كلمة القانون اصطلاح أجنبي ، ومعناه عندهم الأمر الذي يصدره السلطان ليسير عليه الناس ، وقد عرف القانون بأنه ( مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس على اتباعها في علاقاتهم ) وقد أطلق على القانون الأساسي لكل حكومة كلمة الدستور ، وأطلق على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور كلمة القانون . وقد عرف الدستور بأنه ( القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ، ويبين حدود واختصاص كل سلطة فيها ) أو ( القانون الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علاقاتها مع الأفراد ويبين حقوقها وواجباتها قبلهم وحقوقهم وواجباتهم قبلها ).

منشأ الدساتير

والدساتير مختلفة المنشأ ، منها ما صدر بصورة قانون ، ومنها ما نشأ بالعادة والتقاليد كالدستور الإنجليزي ، ومنها ما تولى وضعه لجنة من جمعية وطنية كان لها السلطان في الأمة وقتئذ ، فسنت الدستور وبينت كيفية تنقيحه ثم انحلت هذه الهيئة وقام مقامها السلطات التي أنشأها الدستور كما حدث في فرنسا وأمريكا .

وللدستور والقانون مصادر أخذ منها ، وهي قسمان :

  1. يقصد به المنبع الذي نبع منه الدستور والقانون مباشرة ، كالعادات ، والدين ، وآراء الفقهاء ، وأحكام المحاكم ، وقواعد العدل والإنصاف ، ويسمى هذا بالمصدر التشريعي ، مثل دساتير بعض الدول الغربية كإنجلترا وأمريكا مثلاً .
  2. يقصد به المأخذ المشتق منه ، أو الذي نقل عنه الدستور أو القانون ، مثل دستور فرنسا ، ودساتير بعض الدويلات القائمة في العالم الإسلامي ، كتركيا ، ومصر ، والعراق ، وسوريا مثلاً ويسمى هذا بالمصدر التاريخي .

هذه خلاصة الاصطلاح الذي تعنيه كلمتا دستور وقانون ، وهو في خلاصته يعني أن الدولة تأخذ من مصادر متعددة ، سواء أكانت مصدر تشريعياً ، أو مصدراً تاريخياً ، أحكاماً معينة ، تتبناها وتأمر بالعمل بها ، فتصبح هذه الأحكام بعد تبنيها من قبل الدولة دستوراً ، إن كانت من الأحكام العامة ، وقانوناً ، إن كانت من الأحكام الخاصة .

استعمال مصطلح الدستور

والسؤال الذي يواجه المسلمين الآن هو : هل يجوز استعمال هذا الاصطلاح أم لا يجوز ؟ والجواب على ذلك أن الألفاظ الأجنبية التي لها معان اصطلاحية ، إن كان اصطلاحها يخالف اصطلاح المسلمين لا يجوز استعمالها ، مثل كلمة عدالة اجتماعية ، فإنها تعني نظاماً معيناً ، يتلخص في ضمان التعليم والتطبيب للفقراء ، وضمان حقوق العمال والموظفين . فإن هذا الاصطلاح يخالف اصطلاح المسلمين ، لأن العدل عند المسلمين هو ضد الظلم ، وأما ضمان التعليم والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء ، وضمان حقوق المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين يحملون التابعية الإسلامية . سواء أكانوا موظفين أو لم يكونوا ، وكانوا عمالاً أو مزارعين أو غيرهم . أما إن كانت الكلمة تعني اصطلاحاً موجوداً معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها ، مثل كلمة ضريبة ، فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لإدارة الدولة ، ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لإدارة المسلمين ، ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب . وكذلك كلمة الدستور والقانون ، فإنها تعني تبني الدولة لأحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها وتحكمهم بموجبها ، وهذا المعنى موجود عند المسلمين . ولذلك لا نجد ما يمنع من جواز استعمال كلمتي دستور وقانون . ويراد بهما الأحكام التي تبناها الخليفة من الأحكام الشرعية . إلا أن هناك فرقاً بين الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية ، وبين غيرها من الدساتير والقوانين . فإن باقي الدساتير والقوانين مصدرها العادات وأحكام المحاكم ..الخ . ومنشؤها جمعية تأسيسية تسن الدستور ، ومجالس منتخبة من الشعب تسن القوانين ، لأن الشعب عندهم مصدر السلطات ، والسيادة للشعب . أما الدستور الإسلامي والقوانين الإسلامية فإن مصدرها الكتاب والسنة ليس غير ، ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة منه أحكاماً معينة يأمر بها فليزم الناس العمل بها . لأن السيادة للشرع . والاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية حق لجميع المسلمين ، وفرض كفاية عليهم ، وللخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية .

هذا من ناحية جواز استعمال الكلمتين دستور وقانون ، أما من ناحية وجود ضرورة تبني الأحكام ، فالذي عليه المسلمون منذ أيام أبي بكر حتى آخر خليفة مسلم ، هو ضرورة تبني أحكام معينة يؤمر المسلمون بالعمل بها . لكن هذا التبني كان لأحكام خاصة ، ولم يكن تبنياً عاماً لجميع الأحكام التي تحكم بها الدولة ، ولم تتبن الدولة تبنياً عاماً إلا في بعض العصور ، فقد تبنى الأيوبيون مذهب الشافعي ، وتبنت الدولة العثمانية مذهب الحنفية .

الحاجة للدستور

والسؤال الذي يرد ، هو : هل من مصلحة المسلمين وضع دستور شامل وقوانين عامة لهم أم لا ؟

والجواب على ذلك أن وجود دستور شامل وقوانين عامة لجميع الأحكام لا يساعد على الإبداع والاجتهاد ، ولذلك كان يتجنب المسلمون في العصور الأولى عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين تبني جميع الأحكام من قبل الخليفة ، بل كانوا يقتصرون في تبني الأحكام على أحكام معينة لا بد من تبنيها لبقاء وحدة الحكم والتشريع والإدارة ، وعلى ذلك فالأفضل لإيجاد الإبداع والاجتهاد أن لا يكون للدولة دستور شامل لجميع الأحكام ، بل يكون لها دستور يحوي الأحكام العامة التي تحدد شكل الدولة ، وتضمن بقاء وحدتها . ويترك للولاة والقضاة الاجتهاد والاستنباط!

غير أن هذا إنما يكون إذا كان الاجتهاد متيسراً ، وكان الناس مجتهدين كما هو الحال في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، أما إذا كان الناس جميعاً مقلدين ، ولا يوجد بنيهم مجتهدون إلا نادراً ، فإن من المحتم على الدولة أن تتبنى الأحكام التي تحكم الناس بها ، سواء الخليفة ، والولاة ، والقضاة ، لأنه يتعسر الحكم بما أنزل الله من قبل الولاة والقضاة لعدم اجتهادهم إلا تقليداً مختلفاً ومتناقضاً.

تبني الأحكام واعتماد الدستور والقوانين والأنظمة

والتبني إنما يكون بعد الدرس ومعرفة الحادثة ومعرفة الدليل ، علاوة على أن ترك الولاة والقضاة يحكمون بما يعرفون يؤدي إلى اختلاف الأحكام وتناقضها في الدولة الواحدة ، بل في البلد الواحد ، بل قد يؤدي إلى أن يحكم بغير ما أنزل الله . ولذلك كان لزاماً على الدولة الإسلامية ، والحال من الجهل في الإسلام على ما هي عليه الآن ، أن تتبنى أحكاماً معينة ، وأن يكون هذا التبني في المعاملات ، والعقوبات لا في العقائد والعبادات . وأن يكون هذا التبني عاماً لجميع الأحكام ، حتى تضبط شؤون الدولة . وتسير جميع أمور المسلمين ، وفق أحكام الله .

