طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

 

أوجب الإسلام تداول المال بين جميع أفراد الرعية، ومنع حصر تداوله بين فئة من الناس، قال تعالى: ((كيلا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم)).

فإذا كان المجتمع على حال من التفاوت الفاحش بين أفراده في توفير الحاجات وأريد بناؤه من جديد، أو حصل فيه هذا التفاوت من إهمال أحكام الإسلام والتساهل في تطبيقها، كان على الدولة أن تعالِج إيجاد التوازن في المجتمع بإعطائها من أموالها التي تملكها لمن قَصُرت به حاجته حتى تكفيه إياها، وحتى يحصل بهذه الكفاية التوازن في توفير الحاجات.

وعليها أن تعطي المال منقولاً وغير منقول، لأنه ليس المقصود من إعطاء المال قضاء الحاجة مؤقتاً، بل المقصود توفير وسائل قضائها بتوفير ملكية الثروة التي تسد هذه الحاجات.

وإذا كانت الدولة لا تملك مالاً أو لم تفِ أموالها بإيجاد هذا التوازن لا يصح أن تُملَك من أموال الناس، فلا تَفرض ضرائب من أجل هذا التوازن لأنه ليس من الأمور التي فُرضت على جميع المسلمين.

 

وهكذا كلما رأت الدولة اختلالاً بالتوازن الاقتصادي في المجتمع عالجت هذا الخلل بإعطاء من قَصُرت بهم الحاجة من أموال الدولة، ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار خصّ المهاجرين بأموال الفيء الذي غنمه من بني النضير من أجل إيجاد التوازن الاقتصادي، فقد رُوي أنه لما فَتح النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير صلحاً وأجلى اليهود عنها، سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يَقسِم لهم فنزلت ((وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه)) الآيات، فجعل الله أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقَسَمها النبي بين المهاجرين ولم يُعطِ الأنصار منها شيئاً سوى رجلين اثنين هما أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فقد كانت حالهما كحال المهاجرين من حيث الفقر. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دُياركم وأموالكم ولم نقسمُ لكم من الغنيمة شيئا ،فقالت الأنصار: بل نقسم لإخواننا من ديارنا و أموالنا ونؤثرهم بالغنيمة. فأنزل الله ((ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)).» فقوله تعالى: (( لا يكون دُولةً بين الأغنياءمنكم)) أي كيلا يُتداول بين الأغنياء فقط، والدُولة في اللغة اسم للشيء الذي يتداوله القوم وهي أيضاً اسم لما يُتداول من المال، أي كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون بُلغة لهم يعيشون بها، واقعاً في يد الأغنياء ودُولةً بينهم.

 

وما فُعل بفيء بني النضير وهو من أموال الدولة قد خُص به الفقراء وحُرم منه الأغنياء لتوازن توفير الحاجات بينهم. ويُفعل ذلك في أموال بيت المال إذا كانت هذه الأموال لم تأت مما يُجمع من المسلمين بل مثل أموال الغنائم. أمّا إذا كان المال جُمع من المسلمين فلا يُصرف على التوازن. ويُفعل ذلك في كل وقت لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وعليه فإن على الخليفة أن يوجِد التوازن الاقتصادي بإعطائه الفقراء من الرعية وحدهم من أموال الدولة التي في بيت المال حتى يوجد التوازن الاقتصادي بهذا العطاء. إلاّ أن هذا لا يعتبر من نفقات بيت المال الثابتة بل هو معالجة لحالة معينة من أموال معينة.