؤه فور وجوبه، ولا يجوز تأخيره، فإن أخره أثم، ولزمه القضاء

فرض العين وفرض الكفاية

 أما الفرض من حيث القيام به فقسمان، ولا فرق بينهما في الوجوب؛ لأن الإيجاب واحد فيهما، وكل منهما طلب الفعل طلباً جازماً:

  1. فرض عين،
  2. وفرض كفاية،

إلا أن الفرق بينهما، هو أن فرض العين قد طلب من كل فرد بعينه، وفرض الكفاية قد طلب من جميع المسلمين، فإن حصلت الكفاية بإقامته فقد وجد الفرض، سواء أقام به كل واحد منهم، أم قام به بعضهم. وإن لم تحصل الكفاية بإقامته ظل واجباً على كل واحد منهم حتى يوجد الفرض.

الواجب أو الفرض باعتبار المفعول

وهذا الإيجاب هو باعتبار الفاعل. أما اعتبار المفعول، فإن الواجب قسمان:

  1. واجب مخير،
  2. وواجب محتم.

فالواجب المخير هو ما خير فيه المكلف بين عدة أفعال، فقوله تعالى: (( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ)) فالمكلف مخير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فالواجب عليه واحد منها لا بعينه، ويتعين بفعل المكلف. أما الواجب المحتم فهو ما فرض على المكلف أن يقوم به ولم يخير، وذلك كالصلاة، فمحتم عليه أن يقوم بها دون أي تخيير بينها وبين غيرها.