طباعة
المجموعة: فقه الاسلام

ينهض الإنسان بما عنده من فكر عن الحياة والكون والإنسان ، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها . فكان لا بد من تغيير فكر الإنسان الحاضر تغييراً أساسياً شاملاً ، وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض ، لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الأشياء ، ويركز هذه المفاهيم . والإنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها ،

فمفاهيم الإنسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه ، على النقيض من سلوكه من شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه ، وعلى خلاف سلوكه مع شخص لا يعرفه ولا يوجد لديه أي مفهوم عنه ، فالسلوك الإنساني مربوط بمفاهيم الإنسان ، وعند إرادتنا أن نغير سلوك الإنسان المنخفض ونجعله سلوكاً راقياً لا بد أن نغير مفهومه أولاً  { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما أنفسهم } .

والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها . والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بعد أن يوجد الفكر عن الكون والإنسان والحياة ، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها ، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها ، وذلك بإعطاء الفكرة الكيلة عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة . لأنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة . وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الأشياء هو حل العقدة الكبرى عند الإنسان . ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد ، لأنها جزئية بالنسبة لها ، أو فروع عنها . لكن هذا الحل لا يوصل إلى النهضة الصحيحة إلا إذا كان حلاً صحيحاً يوافق فطرة الإنسان ، ويقنع العقل ، فيملأ القلب طمأنينة .

ولا يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إلا بالفكر المستنير عن الكون والإنسان والحياة . لذلك كان على مريدي النهضة والسير في طريق الرقي أن يحلوا هذه العقدة أولاً ، حلاً صحيحاً بواسطة الفكر المستنير ، وهذا الحل هو العقيدة ، وهو القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة .

والإسلام قد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها للإنسان حلاً يوافق الفطرة ، ويملأ العقل قناعة ، والقلب طمأنينة ، وجعل الدخول فيه متوقفاً على الإقرار بهذا الحل إقراراً صادراً عن العقل ، ولذلك كان الإسلام مبنياً على أساس واحد هو العقيدة . وهي أن وراء هذا الكون والإنسان والحياة خالقاً خلقها جميعاً ، وخلق كل شيء ، وهو الله تعالى . وأن هذا الخالق أوجد الأشياء من عدم ، وهو واجب الوجود ، فهو غير مخلوق ، وإلا لما كان خالقاً ، واتصافه بكونه خالقاً يقضي بكونه غير مخلوق ، ويقضي بأنه واجب الوجود ، لأن الأشياء جميعها تستند في وجودها إليه ولا يستند هو إلى شيء .

أما أنه لا بد للأشياء من خالق يخلقها فذلك أن الأشياء التي يدركها العقل هي الإنسان والحياة والكون ، وهذه الأشياء محدودة ، فهي عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها . فالإنسان محدود لأنه ينموا في كل شيء إلى حد ما لا يتجاوزه ، فهو محدود . والحياة محدودة ، لأن مظهرها فردي فقط ، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد ، فهي محدودة . والكون محدود لأنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود ، ومجموع المحدودات محدود بداهة ، فالكون محدود . وعلى ذلك فالإنسان والحياة والكون محدودة قطعاً . وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزلياً وإلا لما كان محدوداً فلا بد أن يكون المحدود مخلوقاً لغيره ، وهذا الغير هو خالق الإنسان والحياة والكون ، وهو إما أن يكون مخلوقاً لغيره ، أو خالقاً لنفسه ، أو أزلياً واجب الوجود . أما أنه مخلوق لغيره فباطل ، لأنه يكون محدوداً ، وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضاً ، لأنه يكون مخلوقاً لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد ، وهذا باطل أيضاً ، فلا بد أن يكون الخالق أزلياً واجب الوجود وهو الله تعالى .

