البينات أربعة أنواع ليس غير وهي: الإقرار، واليمين، والشهادة، والمستندات الخطية المقطوع بها. ولا توجد بينة غير هذه البينات الأربع.

 إذ الإقرار قد جاء دليله في القرآن والحديث قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}  أي ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته، فالله قد أخذهم بإقرارهم فكان حجة عليهم. وفي الحديث جاء في حديث ماعز عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لماعز ابن مالك: «أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان، قال: نعم، فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم». وفي حديث أبي بكر في قصة ماعز أنه جاء فاعترف أربع مرات فأمر بجلده. وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «واغد يا أنيس ـ لرجل من أسلم ـ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»

 واليمين جاء دليله في القرآن والحديث قال الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».

 والشهادة قد جاء دليلها في القرآن والحديث، قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «شاهداك أو يمينه»

 والمستندات الخطية جاء دليلها في القرآن قال تعالى: {وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا} فإنها تدل على المستندات الخطية بما في ذلك دفاتر التجار والإقرارات وغير ذلك. فهذه البينات كلها قد جاء دليل عليها من الكتاب والسنة.

 أما القرائن فليس لها دليل لا من كتاب ولا من سنة فلا تعتبر من البينات سواء التي يسمونها القرينة القاطعة أو غيرها. لأنه لم يرد دليل يدل على اعتبارها بيّنة. ولا تعتبر البينة بينة شرعاً إلا إذا كان هناك دليل على ذلك أو كانت داخلة تحت دليل من الأدلة، وعليه فإن قصاص الأثر، وكلاب الأثر، وما شاكل ذلك ليس من البينات في شيء. صحيح أن القرائن وقصاص الأثر وكلاب الأثر وما شاكل ذلك يؤتنس بها ولكن الأئتناس شيء والبينة شيء آخر، فهذه وغيرها مما يمكن أن يؤتنس به يجوز استعمالها للأتناس، وذلك كقول القتيل أن فلاناً هو الذي قتله فإنه يؤتنس به ولكن ذلك كله لا يكون بينة على الدعوى، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين سأل الجارية من قتلك وسمي لها فلان وفلان فأشارت إلى اليهودي فإنه لم يأخذ قولها بينة ولكنه ائتنس به فجيء باليهودي فاعترف فقتل. وكذلك القرائن وأمثالها يؤتنس بها ولا تكون بينة.

وأما أخبار المخبرين وشهادة أهل الخبرة وتقارير الكشف والمعاينة وما شاكل ذلك فإنها ليست بينات وإنما هي أخبار فيصح أن تكون مبنية على الظن ويكفي فيها المخبر الواحد، وهي لا تكون لإثبات دعوى وإنما لكشف أمر من أمور الدعوى، كبيان قيمة الأرض أو ثمن العربة أو نفقة الأولاد أو عقل المدعى عليه أو مرض المدعي أو ما شاكل ذلك فإن هذه وأمثالها تثبت بالأخبار ولا تحتاج إلى بينة فيصح للمخبر فيها أن يبنيها على الظن ويكفي فيها المخبر الواحد.