فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوةحد السرقة هو قطع اليد ،  لقوله تعالى :  { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ولما روى البخاري عن عائشة قالت :  قال صلى الله عليه وآله وسلم "  تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً "  ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :  "  إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،  وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه "  ولما روي عن عائشة :  "  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع يد امرأة ،  قالت عائشة وكانت تأتي بعد فارفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتابت وحسنت توبتها ".

 والسرقة أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه ،  على شرط:

  1. أن يكون نِصاباً يقطع عليه ، 
  2. وأن يخرجه من حرز مثله ،
  3. وأن لا تكون في هذا المال شبهة . 

سواء أكان أخذ المال ليلاً أم نهاراً ،  وسواء أكان دخل إلى المكان بالخلع أم بغيره ،  وسواء أكان مكاناً للسكنى ،  أم كان مكانا عاماً ،  وسواء أكان مقنعاً متخفياً ،  أم كان ظاهراً ،  وسواء أكان يحمل سلاحاً ،  أم لا يحمل .  فكل أخذ للمال على وجه الاختفاء يعتبر سرقة .  ولكنه لا يقطع على السرقة إلاّ إذا استكملت شروطها الشرعية ،  التي جاءت بها النصوص الصحيحة .

ولهذا لا يجب القطع إلاّ بسبعة شروط : 

  1. أحدها :  أن ينطبق على الأخذ تعريف السرقة ،  ومعنى السرقة هو أخذ المال على وجه الاختفاء والاستتار .  فإن اختطف ،  أو اختلس ،  أو انتهب ،  أو خان لم يكن سارقاً ،  ولا قطع عليه ،  لما روى أبو داود عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  وليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع "  ولا قطع على جاحد الوديعة ،  لأنّ واقعه جاحد وليس بسارق ،  فهو خائن وليس بسارق ،  والخائن لا قطع عليه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :  "  ليس على الخائن ولا المختلس قطع "  .  والاختلاس نوع من الخطف والنهب ،  فهو يستخفي في ابتداء اختلاسه ،  ويستثنى من الخائن جاحد العارية فإنّه يقطع للنص الوارد فيه .  وأما النشال فإنّه يقطع لأنّه ينطبق عليه تعريف السرقة فهو يأخذ المال على وجه الاختفاء .
  2. الشرط الثاني :  أن يكون المسروق نِصاباً .  وقال البعض يثبت القطع في القليل والكثير ،  واستدلوا بعموم الآية ،  فإن لفظ السارق والسارقة اسم جنس محلى بالألف واللام فهو من الفاظ العموم فيشمل كل سارق ،  ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  لعن الله السارق ،  يسرق الحبْلَ فتقطع يده ،  ويسرق البيضة فتقطع يده "  والبيضة لا تساوي ربع دينار ،  وسياقها هنا للدلالة على القليل لا على نفس البيضة ،  أي يقطع مهما كانت سرقته قليلة ،  ولكن ما تدل عليه النصوص اشتراط النصاب ،  فعن عائشة قالت :  "  كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً "  وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  لا تقطع يد السارق إلاّ في ربع دينار فصاعداً "  وفي رواية قال :  "  اقطعوا في ربع دينار ،  ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك "  .  فهذه الروايات صريحة الدلالة في النص على النصاب ،  فتعتبر مخصصة لعموم الآية كتخصيص عموم الزنا بالرجم ،  وأما حديث أبي هريرة فيجمع بينه وبين حديث النصاب بأن المراد بالبيضة بيضة السلاح ،  وقد قال الأعمش في رواية حديث البيضة :  "  كانوا يرون أنه بيض الحديد ،  والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم "  وروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه :  "  أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار "  ثمّ أنه لا يدل على القلة ،  بل يدل على قلة محدده ،  وحددها بتمثيله بالحبل والبيضة .  وعليه فإن النصاب شرط في القطع فإن لم يبلغ نصاباً فلا قطع .ونصاب القطع مقدر بربع دينار من الذهب ،  وهو يساوي 1,0625 غراماً ذهباً ،  لأنّ دينار الذهب الشرعي يساوي 4,25 غراماً ذهباً .والدليل على أن هذا هو نصاب السرقة ،  ما رُوي عن عائشة قالت :  "  كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً "  وما رواه البخاري عن هشام عن أبيه قال :  "  أخبرتني عائشة أن يد السارق لم تقطع على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ في ثمن مجنّ جحفة أو ترس "  والمجنّ والجحفة مثل الترس ،  وما رواه البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر قال :  "  قطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم "  . ونصاب السرقة لا يقدر إلاّ بالذهب ،  لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  "  لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجنّ ،  قيل لعائشة ما ثمن المجنّ ؟ قالت :  ربع دينار "  فالنصاب قدّر بالذهب ،  فيجب تقديره بالذهب عملاً بالنص .  ويجعل الذهب أساساً في التقدير ،  فتقدر به الفضة ،  وكانت قد قدّرت به أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،  كما تقدر به النقود الورقية اليوم ،  إذ يبقى الذهب هو الأساس في تقدير نصاب السرقة .  وكان قد وردت أحاديث تقدّر ربع الدينار بثلاثة دراهم أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدرهم يساوي 2,975 غراماً فضة على أساس أن دينار الذهب كان يساوي 12 درهماً فضة تقريباً أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،  بينما اليوم يزيد ثمن دينار الذهب على 60 درهماً فضة ،  لذلك فإن ربع الدينار الذهب في هذه الأيام يساوي أكثر من 15 درهماً فضة تقريباً .  فقد ورد في رواية "  وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم "  وورد في رواية لأحمد "  أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم "  وأخرج ابن المنذر "  أنه أُتي عثمان بسارق سرق أترجّة فقوّمت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع "  .  فذلك كله يدل على أن النصاب ربع دينار ،  وتقدر به الفضة والنقود الورقية ،  وإن المال المسروق يقدر على أساس ذلك .
  3. الشرط الثالث :  أن يكون المسروق مالاً محترماً ،  أذِنَ الشارع بتملكه ،  فيشترط أن يكون مالاً ،  وأن يكون هذا المال محترماً ،  أي أذِنَ الشارع بتملكه .  فإن سَرَق غير مال ،  أي ما لا يعتبر مالاً ،  فلا يقطع .  فلو سرق حُراً لا يقطع ،  لأنّه لا يعتبر مالاً ،  وإن سرق مالاً غير محترم ،  أي لم يأذن الشارع بتملكه فإنّه لا يقطع .  فلا قطع في سرقة الخمر والخنزير من المسلم ،  لأنّها ليست مالاً محترماً ،  أما سرقتها من غير المسلم ففيها القطع ،  لأنّ الشارع أذِنَ لهم بتملك الخمر والخنزير ، فهي بالنسبة لهم مال محترم ، وكذلك يقطع في سرقة آنية الخمر إذا بلغت نصاباً ،  ويقطع في سرقة المصحف ،  وكتب العلم إذا بلغ ثمنها نصاباً .
  4. الشرط الرابع :  أن يسرقه من حرز ،  ويخرجه منه ،  فإن وجد باباً مفتوحاً ،  أو حرزاً مهتوكاً فلا قطع عليه ،  لما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :  "  سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها ،  قال :  فيها ثمنها مرتين ،  وضَرْبُ نَكال ،  وما أُخِذ من عطنة ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "  والحريسة هي التي ترعى وعليها حرس .  وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الثمار فقال :  "  ما أخذ في غير أكمامه فاحتمل ففيه قيمته ومثله معه ،  وما كان في الخزائن ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن "  وروى النسائي وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :  "  سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الثمر المعلق فقال :  مَنْ أصاب منه بفيه مِنْ ذي حاجة ،  غير متخذ خُبْنَة فلا شيء عليه ،  ومَنْ خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ،  ومَنْ سرق منه شيئاً بعد أن يأويه الجَرِين فبلغ ثمن المِجنّ فعليه القطع "  فدل كل ذلك على أن الحرز شرط في القطع .  فالماشية إذا أخذت من المرعى فلا قطع بأخذها ،  لأنّها لم تؤخذ من حرز مثلها ،  فإذا أخذت من عطنها ،  أو زريبتها أو ما شاكل ذلك مما هو حرز مثلها ففيها القطع .  والثمر إذا أخذ عن الشجر فلا قطع بأخذه ،  فإذا أخذ من المكان الذي يحفظ فيه ،  وهو الجرين ففيه القطع ،  وهكذا كل شيء لا قطع فيه إذا أُخذ مِنْ غير حرز مثله ،  وفيه القطع إذا أُخذ مِنْ حرز مثله ،  وبلغ ثمنه ربع دينار ذهباً . ويرجع في الحرز إلى اصطلاح النّاس ،  لا إلى نصوص اللغة ،  ولا إلى نصوص الشرع ،  وذلك لأنّه وصف واقع ،  واصطلاح على تسمية هذا الواقع ،  فلا يرجع فيه إلى الدليل ،  وإنما إلى ما اصطلح النّاس عليه .  أي أن الحرز هو ما اصطلح النّاس عليه لحفظ المال فيه ،  ويختلف باختلاف الأموال والبلدان ،  فحرز النقود غير حرز المواشي ،  وغير حرز الثياب وهكذا ... ويشترط أن يخرجه من الحرز ،  حتى يحصل القطع ،  فإن لم يخرجه منه فلا قطع .  ويستثنى من اشتراط الحرز العارية ،  فإن جاحد العارية يقطع ،  لأنّ المخزومية التي أراد أن يشفع لها أسامة ،  والتي قال لأجلها الرسول والله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ،  قد حدها الرسول ،  لأنّها كانت تستعير ،  ثمّ تنكر ما استعارته ،  وقطع الرسول يدها لجحدها العارية ،  فتكون العارية مستثناة بنص الحديث من اشتراط الحرز ،  عن عائشة قالت :  "  كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده ،  فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها ،  فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه ،  فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها ،  فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم :  يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل ،  ثمّ قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فقال :  إنما أهلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،  وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ،  والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ،  فقطع يد المخزومية "  .
  5. الشرط الخامس :  أن تنتفي الشبهة عن المال المسروق ،  من حيث أن له حقاً فيه ،  أو أن له أن يأخذ منه ،  وعليه فلا قطع بالسرقة من مال أبيه ،  ولا من مال ابنه ،  ولا من مال له فيه شراكة .  لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :  "  أنت ومالك لأبيك "  وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :  "  إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ،  وإن ولده من كسبه "  وكذلك لا قطع فيما اخذه من بيت المال .  لما روى ابن ماجة باسناده عن ابن عباس أن عبداً من رقيق الخمس ،  سرق من الخمس ،  فرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ،  فلم يقطعه وقال :  "  مال الله سرق بعضه بعضاً "  وسأل ابن مسعود عمر رضي الله عنه عمن سرق من بيت المال فقال :  "  أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق "  وعن الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول :  "  ليس على من سرق من بيت المال قطع "  ومثل بيت المال ما هو داخل في الملكية العامة ،  فإن فيه شبهة أن يكون له حق فيه ،  سواء أكان نفس المال ملكية عامة كالنفط ،  أم صار ملكية عامة ،  لأنّه صار من الحمى ،  كالكهرباء والماء ،  فإنّه إن سرق منها لا يقطع ،  ولكن يعزر ،  لوجود الشبهة ،  ولأنه كالمال الذي لبيت المال .  وكذلك لا يقطع أحد الزوجين إذا سرق من مال الآخر ،  لأنّ أحد الزوجين يتصرف في مال الآخر بغيابه ،  فتكون هذه شبهة فلا قطع .  والحاصل أن كل مال فيه شبهة الأخذ لا يجري فيه القطع إذا سرق  لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات .
  6. الشرط السادس :  كون السارق بالغاً عاقلاً ملتزماً أحكام المسلمين ،  مسلماً كان أو ذمياً ،  فإن كان صبياً أو مجنوناً فلا قطع ،  لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  "  رُفِعَ القلم عن ثلاث :  النائم حتى يستيقظ ،  وعن الصبي حتى يبلغ ،  وعن المبتلى حتى يعقل "  ورَفْعُ القلم عنهم يعني أنهم غير مكلفين شرعاً.
  7. الشرط السابع :  أن تثبت السرقة بالاقرار ،  أو البينة العادلة .  أما الاقرار فلا بد أن يكون مقروناً بالوصف ،  أي أن يصف السارق الشيء الذي سرقه ،  لاحتمال أن يكون سرق مالاً لا قطع فيه ،  وهو يظن القطع .  روى أحمد عن أبي أمية المخزومي :  "  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتِيَ بلص فاعترف اعترافاً ،  ولم يوجد معه المتاع ،  فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  ما اخالك سرقت ؟ قال :  بلى ،  مرتين أو ثلاثاً ،  قال :  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطعوه "  .  فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يتثبت أن المال المسروق هو من السرقة التي تقطع ،  فقال له ما اخالك سرقت ؟ فلما أجابه أكثر من مرة ،  قال :  اقطعوه .  ويندب للقاضي الذي يقر أمامه السارق تلقين المسقط للحدّ ،  والمبالغة في الاستثبات ،  والاقرار يكفي فيه مرة واحدة ككل إقرار .  أما ما ورد من تكرار الاقرار ،  فالمراد منه التثبيت ،  وليس شرطاً في الاقرار .  وأما البينة فيشترط أن تكون رجلين عدلين ،  أو رجلاً وامرأتين ،  أي من نوع بينة العقوبات ،  وأن يصفا السرقة وصفاً يميزها إن كانت غائبة ،  أو يشيراً إليها إن كانت حاضرة ،  وأن لا يختلفا في الشهادة اختلافاً يجعلهما متناقضين ،  فإن اختلفا كأنّ شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس ،  والآخر يوم الجمعة ،  أو شهد أحدهما أنه سرق أتومبيلاً ،  والآخر شهد بأنه سرق موتوسيكلاً ،  فإنّه لا قطع لعدم اكتمال نصاب الشهادة .

