من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

 أنواع عقود البيع من المعاملات المالية

يتبين من تتبع جميع ما تجري عليه عقود البيع من المعاملات المالية الجارية في الأسواق العالمية أن عمليات الشراء والبيع تجري في ستة أنواع:

  • أحدها شراء عملة بنفس العملة كاستبدال أوراق النقد الجديدة من الدينار العراقي بأوراق قديمة،
  • والثاني هو استبدال عملة بعملة أخرى كاستبدال دولارات بجنيهات مصرية،
  • والثالث شراء بضاعة بعملة معينة وشراء هذه العملة بعملة أخرى كشراء طائرات بدولارات واستبدال دولارات بدنانير عراقية في صفقة واحدة،
  • والرابع بيع بضاعة بعملة بجنيهات إسترلينية واستبدال دولارات بالجنيهات الإسترلينية،
  • والخامس بيع سندات معينة بعملة معينة،
  • والسادس بيع أسهم في شركة معينة بعملة معينة.

فهذه المعاملات الست تجري فيها عقود البيع في المعاملات المالية.

 

السندات والأسهم

أمّا شراء السندات والأسهم وبيعها فلا يجوز شرعاً مطلقاً لأن السندات لها فائدة مقررة فيدخل فيها الربا، بل هي نفسها معاملة ربا.

وأمّا الأسهم فإنها حصة في شركة باطلة شرعاً غير جائزة، فشراؤها وبيعها باطل، ولذلك لا يجوز التعامل بالأسهم في الشركات المساهمة كلها، سواء أكانت في شركة عملها حلال كالشركات التجارية والصناعية أم كانت في شركات عملها حرام كأسهم البنوك.

 

البضاعة

وأمّا شراء البضاعة بعملة والاستبدال بتلك العملة عملة أخرى وبيعها بعملة والاستبدال بتلك العمل عملة أخرى فكل واحدة منها عمليتان: عملية بيع وشراء، وعملية صرف، فيجري عليهما أحكام البيع والصرف، ويجري فيهما حكم تفريق الصفقة.

 

العملة

وأمّا بيع عملة بنفس العملة أو بيع عملة بعملة أخرى فهو عملية الصرف، وهي جائزة، لأن الصرف مبادلة مال بمال من الذهب والفضة، إما بجنسه مماثَلة وإما بغير جنسه مماثَلة ومفاضلة، ويجري الصرف في النقد كما يجري في الذهب والفضة، لأنه ينطبق عليه وصف الذهب والفضة باعتباره عملة وليس هو قياساً على الذهب والفضة، وإنما هو نوع من أنواعهما لاستناده إليهما في الاعتبار النقدي، فإذا اشترى ذهباً بفضة عيناً بعين بأن يقول: "بعتك هذا الدينار الذهب بهذه الدراهم الفضة" ويشير إليهما وهما حاضران، أو اشترى ذهباً بفضة بغير عينه بأن يوقِع العقد على موصوف غير مشار إليه، فيقول: "بعتك ديناراً مصرياً بعشرة دراهم حجازية"، فهذا كله جائز لأن النقود تتعين بالتعيين في العقود، فيثبت الملك في أعيانها، فإن بيع الذهب بالفضة جائز سواء في ذلك الدنانير بالدراهم أو بالحلي من الفضة أو بالنقار، والنقار هو ما يقابل التبر في الذهب من الفضة، وكذلك بيع الفضة بالذهب وبحلي الذهب وسبائكه وتبره، غير أن ذلك كله يكون يداً بيد ولا بدّ، وعيناً بعين ولا بدّ، متفاضلين ومتماثلين وزناً بوزن وجزافاً بجزاف ووزناً بجزاف في كل ذلك.

 

الصرف في نقد من جنس واحد

هذا إذا كان الصرف بين نقدين متخالفين، أمّا إن كان الصرف في نقد من جنس واحد فلا يصح إلاّ متماثلاً ولا يصح متفاضلاً، فيباع الذهب بالذهب، سواء أكان دنانير أم حلياً أم سبائك أم تبراً وزناً بوزن عيناً بعين يداً بيد، لا يحل التفاضل بذلك أصلاً، وكذلك تباع الفضة بالفضة دراهم أو حلياً أو نقاراً وزناً بوزن عيناً بعين يداً بيد، ولا يجوز التفاضل في ذلك أصلاً، فالصرف في النقد الواحد جائز، ويشترط فيه أن يكون مثلاً بمثل يداً بيد عيناً بعين، والصرف بين نقدين جائز ولا يشترط فيه التماثل أو التفاضل، وإنما يشترط أن يكون يداً بيد وعيناً بعين، ودليل جواز الصرف قوله عليه الصلاة والسلام: «بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد»، رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت. وعن عبادة بن الصامت قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبُر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلاّ سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى» رواه مسلم. وروى مسلم عن أبي بكرة قال: «أمرنا أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا قال: فسأله رجل فقال يدا بيد فقال: هكذا سمعت» وعن مالك بن أوس الحدثان أنه قال: "أقبلتُ أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب: أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورِقك، فقال عمر: كلا والله لتعطينه ورِقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الورِق بالذهب ربا، إلاّ هاء وهاء، والبُر بالبُر ربا إلاّ هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلاّ هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلاّ هاء وهاء»، رواه الترمذي. فلا يجوز بيع الذهب بالفضة إلاّ يداً بيد، فإذا افترق المتبايعان قبل أن يتقابضا فالصرف باطل، قال عليه السلام: «الذهب بالورِق ربا إلاّ هاء وهاء» رواه البخاري، وأبو داوود عن عمر ،وأخرج البخاري من طريق سليمان عن أبي مسلم قال: سألت أبا المنهال عن الصرف يدا بيد فقال: اشتريت أنا وشريك لي يدا بيد ونسيئة فجاءنا البراء بن عازب فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فذروه» وهو ما يدل على أن الصرف لا بد أن يكون يدا بيد.

 

اشتراط المجلس لصحة القبض

ويشترط أن يقبض المتصارفان في المجلس ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما، لأن الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض والقبض في المجلس شرط لصحته، روى البخاري عن مالك بن أوس قال: قال صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالورِق ربا إلاّ هاء وهاء»، وقال عليه السلام: «بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد»، رواه الترمذي. ونهى النبي عن بيع الذهب بالورِق ديناً، ونهى عن أن يباع غائب منها بناجز، ولذلك كان لا بد من التقابض في المجلس، فإن تفرقا قبل التقابض بَطُل الصرف لفوات شرطه، وإن قُبض البعض ثم افترقا بَطُل فيما لم يُقبض وفيما يقابله من العِوَض، وصح فيما قُبض وفيما يقابله من العِوَض، لجواز تفريق الصفقة، فلو صارف رجل آخر ديناراً بعشرة دراهم وليس معه إلاّ خمسة دراهم لم يجُز أن يتفرقا قبل قبض العشرة كلها، فإن قُبض الخمسة وافترقا بَطُل الصرف في نصف الدينار وصح فيما يقابل الخمسة المقبوضة، لجواز تفريق الصفقة في البيع.