على أن كل من كان له عقل ، يدرك من مجرد وجود الأشياء التي يقع عليها حسه ، أن لها خالقاً خلقها ، لأن المشاهد فيها جميعها أنها ناقصة ، وعاجزة ومحتاجة لغيرها ، فهي مخلوقة قطعاً . ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والحياة والإنسان ليستدل به على وجود الخالق المدبر . فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في الكون ، والتأمل في أي مظهر من مظاهر الحياة ، وإدراك أي ناحية في الإنسان ، ليدل دلالة قطعية على وجود الله تعالى . ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الأشياء ، ويدعو الإنسان لأن ينظر إليها وإلى ما حولها وما يتعلق بها ، ويستدل بذلك على وجود الله تعالى . إذ ينظر إلى الأشياء كيف أنها محتاجة إلى غيرها ، فيدرك من ذلك وجود الله الخالق المدبر إدراكاً قطعياً . وقد وردت مئات الآيات في هذا المعنى ، قال تعالى في سورة آل عمران : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } وقال تعالى في سورة الروم : { ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم } وقال تعالى في سورة الغاشية : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سطحت } وقال تعالى في سورة الطارق : {فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب } وقال تعالى في سورة البقرة : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون } إلى غير ذلك من الآيات التي تدعو الإنسان لأن ينظر النظرة العميقة إلى الأشياء وما حولها وما يتعلق بها ، ويستدل بذلك على وجود الخالق المدبر ، حتى يكون إيمانه بالله إيماناً راسخاً عن عقل وبينة .

نعم إن الإيمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان . إلا أن هذا الإيمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان . وهو طريق غير مأمون العاقبة ، وغير موصل إلى تركيز إذا ترك وحده . فالوجدان كثيراً ما يضفي على ما يؤمن به أشياء لا حقائق لها ، ولكن الوجدان تخيلها صفات لازمة لما آمن به ، فوقع في الكفر أو الضلال . وما عبادة الأوثان ، وما الخرافات والترهات إلا نتيجة لخطأ الوجدان . ولهذا لم يترك الإسلام الوجدان وحدة طريقة للإيمان ، حتى لا يجعل لله صفات تتناقض مع الألوهية ، أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية ، أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية ، فيؤدي إما إلى الكفر أو الإشراك ، وإما إلى الأوهام والخرافات التي يأباها الإيمان الصادق . ولذلك حتم الإسلام استعمال العقل مع الوجدان ، وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى ، ونهى عن التقليد في العقيدة ولذلك جعل العقل حكماً في الإيمان بالله تعالى . قال تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } . ولهذا كان واجباً على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادراً عن تفكير وبحث ونظر ، وأن يحكم العقل تحكيماً مطلقاً في الإيمان بالله تعالى . ( والدعوة إلى النظر في الكون لاستنباط سننه وللاهتداء إلى الإيمان ببارئه ، يكررها القرآن مئات المرات في سوره المختلفة ، وكلها موجهة إلى قوى الإنسان العاقلة تدعوه إلى التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذره الأخذ بما وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق . هذا هو الإيمان الذي دعا الإسلام إليه ، وهو ليس هذا الإيمان الذي يسمونه إيمان العجائز ، إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر ، ثم فكر وفكر ، ثم وصل من طريق النظر والتفكير إلى اليقين بالله جلت قدرته ) .

ورغم وجوب استعمال الإنسان العقل في الوصول إلى الإيمان بالله تعالى فإنه لا يمكنه إدراك ما هو فوق حسه وفوق عقله ، وذلك لأن العقل الإنساني محدود ، ومحدودة قوته مهما سمت ونمت بحدود لا تتعداها ، ولذلك كان محدود الإدراك ، ومن هنا كان لا بد أن يقصر العقل دون إدراك ذات الله ، وأن يعجز عن إدراك حقيقته ، لأن الله وراء الكون والإنسان والحياة ، والعقل في الإنسان لا يدرك حقيقة ما وراء الإنسان ، ولذلك كان عاجزاً عن إدراك ذات الله . ولا يقال هنا : كيف آمن الإنسان بالله عقلاً مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله ؟ لأن الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته ، وهي الكون والإنسان والحياة . وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل ، فأدركها ، وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها ، وهو الله تعالى . ولذلك كان الإيمان بوجود الله عقلياً وفي حدود العقل ، بخلاف إدراك ذات الله فإنه مستحيل ، لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة ، فهو وراء العقل . والعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك . وهذا القصور نفسه يجب أن يكون من مقويات الإيمان ، وليس من عوامل الارتياب والشك فإنه لما كان إيماننا بالله آتياً عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكاً تاماً ، ولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقروناً بالعقل كان شعورنا بوجوده شعوراً يقينياً ، وهذا كله يجعل عندنا إدراكاً تاماً وشعوراً يقينياً بجميع صفات الألوهية . وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به ، واننا يجب أن نسلم بما أخبرنا به مما قصر العقل عنه إدراكه أو الوصول إلى إدراكه ، وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل الإنساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه . إذ يحتاج هذا الإدراك إلى مقاييس ليست نسبية وليست محدودة ، وهي مما لا يملكه الإنسان ولا يستطيع أن يملكه .

