طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

 الربا لا يقع في البيع والسَلَم إلاّ في ستة أشياء فقط، في التمر والقمح والشعير والملح والذهب والفضة. والقرض يقع في كل شيء، فلا يحل إقراض شيء ليرد إليك أقل ولا أكثر، ولا من نوع آخر أصلاً، لكن مثل ما أقرضت في نوعه ومقداره.

والفرق بين البيع والسلم وبين القرض أن البيع والسلم يكونان في نوع بنوع آخر، وفي نوع بنوعه، ولا يكون القرض إلاّ في نوع بنوعه ولا بد.

وأمّا كون الربا في هذه الأنواع الستة فقط فلأن إجماع الصحابة انعقد عليها، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر،والملح بالملح مِثلاُ بمثل،سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» رواه مسلم عن عبادة بن الصامت. فالإجماع والحديث نص على أشياء معينة فيها الربا فلا يثبت إلاّ فيها، ولم يرد في غير هذه الأنواع الستة دليل على التحريم فلا يكون الربا في غيرها، ويدخل فيها كل ما هو من جنسها وما ينطبق عليه وصفها. وأمّا ما عداها فلا يدخل.

 

تعليل التحريم

أمّا تعليل التحريم في هذه الأشياء فلم يرد في النص فلا يُعلّل لأن العلة علة شرعية لا عقلية فما لم تًفهم العلة من نص فلا تعتبر.

وأمّا قياس العلة فلا يأتي هنا لأنه يشترط في قياس العلة أن يكون الشيء الذي اعتبر علة وصفاً مفهِماً حتى يصح القياس عليه، فإذا لم يكن وصفاً مفهِماً بأن كان اسماً جامداً أو كان وصفاً غير مفهِم فلا يصلح أن يكون علة ولا يقاس عليه غيره.

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: كما روى ابن ماجة من طريق أبي بكرة «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» اعتبر الغضب علة لمنع القضاء لأن الغضب وصفٌ مفهم للمنع فكان علة، واستنبطت علّيّته مما فيه من معنى فُهم منه أن المنع كان لأجله، وهذا المعنى هو تحيّر العقل فيقاس على الغضب كل ما فيه مما جعل الغضب علة وهو تحيّر العقل، كالجوع الشديد مثلا فهنا يصح أن يقاس غير الغضب على الغضب لأن لفظ "الغضب" وصف مفهِم لمنع القضاء بخلاف قوله تعالى: ((حُرِّمت عليكم الميتة)) فإن الميتة ليست وصفاً مفهِماً للتحريم فلا يقاس عليها فينحصر التحريم بالميتة.

وكذلك إذا ورد النص على تحريم الربا في القمح فإنه لا يقاس عليه لأن القمح اسم جامد وليس وصفاً مفهِماً. فلا يقال حرم الربا في القمح لأنه مطعوم إذ هو ليس وصفاً مفهِماً، فلا يعتبر علة للتحريم ولا يقاس عليه غيره.

 

الطعام

وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم : «الطعام بالطعام مثلاً بمثل»، رواه مسلم عن معمر بن عبد الله. وما روى أحمد عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم بينهم طعاماً مختلفاً بعض أفضل من بعض، قال: فذهبنا نتزايد بيننا فمنعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبايعه إلاّ كيلاً بكيل لا زيادة فيه»،وما روى النسائي من طريق جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام ولا الصبرة من الطعام بالكيل المسمى من الطعام » فإن ذلك كله لا يدل على أن علة التحريم الطعام، وإنما يدل على أن الربا يحصل في الطعام فيشمل جنس الطعام كله فهو عام ، فجاء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبادة بن الصامت فحصر أصناف الطعام الربوية في: البر والشعير والتمر والملح وعليه فإن لفظ الطعام العام الوارد في النصوص السابقة هو من باب العام المراد به الخصوص أي أصناف الطعام الأربعة المذكورة، وهذا مثل قوله تعالى: ((الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم)) الآية، فلفظ الناس هنا هو عام مراد به الخصوص لأن الذين قالوا هم بعض الناس وليس عموم الناس وهكذا لفظ الطعام السابق فهو عام مراد به الخصوص أي بعض الطعام، بدليل أن هناك أطعمة كثيرة لا يحرم فيها الربا وهي من الطعام، فالباذنجان والقرع والجزر والحلاوة والفلفل والثوم والعناب تعتبر من المطعومات ولا يدخلها الربا بالإجماع مع أنه يصدق عليها لفظ الطعام لأنها من المطعوم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بحضرة الطعام»؛رواه مسلم من طريق عائشة. أي: أيّ طعام مُعدّ للأكل. فلو كان الربا في كل مطعوم لدخلها الربا. وعلى ذلك فإن لفظ الطعام العام الوارد في النصوص السابقة هو من باب العام المراد به الخصوص أي أصناف الطعام الربوية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «البر بالبر والشعير بالشعير التمر بالتمر والملح بالملح» الحديث.

 

الموزون والمكيل

وكذلك لا يقال: حُرّم الربا في الذهب والفضة لأنه موزون فتُجعل علّة تحريم الربا فيه كونه موزون جنس، ولا يقال: حُرّم الربا في الحنطة والشعير والتمر والملح لأنه مكيل فتُجعل علة تحريم الربا فيها كونها مكيل جنس، لأن الوزن والكيل جاء في الحديث وصفاً لها لا علة، روى النسائي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب تبره وعينه وزناً بوزن، والفضة بالفضة تبره وعينه وزناً بوزن، والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير سواء بسواء مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى». فالحديث بيّن الحالة التي عليها التحريم وهما الوزن بالذهب والفضة تفاضلاً، والكيل في القمح والشعير والملح والتمر تفاضلاً، فهو بيان ما يجري فيه التبادل لا علة له. وعليه فلا يجري الربا في كل مكيل أو موزون وإنما يجري الربا في هذه الأشياء الستة فقط، وزناً في الذهب والفضة، وكيلاً فيما عداهما.أي أن الربا لا يقع في البيع والسلم إلا في ستة أشياء فقط: في التمر، القمح، الشعير، الملح، والذهب، والفضة.

 

جواز القرض

وأمّا القرض فجائز في هذه الأصناف الستة وفي غيرها وفي كل ما يُتملك ويحل إخراجه عن الملك ولا يدخل الربا فيه إلاّ جر نفعا لما رواه الحارث بن أبي أسامة من حديث علي رضي الله عنه بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة» وفي رواية «كل قرض جر منفعة فهو ربا» ويستثنى من ذلك ما هو من قبيل حسن القضاء دون زيادة، لما رواه أبو داوود عن أبي رافع قال: «استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا رباعيا فقال: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاءا» .