فقه الإسلام وأنظمته / فقه نظام العقوبات في الإسلام

الدية قسمان : دية مغلظة ، وهي مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ، وهي تؤخذ في القتل العمد ، إذا اختار الولي العقل ، أي الدية ، وهي عقوبة القتل شبه العمد. أما القسم الثاني فهو الدية من غير تغليظ ، وهي مائة من الإبل ، وتؤخذ في القتل الخطأ ، وفي ما أُجري مجرى الخطأ .

 

دية النعم الإبل

 والدليل على ذلك ما رواه النسائي من أن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن : " وأن في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً ، وكان في كتابه " أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بيّنة فإنّه قود ، إلاّ أن يُرْضِيَ أولياءَ المقتول ، وإن في النفس الدية مائة من الإبل " ، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ألا أن قتيل الخطأ شبهِ العمد قتيلَ السوط أو العصا فيه مائة من الإبل ، منها أربعون في بطونها أولادها " . هذا في النعم ، ولا تؤخذ من غيرها من النعم ، لأنّ النص جاء ناصاً عليها ، فلا تؤخذ من البقر ، ولا الشاة ولا غيرها ، لعدم ورود دليل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك . وأما ما روي عن عطاء عن جابر قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أَهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة " فإنّه حديث ضعيف فهو من رواية محمد بن اسحق عنه وهو ضعيف إذا عنعن لما اشتهر عنه من التدليس ، وفيه ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله ، ولم يسم من حدثه عن عطاء فهي رواية عن مجهول ، ولذلك يرد ولا يصح الاستدلال به ، وأما ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من كان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ، ومن كان في الشاة ألفي شاة " فإنّه كذلك ضعيف فإن في اسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي ، وقد تكلم فيه غير واحد ، فلا تقبل روايته ، فيرد ولا يستدل به . وعليه فإن النصوص الصحيحة إنما وردت في الإبل ليس غير ولم تذكر غيرها ، وما ورد في الأحاديث الضعيفة لا قيمة له ولا يحتج به فلا يستدل به على غير الإبل ، فتعين أن تكون الدية من الإبل فقط إذا كانت من النعم . وأما ما ورد عن عمر بانه " فرض الدية على أهل البقر مائتي بقرة " فإن عمل عمر ليس حجة فلا يكون دليلاً . على أن الحديث الذي روي عن عمر روي من طريق ابن لهيعة فإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة فهو اثر غير معتبر فيرد . وأما ما أخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر وقف خطيباً فقال : " ألا إن الإبل قد غَلَتْ فقوّم على أهل الذهب الف دينار ، وعلى أهل الوَرِق اثني عشر ألفاً ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاة الفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة " فإنّه لا يصلح دليلاً لأنّه قول لعمر ، وقول الصحابي ليس دليلاً شرعياً ، ولأنّ هذا اجتهاد من عمر في تقويم الإبل وليس تعداداً لاصول الدية ، ولذلك جاء فيه " ألا إن الإبل قد غَلَتْ فقوّم على أهل الذهب ... الخ " فهو تقويم للابل ، أي هو اجتهاد لعمر في تقويم الإبل ، واجتهادات الصحابة ليست من الأدلة الشرعية .

والابل في الدية أصل من أصول الدية ، فلا يؤخذ بدلها ، ولا تُقَوَّم ، فلا يؤخذ بقر ولا غنم ولا حُلَلٌ ولا غير ذلك ، وتؤخذ الإبل وليس غير ، ولا تقوّم بالنقد ، لأنّه لم يرد نص بتقويمها به ، ولانها دِيَةٌ أصلٌ وليست بدلاً.

 

دية النقد

هذا كله في دية النعم ، وهي دية الإبل ، وأما دية النقد فَقَدْرُها في الذهب الف دينار وفي الفضة اثنا عشر الف درهم . أما الدليل على الدية من الذهب فهو ما رواه النَّسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " وعلى أهل الذهب الف دينار " . وأما الدليل على الدية من الفضة فهو ما روي عن عكرمة عن ابن عباس : " أن رجلاً قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته اثني عشر ألفاً " ، أي اثني عشر الف درهم . فتدفع دية القتيل من النقد إما الف دينار ، وإما اثنا عشر ألف درهم ، ولا تدفع بغير ذلك من النقد لأنّ النص ورد بالذهب والفضة ، ويجب أن يتقيد بالنص .

