من النظام الاقتصادي في الإسلام... في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة

 

إن المواد التي حددها الشرع لبيت المال كافية لإدارة شؤون الرعية ورعاية مصالحهم، ولا يحتاج الأمر إلى فرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة، ولكن الشرع مع ذلك احتاط فجعل حاجات الأمّة قسمين اثنين:

- منها حاجات فرضها على بيت المال أي على الموارد الدائمة لبيت المال،

-ومنها حاجات فرضها على المسلمين كافة وجعل للدولة الحق في أن تحصّل المال منهم لقضاء تلك الحاجات.

وعلى ذلك فالضرائب هي مما فرضه الله على المسلمين لقضاء مصالحهم، وجعل الإمام والياً عليهم يحصّل هذا المال وينفقه هو على الوجه الذي يراه. ويصح أن يسمّى هذا الذي يُجمع ضريبة كما يصح أن يسمى مالاً مفروضاً وغير ذلك.

 

لا يجوز أن يؤخذ غير ما فرضه الشرع ضريبة

وما عدا ما فرضه الله من الموارد التي نص الشرع عليها كالجزية والخراج، وما عدا ما فرضه الله على المسلمين للقيام بالإنفاق على الحاجة المفروضة عليهم كافة كالطرقات والمدارس لا تؤخذ ضرائب، فلا تؤخذ رسوم للمحاكم ولا للدوائر ولا لأي مصلحة. أمّا ضريبة الجمارك فليست من قبيل الضرائب المأخوذة وإنما هي معامَلة للدول بمثل ما تعاملنا به، وليست ضريبة لسد كفاية بيت المال، وقد سماها الشرع مكوساً ومنع أخذها من المسلمين والذميين. ولا يجوز أن يؤخذ غير ما فرضه الشرع ضريبة مطلقاً، إذ لا يجوز أن يؤخذ من مال المسلم شيء إلاّ بحق شرعي دلت عليه الأدلة الشرعية التفصيلية، ولم يَرِد أي دليل يدل على جواز أخذ ضريبة من أحد من المسلمين سوى ما تقدم.

 

تؤخذ فقط من المسلمين وعن غِنى شرعا

أمّا غير المسلمين فلا تؤخذ منهم ضريبة لأن قضاء الحاجات الذي فرضه الشرع إنّما فرضه على المسلمين فقط، فلا تؤخذ الضريبة إلاّ من المسلمين ولا تؤخذ من غير المسلمين ضريبة سوى الجزية فقط. والخراج يؤخذ من المسلم وغير المسلم على الأرض الخراجية. أمّا كيف تؤخذ الضريبة من المسلمين فإنها تؤخذ مما زاد على نفقتهم، وعما يُعتبر عن ظهر غِنى شرعاً.

وما يُعتبر عن ظهر غِنى هو ما يفضُل عن إشباعه حاجاته الأساسية وحاجاته الكمالية بالمعروف، لأن نفقة الفرد على نفسه هي سدّه لكفاية جميع حاجاته التي تتطلب إشباعاً بالمعروف حسب حياته التي يعيش عليها بين الناس، وهذا لا يقدَّر بمقدار معيّن عام لجميع الناس، وإنما يقدَّر لكل شخص بحسب مستوى معيشته، فإذا كان ممن يحتاج مثله إلى سيارة وخادم يقدَّر بما زاد عنهما، وإنْ كان يحتاج إلى زوجة يقدَّر بما يزيد على زواجه، وهكذا. فإن كان ما يملكه يزيد على هذه الحاجات تحصَّل منه ضريبة، وإن كان لا يزيد على ذلك لا تحصَّل لأنه لا يكون مستغنياً فلا تجب عليه ضريبة.

 

ما يراعى ولا يراعى في فرض الضريبة وأخذها

  1. ولا يراعى في فرض الضرائب منع تزايد الثروة وعدم الغِنى لأن الإسلام لا يمنع الغِنى.
  2. ولا يراعى أي اعتبار اقتصادي لجمع الضرائب وإنما تؤخذ ضريبة المال على أساس كفاية المال الموجود في بيت المال لسد جميع الحاجات المطلوبة منه، فتؤخذ بمقدار حاجات الدولة للنفقات،
  3. ولا يراعى فيها إلاّ حاجات الرعية ومقدرة المسلمين على دفعها.
  4. ولا تقدّر بنسبة تصاعدية أو تنازلية مطلقاً، وإنما تقدّر بنسبة واحدة على المسلمين بغض النظر عن مبلغ المال الذي تؤخذ منه.
  5. ويراعى في تقدير النسبة العدل بين المسلمين، إذ لا تؤخذ إلاّ عن ظهر غِنى،
  6. وتؤخذ عن جميع المال الزائد عن الحاجة لا على الدخل فقط، لا فرق بين رأس المال أو الربح أو الدخل، بل تؤخذ عن المال كله.
  7. ولا تعتبر آلات الإنتاج اللازمة للعمل في الصناعة والزراعة ولا الأرض ولا العقار من رأس المال.