إنَّ ثقافة الأمَّة (أية أمة) هي العمود الفقري لوجودها وبقائها، فعلى هذه الثقافة تُبنى حضارة الأمة وتتحدد أهدافها وغايتها ويتميز نمط عيشها، وبهذه الثقافة ينصهر أفرادها في بوتقة واحدة، فتتميز الأمة عن سائر الأمم. فهي: عقيدتها وما ينبثق عن هذه العقيدة من أحكام ومعالجات وأنظمة، وما يبنى عليها من معارف وعلوم، وما دار من أحداث مرتبطة بهذه العقيدة كسيرة الأمة وتاريخها. فإذا اندثرت هذه الثقافة انتهت هذه الأمة، كأمَّة متميزة، فتبدلت غايتها ونمط عيشها وتحول ولاؤها، وتخبطت في سيرها وراء ثقافات الأمم الأخرى.

  والثقافة الإسلامية هي المعارف التي كانت العقيدة الإسلامية سببا في بحثها، سواء أكانت هذه المعارف تتضمن:

  1. العقيدة الإسلامية كعلم التوحيد،
  2. أم كانت مبنية على العقيدة الإسلامية مثل الفقه والتفسير والحديث،
  3. أم كان يقتضيها فهم ما ينبثق عن العقيدة الإسلامية من الأحكام مثل المعارف التي يوجبها الاجتهاد في الإسلام كعلوم اللغة العربية ومصطلح الحديث وعلم الأصول، فهذه كلّها ثقافة إسلامية لأن العقيدة هي السبب في بحثها.
  4. وتاريخ الأمة الإسلامية جزء من ثقافتها لما فيه من إخبار عن حضارتها وعن رجالها وقادتها وعلمائها.
  5. وتاريخ العرب قبل الإسلام ليس من الثقافة الإسلامية، بينما يمكن اعتبار شعر العرب قبل الإسلام من هذه الثقافة لما فيه من شواهد تعين على فهم ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها، وبالتالي على الاجتهاد وعلى تفسير القرآن وفهم الحديث.

 وثقافة الأمَّة هي الصانع لشخصيات أفرادها، فهي التي تصوغ عقلية الفرد وطريقة حكمه على الأشياء والأقوال والأفعال كما تصوغ ميوله وبالتالي تؤثر في عقليته ونفسيته وسلوكه. ولذا فإن الحفاظ على ثقافة الأمة وإشاعتها في المجتمع هي من المسؤوليات الرئيسة للدولة؛ فالاتحاد السوفييتي سابقاً أرضع الثقافة الشيوعية أبناءه وحاول منع تسرب أي فكر رأسمالي أو إسلامي إلى ثقافته. والغرب برمته ربَّى أبناءه على ثقافته الرأسمالية القائمة على فصل الدين عن الحياة، وجعل عيشه قائما ومبنياً عليها، وصنع الحروب ولا يزال يصنعها لمنع تسرب الثقافة الإسلامية إلى عقيدته وثقافته.  والدولة الإسلامية حرصت على غرس الثقافة الإسلامية في أبنائها ومنعت كلَّ من يدعو إلى فكر غير مبنيٍ على العقيدة الإسلامية في داخل الدولة، وحملت ثقافتها إلى الدول والأمم بالدعوة والجهاد، وستظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

 ومن أهم الضمانات للحفاظ على ثقافة الأمة هو أن تكون ثقافتها محفوظة في صدور أبنائها وفي سطور كتبها، وأن تكون للأمة دولة تحكمها وترعى شؤونها.  وفق ما ينبثق عن عقيدة هذه الثقافة من أحكام وقوانين.

 والتعليم هو الطريق لحفظ ثقافة الأمة في صدور أبنائها وفي سطور كتبها، سواء أكان تعليما منهجيا منظما، أم غير منهجي. والتعليم المنهجي هو التعليم المنضبط بأنظمة وقوانين تتبناها الدولة، وتكون الدولة مسؤولة عن تنفيذه. مثل تحديد سنّ القبول، والمواد الدراسية وطريقة التدريس. بينما في التعليم غير المنهجي، تترك للمسلمين ممارسة التعليم في البيوت والمساجد والنوادي، ووسائل الإعلام ودور النشر وما شاكلها، دون الخضوع لأنظمة وقوانين التعليم المنهجي، مع أن الدولة في كلا النوعين مسؤولة عن الأفكار والمعارف لتكون إما منبثقة عن العقيدة الإسلامية أو مبنية عليها.  وفي باب التعليم المنهجي من موقع دولة الخلافة نتناول تباعا أسس التعليم المنهجي في دولة الخلافة إن شاء الله.