والدينار الشرعي يساوي وزن [ 4,25 ] غراماً ذهباً ، وهو وزن المثقال الشرعي . والدرهم الشرعي يساوي وزن [ 2,975 ] غراماً فضة .

وعلى ذلك تكون دية القتيل من الذهب تساوي وزن [ 4250 ] غراماً ذهباً . ومن الفضة تساوي وزن [ 35700 ] غراماً فضة .

وتدفع بالنقود الورقية عن الألف دينار ذهباً مقدار ثمن ( 4250 ] غراماً من الذهب ، وعن الاثني عشر الف درهم من الفضة مقدار ثمن [ 35700 ] غراماً من الفضة .

 

دية الحر والعبد والمسلم والذمي والمعاهد سواء

 ودية الحر والعبد والذكر والأنثى والمسلم والذمي سواء من غير فرق بينها . أما كون دية الذكر والأنثى والحر والعبد سواء فلقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ولقوله عليه السلام : " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " ولقوله عليه السلام : " عقل شبه العمد مغلظ " وقوله : " ألا إن قتيل الخطأ شبهِ العمد قتيلَ السوط أو العصا فيه مائة من الإبل " ولما ورد في كتاب النبي لأهل اليمن : " وان في النفس الدية مائة من الإبل " فهذه الأدلة عامة يدخل فيها الذكر والأنثى والحر والعبد ، فقوله : " تتكافأ دماؤهم " يدل على أن دياتهم تتكافأ ، فلا تميز دية الحر على دية العبد ، ولا دية الذكر على دية الأنثى ، وقوله : " شبه العمد " و " قتيل الخطأ " عام يشمل كل شبه عمد ، وكل قتيل خطأ ، فتدخل فيه المرأة والرجل والحر والعبد ، وقوله : " في النفس المؤمنة " وقوله : " وإن في النفس " يدخل تحت كلمة النفس الرجل والمرأة والحر والعبد . فهذه الأدلة صريحة في أن الدية واحدة للرجل والمرأة والحر والعبد ولا تفاضل بينها.

وأما ما رُوي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " دية المرأة نصف دية الرجل " فهو حديث ضعيف لا يحتج به ، وقد قال البيهقي عن هذا الحديث : إسناده لا يثبت مثله . وأما ما أخرجه البيهقي عن علي عليه السلام أنه قال : " دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل " فإنّه قول صحابي ولا يعتبر دليلاً شرعياً . وفوق ذلك فإنّه من رواية ابراهيم النخعي ، وفيه انقطاع فيرد . وعلى ذلك فإن الذين يقولون إن دية المرأة نصف دية الرجل لا يوجد لهم دليل صحيح ، فلم يبق إلاّ الأدلة العامة فهي تدل على العموم ، ويكفي قول الرسول : " وإن في النفس المؤمنة " وقوله : " وإن في النفس " دليلاً على أن دية الرجل كدية المرأة.

وأما الذين يقولون إن دية العبد والأمة قيمتها ، بالغة ما بلغت ، أن لا تبلغ بها دية الحر أجمع ، فإنّه لا دليل لهم مطلقاً ، لا حديث صحيح ، ولا حديث ضعيف ، ولا رواية صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، وكل ما استندوا إليه اجماع أهل العلم ، فيقولون " أجمع أهل العلم " ومعلوم أن إجماع أهل العلم لا قيمة له ، ولا يعتبر دليلاً شرعياً ، وكيف يقف إجماع أهل العلم أمام النصوص العامة ، ولا سيما أمام قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " وإن في النفس الدية مائة من الإبل " وهل ينكر أحد في الدنيا أن العبد والأمة نفس ، لذلك يرد قول من احتج باجماع أهل العلم ، وتكون دية العبد والأمة كدية الحر والحرة سواء بسواء.