هذه هي شروط القطع في السرقة ،  فإذا استوفت السرقة هذه الشروط قطع السارق .  ولا يكتفى بقطع يده بل يجب أن يرد المال المسروق لصاحبه ،  فقد أخرج أبو داود عن الحسن بن سمرة قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  "  من وجد عَيْنَ مالِه عند رجل فهو أحق به ،  ويتبع البيع من باعه "  وهذا عام يشمل السارق والمغتصب والمختلس والخائن ،  وأخرج أحمد عن الحسن عن سمرة قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :  "  إذا سُرق من الرجل متاع ،  أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ،  ويرجع المشتري على البائع بالثمن "  فهو نص في أن المال المسروق يُرَدُ لصاحبه .  فإذا كانت العين قد تلفت ،  أو استهلكت ضمنها ،  فعليه أن يدفع ثمنها لصاحبها ،  وإن كانت العين قد نقصت بغير استعمال ،  كتعثث الثوب ،  وكتلف آلات الاوتومبيل ،  أو ما شاكل ذلك فيجب أخذ الأرْش .  ومثل ذلك لو كان النقص بالاستعمال ،  وإذا كانت العين ذات منفعة كطائرة أو جمل ،  فإن له أن يطالب السارق بمنفعتها مدّة بقائها في يده ،  سواء انتفع بها بالفعل ،  أم لم ينتفع بها .

 مالا قطع فيه

هنالك أموال وحالات لا قطع فيها ، لورود الأحاديث الدالة على عدم القطع ، ولأنها لا تدخل فيما يجب القطع بأخذه . فقد ورد عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا قطع في ثَمَرٍ ، ولا كَثَرٍ " فالثمر اسم الرطب المعلق على الأشجار ، وأما الكثر فهو النخل الصغار يسرق ليغرس في أرض أخرى ، والكَثَرُ أيضاً جُمّار النخل وطلعها ، والجمّار شحم النخلة . وعن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا قطع في الطعام المهيأ للأكل " ولا فرق في ذلك بين الطعام الذي يهيئه أهل البيت لأكلهم ،   وبين الطعام الذي يهيئه صاحب المطعم للبيع ،   فإن نص الحديث منطبق على كل طعام مهيأ لأن يأكله الناس . وأما الطعام الذي لا يزال حباً ،   او سنبلاً كالقمح ونحوه ،   فانها غير مهيأة  للأكل ،   فإن كانت في غير حرزها كالحنطة في الحقل ،   سواء أكانت محصودة ،   أم غير محصودة فلا قطع فيها ،   أما إن كانت في حرز مثلها ففيها القطع ،   لما روي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن حريسة الجبل ،   فقال : " هي ومثلها إذا جمعها المراح ففيها غرم مثله وجلدات نكال " وفي حديث عمرو بن شعيب قال : " يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال : من أخذ بِفيِه ،   ولم يتخذ خُبْنَةً فليس عليه شيء ،   ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين ،   وضرب نَكالٍ ،   وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ "  فهذا كله يدل على أن البساتين والحقول ومراعي الماشية وما شاكل ذلك لا قطع فيها .

ولا قطع في عام السَّنَةِ وهي زمان القحط ،   لما روي عن مكحول رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا قطع في مجاعة مضطر " . وذكر الحسن عن رجل قال : " رأيت رجلين مكتوفين ولحماً فذهبت معهم إلى عمر رضي الله عنه ،   فقال صاحب اللحم : كانت لنا ناقة عشراء ،   ننتظرها كما ننتظر الربيع ،   فوجدت هذين قد اجتزراها ،   فقال عمر رضي الله عنه : هل يرضيك من ناقتك ناقتان عشراوان مربعتان ،   فانا لا نقطع في العذق ،   ولا في عام السَّنة "  أي عام المجاعة ،   وكان ذلك في عام المجاعة . والعشراء الحامل التي أتى عليها عشرة أشهر قرب موعد ولادتها ،   فهي أعز ما يكون عند أهلها ،   ينتظرون الخصب والسعة للبنها ،   كما ينتظرون الربيع ،   ومعناه لا قطع في عام السَّنَة . ومثل ذلك سرقة الجائع الذي لا يجد ما يأكله ،   فانه إذا سرق ليشبع جوعته لا قطع عليه ،   لانه ينطبق عليه قول الرسول : "  لا قطع في مجاعة مضطر " .

وعلى هذا فإن صغار النخل التي تؤخذ لتغرس في أرض أخرى وكذلك جميع الفسائل ،  أي جميع ما يؤخذ ليغرس في غيره ،  وجُمّار النخل وطلعها فإنّه لا قطع فيه ،  لقول الرسول :  "  لا قطع في ثَمَر أو كَثَر "  ولم يرد ما يقيد الكَثَر بشيء ،  فيكون لا قطع فيها مطلقاً ،  سواء أخذت من حرزها أو من غيره ،  وكذلك لا قطع في الطعام المهيأ للأكل من غير أي قيد ،  سواء أخذ من حرزه أو من غير حرزه ،  لاطلاق حديث "  لا قطع في الطعام المهيأ للأكل "  .  أما الثمر والحنطة ونحوها فإنّه لا قطع فيها إن أخذت من غير الحرز ،  أما إن أخذت من الحرز فيقطع لقول الرسول :  "  وما أخذ من أجرانه ففيه القطع "  .

 

مقدار ما يقطع

إن آية القطع وهي قوله تعالى :  { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } قد نصت على قطع اليد ،  فقالت { أيديهما } ويرجع في تفسير اليد لمعناها اللغوي ،  ولفظ اليد في اللغة إذا أطلق ينصرف إلى الكف وإلى طرف الأصابع إلى آخر الكف ،  أي إلى الرسغ ،  ولا يطلق على غير ذلك إلاّ بقرينة ،  ولهذا قال في آية الوضوء :  { وأيديكم إلى المرافق } فبين غسل اليد بأنها إلى المرفق ،  ولو لم يذكر كلمة إلى المرافق لكان الغسل إلى الرسغين ،  أي لكان غسل اليد بما يفهمه معناها اللغوي .  وعليه فإن السارق تقطع يده من مفصل الكف وهو الكوع ،  وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا :  إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع ،  ولا مخالف لهما في الصحابة .  وإن الآية تقول { أيديهما } فهي أطلقت اليد ،  ولم تعينها فتدل على أنه يجوز قطع اليد اليمنى ،  ويجوز قطع اليد اليسرى من غير فرق ،  ولكن قراءة ابن مسعود "  فاقطعوا أيمانهما "  والثابت عن أبي بكر وعمر أنهما قالا :  "  فاقطعوا يمينه "  فيكون القطع هو قطع اليد اليمنى إلى الكوع ،  أي إلى الرسغ ،  يعني إلى نهاية الأصابع من آخر الكف ،  وهو العظمة التي بين الرسغين وبين الكف ،  وهو ما يطلق عليه اسم اليد لغة عند الاطلاق من غير قرينة .

وحين يقطع السارق يحسم ،  لما روي عن أبي هريرة :  "  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بسارق قد سرق شملة ،  فقالوا :  يا رسول الله إن هذا قد سرق ،  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما اخاله سرق ؟ فقال السارق :  بلى يا رسول الله ،  فقال :  اذهبوا فاقطعوه ثمّ احسموه "  .  والحسم أن يغلى الزيت ،  فإذا قطع غمس عضوه في الزيت ،  لتسد أفواه العروق لئلا ينزف الدم فيموت .  وليس الحسم واجباً ،  لأنّه حسم ،  بل هو واجب لعلة هي عدم هلاكه ،  ولذلك يجوز أن يستعمل غير الحسم لايقاف نزيف الدم ،  فيجوز استعمال الوسائل الطبية بدل الحسم .

ويقطع السارق باسهل ما يمكن ،  لأنّ المقصود عقوبته لا تعذيبه ولا قتله ،  وإذا كانت يده قد قطعت ،  وليس له يد تقطع ،  كأنّ كانت يده ذهبت بآفة ،  أو تعدى عليه معتد ،  فإنّه في هذه الحالة يسقط القطع عنه ،  ولا شيء عليه ،  وذلك لأنّ الله أمر بقطع اليد ،  فإذا لم توجد سقط القطع ،  ولا يصار إلى غيرها .  لعدم وجود نص غير هذا النص الدال على قطع اليد لا على غيرها .  ولا تقطع حامل حال حملها ،  ولا بعد وضعها حتى ينقضي نفاسها ،  لئلا يفضي إلى تلفها وتلف ولدها ،  ولا يقطع مريض في مرضه ،  فينتظر حتى يشفى ،  لئلا يأتي على نفسه ،  وإذا سرق مرات قبل القطع اجزأ قطع واحد .  وإذا قطعت يد السارق ،  ثمّ عاد فسرق بعد قطع يده لم يقطع منه شيء آخر ،  ولكنه يحبس .  أما كونه لم يقطع منه شيء فلأن الآية نصت على قطع يده وقد قطعت ،  ولم تنص على قطع شيء آخر فيكون الحدّ المقدر قد نفذ ،  وأما أنه يحبس فلأن السرقة في المرة الثانية لم يأت نص على حد لها فتكون من باب التعزير .

 

حد السرقة حق الله

حد السرقة كسائر الحدود حق الله تعالى ،  ولو كان فيه حق لآدمي .  ولذلك تقبل فيه شهادة الحسبة ،  ولا يحتاج إلى مطالبة المسروق منه بماله ،  ولا يسقط باسقاط صاحب الحق .  ثمّ إن الآية عامة كآية حد الزنا ،  فالله تعالى يقول :  { والسارق والسارقة فاقطعوا } ولأنّ موجب القطع ثبت ،  فوجب من غير مطالبة ،  كحدّ الزنا ،  بدليل حديث المخزومية ،  فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غضب من شفاعة أسامة بحدّ السرقة ،  وقال :  "  إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،  وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ،  والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها "  أي أن هلاكهم كان من تضييع الحدود .  وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  حدٌّ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً "  وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فهو مضاد لله في أمره "  .  فهذه الأدلة كلها صريحة في عدم سقوط الحدّ ،  وفي أنه حق الله تعالى ،  ولذلك لا يحتاج إلى مدع ،  وتجوز فيه شهادة الحسبة .

غير أن تنازل صاحب الحق عن حقه قبل أن ترفع الدعوى إلى الحاكم هل تسقط الحدّ أم لا ؟ هناك من يقول بأن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع .  ويستدلون على ذلك بما روي عن صفوان بن أمية قال :  "  كنت نائماً في المسجد عَلَيَّ خميصة لي فسُرِقتْ ،  فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطعه ،  فقلت يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهماً ،  أنا أهبها له ،  أو أبيعها ،  قال :  فهلا كان قبل أن تأتيني به "  وبما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  تعافوا الحدود فيما بينكم ،  فما بلغني من حد فقد وجب "  وبما أخرج الدارقطني من حديث الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :  "  اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي ،  فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه "  .  ولكن المدقق في النصوص يجد أن القطع لا يسقط بالعفو مطلقاً ،  لا قبل الرفع إلى الحاكم ولا بعده .  والدليل على ذلك عموم آية السرقة ،  ولانه إذا ثبت موجب القطع وجب القطع من غير مطالبة ،  وقد حكى ابن عبد البر الاجماع على أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحدّ ،  وكذلك حكى في البحر الاجماع على ذلك .  ولأنّ أحاديث النهي عن الشفاعة عامة فتشمل ما قبل رفع الدعوى وبعدها ،  ولأنّ حد السرقة حق الله بلا خلاف ،  وإن كان فيها حق الآدمي ،  وحق الله لا يسقط بالاسقاط .  فهذا كله يثبت أن حدّ السرقة لا يسقط بالاسقاط .  وأما الأحاديث المارة وهي حديث صفوان ،  وحديث عمرو بن شعيب ،  وحديث الزبير ،  فانها لا تدل على إسقاط الحدّ ،  وإنما تدل فقط على جواز العفو من صاحب المال ،  وعفو صاحب المال لا يعني إسقاط الحدّ ،  ولا يعني عفو الحاكم .  فحديث صفوان يقول :  "  أنا أهبها له أو أبيعها "  فقال الرسول :  "  فهلا كان قبل أن تأتيني به "  ،  أي فهلا كان عفوك قبل أن تأتيني به .  وهذا لا يعني أنه لو عفا صاحب الحق قبل أن تصل الحاكم عن طريقة ،  ثمّ جاء شاهد حسبة وادعى أنه سرق لا تقبل دعواه ،  وأنه يعفى عنه ،  فإن الحديث لا يدل على ذلك إذ أن صاحب الخميصة قال للرسول حين رأى أن السارق سيقطع بسبب خميصته :  أنا أهبها له أو أبيعها له ،  وهذا كناية عن طلبه العفو عن السرقة ،  فاجابة الرسول كان ينبغي أن تهبها له أو تبيعها له قبل أن تأتيني ،  أي كان ينبغي أن تعفو قبل أن تأتيني ،  أما بعد أن أتيتني فلا ،  أي أن حقك في العفو إنما هو قبل أن تبلغ الحاكم ،  أما بعد التبليغ فلا حق لك .  وهذا لا يدل على أن السرقة التي عفا صاحبها قبل أن تبلغ الحاكم يسقط الحدّ عن السارق فيها ،  ولا يدل على أنه إذا بلغت الحاكم من غير طريق صاحبها لا ينظر الحاكم فيها ،  بل يعفو بناء على عفو صاحبها ،  لا يدل على ذلك ،  ولا بوجه من الوجوه ،  وإنما دلالته محصورة بسقوط حق صاحب السلعة بالعفو بعد التبليغ عن السرقة ،  وجواز عفوه قبل التبليغ ،  ولا يدل على غير ذلك .  وأما حديث عمرو بن شعيب فإنّه يدل على أن العفو بينهم جائز ،  ولهذا قال "  فما بلغني من حدّ فقد وجب "  وهذا عام سواء بلغه بادعاء صاحب الحق ،  أو بلغه بادعاء غيره ،  وحديث الزبير كذلك فإنّه يقول :  "  اشفعوا ما لم يصل الوالي "  أي اشفعوا بعضكم لبعض ولهذا قال :  "  فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه "  وهذا عام سواء وصل إلى الوالي من طريق صاحب المال ،  أو وصل من طريق غيره فلا عفو .  فعموم حديث عمرو بن شعيب ،  وحديث الزبير يؤيد أن عفو صاحب المال قبل الوصول إلى الحاكم لا يسقط الحدّ فيما لو وصل إلى الحاكم ،  وكل ما في الأمر أن أصحاب المال يصح أن يصدر منهم العفو قبل الوصول إلى الحاكم .

وعليه فإن السرقة حق الله تعالى ،  ولا يسقط فيها الحدّ مطلقاً ،  سواء عفا صاحبها قبل الوصول إلى الحاكم أو بعده ،  فإذا بلغت الحاكم السرقة فيجب أن يسمع الدعوى ،  سواء رفعت من صاحبها أو من شاهد الحسبة أو من الشرطة ،  لأنّها لا تحتاج إلى مدع ،  ولا يحل له أن يرفض قبول الدعوى .  وإذا ثبتت السرقة وجب أن يقيم الحدّ ،  لأنّه لا يسقط بالاسقاط ،  ولا يشفع به ،  ولا يدخله العفو ،  "  فما بلغني من حدّ فقد وجب "  .  "  فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه "  .