وأما ثبوت الحاجة إلى الرسل ، فهو أنه ثبت أن الإنسان مخلوق لله تعالى ، وأن التدين فطري في الإنسان ، لأنه غريزة من غرائزه ، فهو في فطرته يقدس خالقه ، وهذا التقديس هو العبادة ، وهي العلاقة بين الإنسان والخالق وهذه العلاقة إذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها وإلى عبادة غير الخالق ، فلا بد من تنظيم هذه العلاقة بنظام صحيح ، وهذا النظام لا يأتي من الإنسان لأنه لا يتأتى له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاماً بينه وبينه ، فلا بد أن يكون هذا النظام من الخالق . وبما أنه لا بد أن يبلغ الخالق هذا النظام للإنسان . لذلك كان لا بد من الرسل يبلغون الناس دين الله تعالى .

والدليل أيضاً على حاجة الناس إلى الرسل هو أن إشباع الإنسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي ، وهذا الإشباع إذا سار دون نظام يؤدي إلى الإشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء الإنسان ، فلا بد من نظام ينظم غرائز الإنسان وحاجاته العضوية ، وهذا النظام لا يأتي من الإنسان ، لأن فهمه لتنظيم غرائز الإنسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها ، فإذا ترك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض وأدى إلى شقاء الإنسان ، فلا بد أن يكون النظام من الله تعالى .

وأما ثبوت كون القرآن من عند الله ، فهو أن القرآن كتاب عربي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام . فهو إما أن يكون من العرب وإما أن يكون من محمد ، وإما أن يكون من الله تعالى . ولا يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلاء الثلاثة ، لأنه عربي اللغة والأسلوب .

أما أنه من العرب فباطل لأنه تحداهم أن يأتوا بمثله { قل فأتوا بعشر سور مثله } ، { قل فأتوا بسورة مثله } وقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك . فهو إذن ليس من كلامهم ، لعجزهم عن الإتيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم الإتيان بمثله . وأما أنه من محمد فباطل ، لأن محمداً عربي من العرب ، ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه وأمته ، وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على محمد العربي أنه لا يأتي بمثله فهو ليس منه ، علاوة أن لمحمد عليه الصلاة والسلام أحاديث صحيحة وأخرى رويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إلا الصدق ، وإذا قورن أي حديث بأي آية لا يوجد بينهما تشابه في الأسلوب وكان يتلو الآية المنزلة ويقول الحديث في وقت واحد ، وبينها اختلاف في الأسلوب ، وكلام الرجل مهما حاول أن ينوعه فإنه يتشابه في الأسلوب لأنه جزء منه . وبما أنه لا يوجد أي تشابه بين الحديث والآية في الأسلوب فلا يكون القرآن كلام محمد مطلقاً ، للاختلاف الواضح الصريح بينه وبين كلام محمد . على أن العرب وهم أعلم الناس بأساليب الكلام العربي لم يدع أحد منهم أنه كلام محمد أو أنه يشبه كلامه ، وكل ما ادعوه أنه يأتي به من غلام نصراني اسمه ( جبر ) ولذلك رد عليهم الله تعالى فقال : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين  } .

وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلام العرب ، ولا كلام محمد ، فيكون كلام الله قطعاً ، ويكون معجزة لمن أتى به .

وبما أن محمداً هو الذي أتى بالقرآن ، وهو كلام الله وشريعته ، ولا يأتي بشريعة الله إلا الأنبياء والرسل ، فيكون محمد نبياً ورسولاً قطعاً بالدليل العقلي .