 

الذمي والمعاهد

 وأما كون دية الذمي كدية المسلم ، فلعمومات الأحاديث التي جاءت دليلاً على الدية ، ولا سيما قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " وإن في النفس الدية مائة من الإبل " وكلمة النفس تشمل الكافر والمسلم ، غير أن الكافر الحربي جاءت نصوص أخرى تهدر دمه ، فلا دية له ، فتكون قد أخرجت الكافر الحربي فقط ، ويبقى الذمي داخلاً في عمومها . على أن هناك نصوصاً صريحة من الكتاب والسنة تدل على أن دية الذمي كدية المسلم . أما القرآن فقد قال الله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فَدِيَةٌ مسلّمة إلى أهله } ووجه الاستدلال بهذه الآية أنها ذكرت الدية مطلقة غير مقيدة " فَدِيَةٌ مسلّمة " واطلاق الدية هذا يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم . وأما السنة فقد أخرج الترمذي عن ابن عباس : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى العامرييْن اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضميري ، وكان لهما عهد من النبيصلى الله عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو ، بدية المسلمين " وأخرج البيهقي عن الزهري : " أنه كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل دية المسلم ، وفي زمن أبي بكر وعمر عثمان ، فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف ، وألقى النصف في بيت المال . قال : ثمّ قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف ، وألقى ما كان جعل معاوية " وعن عكرمة عن ابن عباس قال : " جعل رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم دية العامرييْن دية الحر المسلم وكان لهما عهد " وأخرج البيهقي " أنهصلى الله عليه وآله وسلم جعل دية المعاهَدين دية المسلم " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم " وعن ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى ذمياً دية مسلم " ، فهذه الأحاديث كلها صريحة بأن دية الذمي والمعاهَد كدية المسلم سواء بسواء ، فهي تؤيد عموم الأدلة . ولذلك كانت دية الذمي ودية المعاهد مثل دية المسلم من غير فرق بينهما.

وأما الأدلة الواردة بأن دية الكافر نصف دية المسلم فانها لا تعارض هذه الأحاديث ، لأنّ تلك الأدلة بحق الكافر ، وهذه الأدلة جاءت بحق المعاهَد والذمي فلا تعارض بينهما . فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " عقل الكافر نصف دية المسلم " وأخرج أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين ، وهم اليهود والنصارى " . وروى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قضى أن دية عقل الكتابي نصف عقل المسلم " . فهذه الأحاديث تدل على أن دية الكافر نصف دية المسلم ، ولكنها لا تعارض الأحاديث الأخرى ، التي تجعل دية الذمي والمعاهد كدية المسلم ، لأنّها تقول " عقل الكافر " ، " عقل أهل الكتابين " ، " دية اليهودي والنصراني " ، " عقل الكتابي " فهي عامة تشمل الحربي والمعاهَد والذمي . فلما جاءت الأحاديث الأخرى الدالة على أن دية المعاهَد والذمي مثل دية المسلم خصصتها ، فيكون المراد بالكافر وأهل الكتابين واليهودي والنصراني والكتابي المراد بهم هم الحربيون ، بدليل الأحاديث الأخرى التي استثنت المعاهَد والذمي ، فتكون الأحاديث التي جعلت دية المعاهَد والذمي مثل دية المسلم خصصت الأحاديث الأخرى العامة ، وعليه لا تكون هذه الأحاديث العامة دليلاً على أن دية المعاهد والذمي نصف دية المسلم ، بل دليلاً على الحربي فقط.

 

الكافر الحربي

 وهنا قد يقال إن الكافر الحربي أٌمِرْنا أن نقاتله حيث وجدناه ، ودمه هدر فكيف تكون على المسلم نصف ديته ؟ والجواب على ذلك أن الكافر الحربي الذي أمرنا بقتله حيثما وجدناه ودمه هدر إنما هو الكافر الذي أعلنا عليه الحرب ، أي الذي بيننا وبينه حالة حرب فِعْليه ، كما كانت الحال بين قريش والرسول صلى الله عليه وآله وسلم . أما الكافر الحربي الذي لسنا معه في حالة حرب فعلية فاننا لسنا مأمورين بقتله حيثما وجدناه ، وأمرنا بقتاله كدولة أو كجماعة مشروط بدعوة الجماعة للإسلام أولاً ، ثمّ طلب الجزية إن أبوا ، والثالثة أن نقاتلهم ، وذلك كحال القبائل غير قريش مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فانها لم تكن محاربة بالفعل ، ولكنهم كانوا كفاراً حربيين ، والمسلمون لم يكونوا يقتلون هذه القبائل حيثما وجدوها أثناء الحرب مع قريش ، وقبل نزول سورة التوبة ، وإنما كان يخالطهم المسلمون ، فهؤلاء الكفّار الحربيون الذين لم تعلن الحرب بيننا وبينهم ، هم المقصودون بأحاديث دية الكافر نصف دية المسلم.

فمثلاً إذا كانت الحرب قائمة فعلاً بيننا وبين الإنجليز فاننا مأمورون بقتلهم حيثما وجدناهم ودمهم هدر ، ولكن إذا لم تكن الحرب قائمة بيننا وبين المانيا مثلاً ، ولم تكن بيننا وبينها معاهدة ، فاننا لا نقتل الالمان حيثما وجدناهم ، لعدم وجود حالة حرب فِعْليَة بيننا وبينهم ، وحينئذ لا يكون دمهم هدراً ، فإذا قتل مسلم كافراً من هؤلاء فإن على المسلم نصف الدية ، ولا يقتل بالكافر . وعليه تكون أحاديث دية الكافر نصف دية المسلم في الكافر الذي ليس بيننا وبينه حالة حرب فِعْلِيّه ، لأنّ ذاك دمه هدر ، وتكون أحاديث دية المعاهَد مثل دية المسلم خاصّة في الذمي والمستأمن ، وبذلك يظهر أن دية الذمي والمعاهد كدية المسلم سواء بسواء.

 

على من يجب دفع الدية

 أما مَنْ الذي يدفع الدية ففيه تفصيل : أما دية القتل العمد فهي في مال القاتل ، وليست على العاقلة. لما روي عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله : " لا يجني جانٍ إلاّ على نفسه ، لا يجني والد على ولده ، ولا مولود على والده " وعن الخشخاش العنبري قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي ابن لي ، فقال : ابنك هذا ؟ فقلت نعم ، فقال : لا يجني عليك ، ولا تجني عليه " . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه " فهذه الأدلة دليل على أن قتل العمد لا تحمل عاقلة القاتل دية المقتول ، ومثل ذلك المقرّ بالقتل فإن عاقلته لا تحمل ديته ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئاً " وعن عمر قال : " العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة " وعن ابن عباس قال : " لا تحمل العاقلة عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا ما جنى المملوك " وما عدا ذلك من القتل ، وهو شبه العمد ، والخطأ ، وما أُجري مجرى الخطأ ، فإن الدية على العاقلة. أما شبه العمد فقد روى أبو هريرة قال : " اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن دية جنينها عبدٌ أو وَليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها " ومعلوم أن القتل بالحجر من قتل شبه العمد ، لأنّ القتل بالحجر هو قتل بما لا يقتل غالباً .

وأما القتل الخطأ وما أُجري مجرى الخطأ فقد روي عن جابر : " أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ، ولكل واحدة منهما زوج وولد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، قال : فقال عاقلة المقتولة : ميراثها لنا ، فقال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها " وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة " فهذه النصوص دليل على أن دية الخطأ على العاقلة ، ومثل الخطأ ما أُجري مجراه لأنّه من نوع الخطأ . وتؤخذ من جميع العاقلة بالتساوي، ولكن تؤخذ من القادر ، ولا تؤخذ من العاجز، فإن عجزوا أو لم يوجدوا فهي أي الدية على بيت المال .

 

العاقلة

 والعاقلة هم العصبات فقط ، وأما غيرهم من الاخوة من الأم وسائر ذوي الارحام والزوج وكل من عدا العصبات فانهم ليسوا من العاقلة . والعاقلة هم عصبة الرجل ، وهم أخوته وأعمامه وأولادهم وأن سفلوا . وأما أبوه واولاده فانهم ليسوا من العاقلة ، والسبب في ذلك أن العاقلة هم العصبة الذين لا يرثون إلاّ بقية الميراث ، روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلاّ ما فضل عن ورثتها ، وأن قتلت فعقلها بين ورثتها " والأب والأولاد يرثون ميراثاً أصلياً ، وليس تعصيباً . وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جعل الدية على العاقلة ، ولم يجعل على الولد شيئاً منها ، فعن جابر : " أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ، ولكل واحدة منهما زوج وولد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة في عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، قال : فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا ، فقال رسول الله    صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها " . فهذا صريح بأن الرسول لم يجعل الولد من العاقلة ، ومثله الأب لأنّه في معناه ، ولأنّ مال ولده كماله ، ولأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " أنت ومالك لأبيك " . وعليه لا يكون الأب والابن من العاقلة في الدية ، والعاقلة هي العصبات ما عدا الابن والأب.

ومن لم يكن له عاقلة أخذ من بيت المال ، لما ورد في حديث سهل بن أبي حشمة عن قتيل خيبر : " فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده " وفي حديث عمرو بن شعيب " فوداه بمائة من إبل الصدقة " ، وتضمين العاقلة الدية مخالف لقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } غير أن هذه الآية عامة ، وجاءت أحاديث تضمين الدية للعاقلة فخصصتها ، فصارت استثناء من عموم الآية ، وتخصيص الكتاب بالسنة جائز وواقع بغير شك.

 

الدية لورثة القتيل

 والحاصل أن دية القتل شبه العمد ، والقتل الخطأ وما جرى مجرى الخطأ تجب على العاقلة فقط ، ولا يجب على الورثة منها شيء ، فتدفعها العاقلة وحدها ، وعاقلة الرجل هم عشيرته : إخوته وأعمامه وأولاد عمه حتى الجد الثالث ، فيبدأ بفخذه الأدنى ، فإن عجزوا ضُم إليهم الاقرب فالاقرب المكلف الذكر الحر من عصبة النسب ثمّ من عصبة السبب ، هؤلاء هم الذين يدفعون الدية، فإن عجزوا أو لم يوجدوا فهي أي الدية على بيت المال ، وتؤخذ من جميع العاقلة بالتساوي، ولكن تؤخذ من القادر ، ولا تؤخذ من العاجز . وأما لمن تعطى هذه الدية فانها تعطى لورثة القتيل فقط ، ولا تعطى العاقلة منها شيئاً ، لحديث جابر المار : " فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها ".

 

دية الجنين

 إذا ضُرِبَت امرأة حبلى ، فسقط جنينها من جراء ضربها ، سواء ماتت من الضرب ، أم لم تمت فإن على الضارب دِيَةً للجنين ، وهي عبد أو أمة ، فإن لم توجد ، فعشر من الإبل .

أما وجوب الدية ، فلما روي عن المغيرة : " أن امرأة ضربتها ضرتها بفسطاط فقتلتها وهي حبلى ، فأُتِيَ بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين غُرَّة ، فقال عصبتها : أتدي ما لا طَعِمَ ولا شَرِبَ ولا صاح ولا استهلّ ، مِثْلُ ذلك يُطَلّ ، فقال : سجع مثل سجع الأعراب" وعن ابن عباس في قصة حَمَل بن مالك قال : " فاسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً ، وماتت المرأة ، فقضى ( أي النبي ) على العاقلة بالدية ، فقال عمها : إنها قد أسقطت يا نبي الله غلاماً نبت شعره ، فقال أبو القاتلة : إنه كاذب ، إنه والله ما استَهَلَّ ولا شرب ، فمِثْله يُطَلّ ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أسجعُ الجاهلية وكُهّانها ؟ أدِّ في الصبي غُرّة" فهذا دليل على أن الواجب في الجنين هو الدية.

وأما كون الدية هي غرة : عبدٌ أو أمَةٌ ، فلِما رُوي عن أبي هريرة قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرةٍ عبدٍ أو أمةٍ " وفي رواية " فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقضى أن دية جنينها غرةٌ : عبدٌ أو وليدة".

وأما كونه إذا لم يوجد عبد أو أمة فعشر من الإبل ، فلما ورد في رواية ابن أبي عاصم : " ما له عبد أو أمة ، قال عشر من الإبل ، قالوا : ما له شيء إلاّ أن نعينه من صدقة بني لحيان فاعانه بها " .