على أن الدولة حين تتبنى الأحكام ، وتضع الدستور والقوانين ، يجب أن تتقيد بالأحكام الشرعية فقط ، ولا تأخذ غيرها ، بل لا تدرس غيرها مطلقاً ، فلا تأخذ من غير الأحكام الشرعية أي شيء ، بغض النظر عما إذا وافق الإسلام أم خالفه.فلا تأخذ التأميم مثلاً بل تضع حكم الملكية العامة . ولذلك يجب أن تتقيد بالأحكام الشرعية في كل ما يتعلق بالفكرة والطريقة.

أما القوانين والأنظمة التي تتعلق بغير الفكرة والطريقة والتي لا تعبر عن وجهة نظر مثل القوانين الإدارية ، وترتيب الدوائر ، وما شاكل ذلك ، فإنها تعتبر من الوسيلة والأسلوب ، وهي كالعلوم والصناعات والفنون تأخذها الدولة وتنظم بها شؤونها ، كما فعل عمر بن الخطاب حين دون الدواوين فإنه أخذها من الفارسية ، وهذه الأشياء الإدارية والفنية ليست من الدستور ، ولا من القوانين الشرعية ، فلا توضع في الدستور.

ولذلك كان واجب الدولة الإسلامية أن يكون دستورها أحكاماً شرعية ، أي أن يكون دستورها إسلامياً ، وقانونها إسلامياً . وحين تتبنى أي حكم يجب أن تتبناه على أساس قوة الدليل الشرعي ، مع الفهم الصحيح للمشكلة القائمة . ولذلك كان عليها أن تدرس المشكلة ، أولاً لتفهمها ، لأن فهم المشكلة ضروري جداً ، ثم تفهم الحكم الشرعي الذي ينطبق على هذه المشكلة ، ثم تدرس دليل الحكم الشرعي ، ثم تتبنى هذا الحكم على أساس قوة الدليل.

على أن تؤخذ هذه الأحكام الشرعية إما من رأي مجتهد من المجتهدين ، بعد الاطلاع على الدليل والاطمئنان إلى قوته ، وإما من الكتاب والسنة أو الإجماع أو بالقياس ولكن باجتهاد شرعي ، ولو اجتهاداً جزئياً وهو اجتهاد المسألة . فإذا أرادت أن تتبنى منع التأمين على البضاعة مثلاً ، عليها أن تدرس أولاً ما هو التأمين على البضاعة ، حتى تعرفه ، ثم تدرس وسائل التملك ، ثم تطبق حكم الله في الملكية على التأمين وتتبنى الحكم الشرعي في ذلك . ولهذا كان لا بد أن تكون للدستور ، ولكل قانون ، مقدمة تبين بوضوح المذهب الذي أخذت منه كل مادة ، ودليله الذي اعتمد عليه ، أو تبين الدليل الذي استنبطت منه المادة إن كان استنباطها باجتهاد صحيح ، حتى يعرف المسلمون أن الأحكام التي تبنتها الدولة في الدستور والقوانين هي أحكام شرعية ، مستنبطة باجتهاد صحيح ، لأن المسلمين لا يلزمون بطاعة الدولة فيما تحكم إلا إذا كان حكماً شرعياً تبنته الدولة . وعلى هذا الأساس تتبنى الدولة أحكاماً شرعية تكون دستوراً وقوانين ، لتحكم بها الناس الذين يحملون تابعيتها .

ومن خلال موقع دولة الخلافة نقدم للمسلمين دستور دولة الخلافة وهي دولة الإسلام وهي دولة كل المسلمين في العالم، حتى يدرسه المسلمون وهم يعملون لإقامة دولتهم هذه لتحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم . ولا بد أن يلاحظ أن هذا الدستور ليس مختصاً بقطر معين ، بل هو دول كل المسلمين في كل العالم الإسلامي ، ولا يقصد به أي قطر أو أي بلد مطلقاً، وهذه الدولة تحمل الإسلام للعالم كله بالدعوة والجهاد رحمة للعالمين!