هذا دليل عقلي على الإيمان بالله وبرسالة محمد وبأن القرآن كلام الله .

وعلى ذلك كان الإيمان بالله آتياً عن طريق العقل ، ولا بد أن يكون هذا الإيمان عن طريق العقل . فكان بذلك الركيزة التي يقوم عليها الإيمان بالمغيبات كلها وبكل ما أخبرنا الله به . لأننا ما دمنا قد آمنا به تعالى وهو يتصف بصفات الألوهية يجب حتماً أن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان من وراء العقل ، لأنه أخبرنا به الله تعالى . ومن هنا يجب الإيمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب والعذاب ، وبالملائكة والجن والشياطين وغير ذلك ، مما جاء بالقرآن الكريم أو بحديث قطعي . وهذا الإيمان وإن كان عن طريق النقل والسمع لكنه في أصله إيمان عقلي ، لأن أصله ثبت بالعقل . ولذلك كان لا بد أن تكون العقيدة للمسلم مستندة إلى العقل أو إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل . فالمسلم يجب أن يعتقد ما ثبت له عن طريق العقل أو طريق السمع اليقيني المقطوع به ، أي ما ثبت بالقرآن الكريم والحديث القطعي وهو المتواتر ، وما لم يثبت عن هاتين الطريقين : العقل ونص الكتاب والسنة القطعية ، يحرم عليه أن يعتقده ، لأن العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين . 

وعلى ذلك وجب الإيمان بما قبل الحياة الدنيا وهو الله تعالى ، وبما بعدها وهو يوم القيامة . وبما أن أوامر الله هي صلة ما قبل الحياة بالحياة بالإضافة إلى صلة الخلق ، وأن المحاسبة عما عمل الإنسان في الحياة صلة ما بعد الحياة بالحياة بالإضافة إلى صلة البعث والنشور ، فإنه لا بد أن تكون لهذه الحياة صلة بما قبلها وما بعدها ، وأن تكون أحوال الإنسان فيها مقيدة بهذه الصلة ، فالإنسان إذن يجب أن يكون سائراً في الحياة وفق أنظمة الله ، وأن يعتقد انه يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا .

وبهذا يكون قد وجد الفكر المستنير عما وراء الكون والحياة والإنسان ، ووجد الفكر المستنير أيضاً عما قبل الحياة وعما بعدها ، وأن لها صلة بما قبلها وما بعدها . وبهذا تكون العقدة الكبرى قد حلت جميعها بالعقيدة الإسلامية .

 {div width:200|height:100%|float:left|class:box3 icon-external-link}{module مواضيع مشابهة|}{/div}

ومتى انتهى الإنسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل إلى الفكر عن الحياة الدنيا ، وإلى إيجاد المفاهيم الصادقة المنتجة عنها . وكان هذا الحل نفسه هو الأساس الذي يقوم عليه المبدأ الذي يتخذ طريقة للنهوض ، وهو الأساس الذي تقوم عليه حضارة هذا المبدأ ، وهو الأساس الذي تنبثق عنه أنظمته ، وهو الأساس الذي تقوم عليه دولته . ومن هنا كان الأساس الذي يقوم عليه الإسلام -– فكرة وطريقة - هو العقيدة الإسلامية .

{ يا أيها الذين آمَنُوا آمِنُوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً } .

أما وقد ثبت هذا وكان الإيمان به أمراً محتوماً كان لزاماً أن يؤمن كل مسلم بالشريعة الإسلامية كلها ، لأنها جاءت في القرآن الكريم ، وجاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلا كان كافراً ولذلك كان إنكار الأحكام الشرعية بجملتها ، أو القطعية منها بتفصيلها ، كفراً ، سواء أكانت هذه الأحكام متصلة بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو المطعومات ، فالكفر بآية  { وأقيموا الصلاة } كالكفر بآية { وأحل الله البيع وحرم الربا } وكالكفر بآية { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، وكالكفر بآية { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به } الآية . ولا يتوقف الإيمان بالشريعة على العقل ، بل لا بد من التسليم المطلق بكل ما جاء من عند الله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .