طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

الاحتكار حرام شرعاً ولذلك يمنع مطلقا لورود النهي الجازم عنه في صريح الحديث، فقد رُوي في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلاّ خاطئ»، و رُوى الأثرم عن أبي أمامة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحتكر الطعام»، ورُوى مسلم بإسناده عن سعيد بن المسيب أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من احتكر فهو خاطئ».

 

فالنهي في الحديث يفيد طلب الترك، وذم المحتكر بوصفه أنه خاطئ، والخاطئ المذنب العاصي، وهذا قرينة تدل على أن هذا الطلب للترك يفيد الجزم، ومن هنا دلت الأحاديث على حرمة الاحتكار.

والمحتكر هو من يجمع السلع انتظاراً لغلائها حتى يبيعها بأسعار غالية بحيث يضيق على أهل البلد شراؤها.

أمّا كون المحتكر هو من يجمع السلع انتظاراً للغلاء فلأن معنى كلمة حكر في اللغة استبد، ومنه الاستبداد بحبس البضاعة كي تباع بالكثير، واحتكر الشيء في اللغة جمعه واحتبسه انتظاراً لغلائه فيبيعه بالكثير.

وأما كون شرط انطباق الاحتكار كونه يبلغ حداً يضيق على أهل البلد شراء السلعة المحتكَرة، فلأن واقع الاحتكار لا يحصل إلاّ في هذه الحال، فلو لم يضق على الناس شراء السلعة لا يحصل جمع البضاعة ولا الاستبداد بها كي تباع بالكثير.

 

جمع السلع انتظارا للغلاء يعتبر احتكاراً

وعلى هذا فليس شرط الاحتكار أن يشتري السلعة بل مجرد جمعها انتظاراً للغلاء حتى بيعها بالكثير يعتبر احتكاراً سواء جمعها بالشراء أم جمعها من غلة أراضيه الواسعة لانفراده بهذا النوع من الغلة أو لندرة زراعتها أو جمعها من مصانعه لانفراده بهذه الصناعة أو لندرة هذه الصناعة كما هي حال الاحتكارات الرأسمالية، فإنهم يحتكرون صناعة شيء بقتل جميع المصانع إلاّ صناعتهم ثم يتحكمون في السوق، فإن ذلك كله احتكار لأنه يصدق عليها منطوق كلمة احتكر ويحتكر لغة، فالحكرة والاحتكار هو حصر السلعة أو السلع عن البيع انتظاراً لغلائها فيبيعها بالكثير.

 

حرمة الاحتكار تشمل جميع السلع

والاحتكار حرام في جميع الأشياء من غير فرق بين قوت الآدمي أو قوت الدواب وغيره، ومن غير فرق بين الطعام وغيره، ومن غير فرق بين ما هو من ضروريات الناس أو من كمالياتهم، وذلك لأن معنى احتكر في اللغة جمع الشيء مطلقاً ولم تأت بمعنى جمع الطعام أو القوت أو ضروريات الناس بل جمع الشيء، فلا يصح أن تخصص بغير معناها اللغوي. ولأن ظاهر الأحاديث التي وردت في الاحتكار يدل على تحريم الاحتكار في كل شيء وذلك لأن الأحاديث جاءت مطلقة من غير قيد، وعامة من غير تخصيص فتبقى على إطلاقها وعمومها.

وأما ما ورد في بعض الروايات لأحاديث الاحتكار من تسليط الاحتكار على الطعام كحديث «نهى رسول الله أن يحتكر الطعام» وغير ذلك من الروايات، فإن ذكر الطعام في الحديث لا يجعل الاحتكار خاصاً بالطعام، ولا يقال في ذلك أن النهي عن الاحتكار ورد في بعض الروايات مطلقاً وبعض الروايات مقيدا بالطعام فيحمل المطلق على المقيد لا يقال ذلك لأن كلمة الطعام في الروايات التي ذكرتها لا تصلح لتقييد الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق. وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد ولا للتخصيص؛ أي أن ذكر الطعام في بعض روايات أحاديث الاحتكار تنصيص على نوع من أنواع الاحتكار كمثال عليها وليست هي قيداً للاحتكار ولا وصفاً له مفهوم يُعمل به، بل هو اسم جامد لمسمى معين، أي هو لقب وليس نعتاً فلا يُعمل بمفهومه. والذي يصلح قيداً أو مخصصاً هو ما له مفهوم يُعمل به، وهنا ليس كذلك، فدل على أن الروايات التي نهت عن الاحتكار، حتى الروايات التي ذكرت الطعام، هي أحاديث مطلقة وعامة، فيشمل النهي عن احتكار كل شيء مطلقاً، وواقع المحتكر أنه يتحكم في السوق ويفرض على الناس ما يشاء من أسعار باحتكاره السلعة عنده، فيضطر الناس لشرائها منه بالثمن الغالي لعدم وجودها عند غيره، فالمحتكر في حقيقته يريد أن يغلي السعر على المسلمين، وهذا حرام لما رُوي عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغليه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده بعُظم من النار يوم القيامة».